عناصر الخطبة
- الرجاء في الله هو سمة من سمات المؤمنين حقًا.
- الإشارة إلى إبراهيم -عليه السلام- ورجاؤه في مغفرة الله.
- تذكير المؤمنين بفضل الله ورحمته.
- الاستفادة من الحياة النبوية في توجيه الناس نحو الرجاء والتفاؤل.
- أهمية الدعاء والتقرب من الله من خلاله.
- عدم اليأس من رحمة الله حتى في الأوقات التي يقع فيها المرء في الخطأ.
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي رزق المؤمنين رجاءه، فباتوا يرقبون مغفرته ورضوانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أكرم الراجين رحمته بالحسنات، وأثابهم عليه رفعة الدرجات.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أحرص الناس على رحمة الله، وأطمعهم في عفوه ورضاه، وعلى آله البررة الكرام، وصحابته الأوفياء العظام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيام.
الخطبة الأولى
أما بعد، فيا أيها المؤمنون: اتقوا الله تقوى الراجين من الله المثوبة والرضوان، الطامحين إلى جنته كل وقت وآن، واعلموا –وفقكم الله– أن من رحمة الله بعباده أن جعلهم لرحمته راجين، وإلى مغفرته مسارعين، وفي أفضاله طامعين. هذا وإن لرجاء الله فضلا وأي فضل، فها هو إبراهيم –عليه السلام– يقول: ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾، ورجاء الله هدي المؤمنين الذين يفعلون ما أمر الله به، وينتهون عما نهى الله عنه، قال تبارك تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾.
بل هو سمت أولي العلم العابدين العارفين، قال –جل وعلا–: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾، فهذا هدي المؤمنين –يا عباد الله– يرجون رحمة الله، ويخافون عقابه، ويأخذون بالأسباب، ويرجون لقاء الله، وقد نعى الله –تقدست أسماؤه– على الذين لا يرجون لقاء الله في مواضع كثيرة من كتابه، وبين بعض صفاتهم وعملهم، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾، فقد وصف من لا يرجو لقاءه بالغفلة، وقال عنهم: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾، ووصفهم بالاستكبار والعتو –وقانا الله شرهما– فقال: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا﴾.
وسنة المصطفى بينت هذا الهدي العظيم، والخلق القويم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي ﷺ قبل موته بثلاثة أيام يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل».
أيها المؤمنون: إن للرجاء معاني متعددة في كتاب الله، فمن معانيه الخوف، قال تعالى: ﴿مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾، أي: ما لكم لا تخافونه، وبهذا المعنى وردت هذه الآية أيضا: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا﴾، ومن معانيه –يا عباد الله– الطمع في رحمة الله، قال سبحانه وتعالى: ﴿أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، أي: يطمعون فيها، ومن المعاني توقع الثواب، قال ﷻ: ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾.
ومما ينبغي للمؤمن أن يحققه في قلبه ويسعى إليه هذا الرجاء المذكور، فإن لم يجده في قلبه فعليه أن يسعى إليه بعوامل عدة، فمن تلك العوامل – أيها الراجون رحمة الله – أن يتذكر الإنسان فضل الله عليه، وذلك بأن أرسل إليه رسولا، وهداه للدين القويم، ورزقه الصحة والعافية، وغيرها؛ فبذلك يغمر الرجاء قلبه، وتسكن الطمأنينة فؤاده.
ومن الوسائل التي تجعل الإنسان راجيا لربه –يا عباد الله– تذكر ما أعده الله للمؤمنين الموفين من نعيم دائم لا يزول، ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ﴾؛ فتشرئب نفسه إلى ذلك النعيم الأبدي، فيعمر الرجاء قلبه، ويشغل فؤاده ولبه، ومما يجعل قلب المؤمن عامرا بالرجاء تذكر رحمة الله بعباده، ومن رحمته ما أعده للمسلم من حسنات كثيرة لمجرد أن يفكر في عمل الخير، وما أعده من عفو عن السيئات إن لم يعملها، بل اكتفى بالتفكير فيها، جاء عنه عليه السلام: «ومن هم بسيئة فلم يعملها، كتبت له حسنة».
فاتقوا الله –عباد الله–، واعلموا أن الرجاء باب رحب للأمل، وشراع يقود الإنسان إلى مرافئ التقوى وحسن العمل.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
⇐ وهنا أيضًا خطبة تهز الجبال.. بعنوان: بشارات الله ﷻ لعباده الصالحين
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل لنا إلى الرجاء أبوابا، ووقانا بسببه جحيما وعذابا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أحرص الناس على حسن الظن بالله، وأبعدهم عن كل ما فيه سخطه وعقوبته، وعلى آله وصحبه الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يقوم الناس لرب الأنام.
أما بعد، فيا عباد الله: إن لكل عمل صالح ثمرات يانعة، وآثارا باهرة، فمن فوائد رجاء الله وثماره المواظبة على الطاعات، والتلذذ بها، فإن الإنسان إن أكرم بشيء محدود سارع إليه وبادر، فكيف بمن يكرم بجنة عرضها السماوات والأرض، غير محدودة ولا مقطوعة!
ومن آثاره الإكثار من عبادة الدعاء؛ لأنه مبني على الرجاء، والدعاء مخ العبادة وأسها، وأساسها ونبراسها، وقد أمر الله عباده أن يسألوه ؛ قال ﷻ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾، ومن آثاره أن الإنسان لا يقنط من رحمة الله إن اقترف ذنبا، ثم تاب إلى الله بصدق، قال تعالى: ﴿قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ﴾.
فاتقوا الله –عباد الله–، ولنكن من أهل الرجاء الطامحين إلى عفو الله ورضوانه، المحسنين الظن به، الساعين إلى جنته ومثوبته.
⇐ لا تنسى أيضًا مطالعة خطبة: رحمة الله ﷻ وسعت كل شيء
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.
⇐ كذلك؛ هنا خطبة ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ مكتوبة
وفقنا الله ﷻ وإياكم لكل سداد.