بهذا الاسم، وهذا العنوان، وذلك المحتوى القوي المؤثر؛ أتيناكم ومعنا هذه المباركة. خطبة جمعة جديدة مكتوبة تُوفَّر لكم عبر صفحات موقع المزيد.كوم تحت عنوان: عنوان السعادة. ومن العنوان نشعر أن هناك الكثير من البُشرى والخير والفضل ينتظرنا.
الخبر السَّعيد أيضًا أننا لن ننتظر كثيرًا، أو لن ننتظر أصلا، فالخطبة معنا الآن، حاضرة، جاهزة، مكتوبة، كاملة.. ما عليك سوى القراءة والاطلاع، وأن تغتنم منها كل خيْر.
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي خلق الخلق لعِبادَتِهِ، وأراد منهم شُكْرَه، والصبر على بَلائِهِ، له الحمد على ما أعطى، وله الحمد على ما به ابْتَلَى، وله الحمد في الأولى والأخرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، أشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهَدَ في الله حقَّ الجهادِ.
اللهمَّ صَلَّ وسَلّمْ وبارك على عبدك ورسولك محمد ما تتابع الليل والنهار، اللهم صلِّ على النبي الكريم كُلَّمَا صَلَّى عليه المُصَلُّون، وكلما غَفَلَ عن الصلاة عليه الغَافِلُونَ، سَلَّم اللهم تَسْلِيمًا مَزيدًا.
أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون، أوصيكم ونفسي بحق الوصية ألا وهي تقوى الله ﷻ، فإن التقوى بها تُفَرَّجُ الكُرُبَاتُ، وإن بالتقوى رِفْعَة المَنْزِلات، وإن بالتقوى تحصيل الخيرات، وإن بالتقوى إدراك السعادة في الدنيا والآخرة.
اللهم اجعلنا من المتقين الذين يعملون ما تحب، ويتركون ما تسخط و تأبى يا أكرم الأكرمين.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون بالله رَبَّا، بالإسلام دِينًا، وبمحمد ﷺ نبياً ورسولاً، أيها المؤمنون لا شك أن كل واحد منا يسعى لكي يكون سعيدا في هذه الحياة، وسعادة المرء في هذه الحياة وفي الدار الآخرة مطلبٌ عظيم، بل هو المطلب الأعظم، فإن المرء لا يهدأ باله، ولا يَقَرٌ قَرَارُهُ إِلا إذا سعى إلى أسباب السعادة، ورَجَا مِنَ الله ﷻ الكريم أن يجعله سعيدًا، قال بعض السلف رحمهم الله ﷻ: السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمَّهِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
يَعْنِي: مَنْ كُتِبَتْ له السعادة فهو السعيد، ومن كتبت عليه الشقاوة فهو الشقي.
ومع ذلك فقد قال ﷺ: «اعْمَلُوا فَكُلُّ مُيَسَّرْ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، فالواجب على العبد المؤمن أن يَتَحَرَّى ما به سعادته، وأن يَتَحَرَّى ما فيه مَصْلَحتُه في هذه الدنيا، وفي الآخرة.
ولا شك أن المصلحة كل المصلحة، وأن السعادة كل السعادة إنما هي في تحقيق عبودية المرء لِرَبِّه ﷻ؛ لأن الله ﷻ تَكَفَّلَ للمؤمن الذي عَمِلَ الصالحات أن يجعل حياته طيبة، وأن يغفر له ذنبه و ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوَةً طَيِّبَةً﴾ [سورة النحل: ٩٧].
أيها المؤمنون، إن أصول السعادة أن يجمع المرء في حياته بين ثلاثة أشياء يحققها جميعًا، ويجاهد نفسه في تحقيقها، أما هذه الثلاث فهي:
- أن الