عناصر الخطبة
- من دلائل إعجاز القرآن الكريم ارتباط القراءة باسم الخالق سبحانه في قوله ﷻ (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، ليجمع العبد بين العلم والعبودية لله ﷻ الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم.
- القراءة مفتاح العلم والحِلم، وبالعلم والعمل ارتقى الصحابة رضي الله عنهم، ونشروا الدعوة في أصقاع الدنيا.
- ثمرة القراءة والعلم والعمل تقوى الله ﷻ، فكانت آية (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) آخر آية نزلت، للتذكير بأن التقوى هي ثمرة القراءة التي بها ارتقينا.
- أمة الإسلام ارتقت على الأمم ونالت مكانة الريادة لأنها جمعت بين القراءة الهادفة، والعبادة الخالصة، وما دام القرآن الكريم يتلى ستبقى أمتنا ترتقي حتى يرث الله الأرض ومنْ عليها.
- نية الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة تقتضي أن نظل مع العلم والعمل في كل مراحل العُمر حتى نلقى الله ﷻ.
- المواظبة على دعاء يونس عليه السلام، هذا الدعاء الجامع بين التوحيد الخالص، واعتراف العبد بالتقصير في طاعة ربه سبحانه، (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، ندعو به على نية نجاة الأمة من ظلمات الوهم والجهل.
الخطبة الأولى
كان العرب في ظلمات الجهل، فبعث الله سبحانه سيدنا محمداً ﷺ من أنفسهم لهدايتهم، وإخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم، قال الله ﷻ (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) سورة التوبة.
ومن رحمة الله ﷻ بالإنسان والإنسانية أن تكون آية (اقرأ باسم ربك الذي خلق) هي أول آيات القرآن الكريم نزولاً، لتحمل رسالة عالمية تدعو إلى القراءة والإقبال على الكتاب علماً وتدبراً لما للكتاب من مكانة عالية عظيمة في الإسلام، فالكتاب هو الصديق والأنيس، وبالعلم يرتفع الإنسان وتسمو مكانته عند الله ﷻ وعند الخلق، يقول الله جلّ وعلا: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِين َآمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ المجادلة: 11.
وكيف لا يكون العلم بهذه المنزلة وهو النور الذي يستضئ به العبد فيعرف به ربّه عز وجل وكيف يعبده ﷻ: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ محمد: 19، وكيف يعامل عباده، وهو في المحصّلة طريق إلى رضوان الله والجنّة، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة» ← سنن ابن ماجه.
وطريق الوصول إلى هذه المكانة الرفيعة بكثرة القراءة والمطالعة والإقبال على العلم والتعلم، فالقراءة هي غذاء العقل الذي به يقوى:
يا خادمَ الجسم كم تشقى بِخدمته
أتطلب الربح فيما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
ومن تكريم الله ﷻ لأمة الإسلام أن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة إلى يوم القيامة، وإن كلمة (القرآن) مشتقة من القراءة، قال ﷻ: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ، لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الواقعة: 77–80، وبه رفع الله ﷻ قدر هذه الأمة، وزكى قلوبها، وفتح عقولها، ونقلها من ظلمات الجهل إلى نور العلم، قال ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ الجمعة: 2.
فأول كلمة نزلت على النبي ﷺ هي ﴿اقرأ﴾ لتكون المفتاح الذي يفتح العقول والقلوب لبناء أمة جديدة أول مقوماتها النظر بنور العلم والبصيرة، تستمد همتها من المعجزة الخالدة التي كان أول نزولها على النبي ﷺ وهو في غار حراء الأمر بالقراءة، قال ﷻ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ العلق: 1–5، بل إن الأمر الوحيد الذي أمر الله ﷻ نبيه ﷺ أن يطلب فيه الزيادة هو العلم والمعرفة، فقال ﷻ: ﴿وقل ربِّ زدني علما﴾ طه: 114.
وكانت النتيجة أن آتت هذه الدعوة أُكلها، وأينعت ثمارها جيلاً قاد الأمة إلى أعالي قمم الرفعة، ورفعها من حضيض الثرى إلى نجم الثريا، ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَاب﴾ الزمر: 9.
ففتحت أمتنا القلوب والعقول قبل أن تفتح الحصون والقلاع، ولا زالت أمتنا قادرة على متابعة سيرة نبيها ﷺ، والالتزام بهديه ونهجه والمحافظة على إرثه، ولنا في بلادنا وأوطاننا ما نفاخر به، فنحمد الله ﷻ على دوام نعمه بأن فتحت مرافق العلم أبوابها، واحتضنت المدارس والجامعات أبناءها، لينهلوا منها العلوم والمعارف التي ينهض بها الوطن ويزدهر، وهذه من أعظم النعم التي تستوجب منا الشكر بالحفاظ عليها من انتشار المرض والوباء.
ومن شرف القراءة وأهميتها حثّ النبي ﷺ على العلم والتعلم، أن جعل فداء أسرى بدر تعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة، وفي ذلك إشارة مهمة وهي أن العلم هو حياة الإنسان، وبه تكون النجاة في الدنيا والآخرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله ﷺ فداءهم أن يعلِّموا أولاد الأنصار الكتابة» ← رواه الإمام أحمد.
وبالإقبال على القراءة والتعلم، يسمو الإنسان ويرتفع قدره، وتعلو منزلته، وبها يصبح مقدماً في جميع الميادين، يقول النبي ﷺ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤهُمْ لِكتَابِ اللَّهِ» ← رواه مسلم.
وفي هذا الحديث إشارة إلى أن القراءة والتعلم هو ما يؤهل الإنسان لقيادة المجتمع، وبالقراءة تتأهل الأمة للقيادة من جديد وتأخذ دورها الحضاري بين المجتمعات وأن تكون رائدة في شتى المجالات.
⬛️ وهنا: خطبة عن فضل وأهمية القراءة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، وبعد:
عباد الله: لا ينبغي للمسلم أن يكسل عن القراءة وطلب العلم مهما بلغ عمره أو كثرت مشاغله، بل عليه أن يبذل وسعه ويجتهد، وأن يجعل له ورداً يومياً مما تيسر له من قراءة القرآن الكريم حتى لا يكتب عند الله هاجراً للقرآن، قال ﷻ: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ المزمل: 20.
كما يحرص على القراءة في الكتب النافعة المفيدة، فالكتاب هو الصديق الصدوق الذي لا يملّ صاحبه، وهو مستودع الحكم، وبه يجول الإنسان في صنوف العلوم والمعارف:
أعزّ مكان في الدنا سرج سابحٍ
وخير جليس في الزمان كتاب
ولنا في رسول الله ﷺ وصحابته الكرام أسوة حسنة، فالنبي ﷺ نزل عليه القرآن الكريم وهو في الأربعين من عمره، وأقبل الصحابة على العلم والقراءة وبعضهم في سنٍّ كبيرة، ولم يمنعهم ذلك من الطلب والاستزادة، خاصة وأن ثمرة هذه القراءة في الدنيا والآخرة عظيمة جليلة، ففي الدنيا ينال المسلم ثواب القُرب من الله ﷻ، فالسورة الكريمة التي بدأت بكلمة (اقرأ) انتهت بقوله ﷻ: (واسجد واقترب) العلق:19، وأما في الآخرة فإن منزلة الإنسان عند ربه تكون عند آخر آية يقرؤها، كما أخبر بذلك النبي ﷺ: «يقال لقارئ القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» ← سنن أبي داود.
وفي هذا الحديث توجيه من النبي ﷺ بأن القراءة هي سبب رقي الإنسان، فيرتقي بقراءة القرآن في الآخرة، ويرتقي بقراءة العلوم والمعارف حتى ينهض المجتمع في الدنيا مع استحضار نية العبادة لله ﷻ بهذه القراءة.
والحق أنَّ منْ ذاق مذاق القراءة والعلم تصبح لديه ملَكَةٌ علميةٌ في جميع مناحي حياته، ويحب العلم والعلماء، والحكمة والحكماء.
ومع المواظبة على القراءة والتعلم، لا ننسى التوجه لله ﷻ بالفلاح والتوفيق، والمواظبة على دعاء يونس عليه السلام في ظلمات البحر في بطن الحوت: ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ أربعين مرة في اليوم والليلة، فإن فيه فلاحاً ونجاحاً للأمة جميعها ونجاة من ظلمات الوهم والجهل، كما أخبر بذلك الله سبحانه ﷻ: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأنبياء: 88.
والحمد لله رب العالمين..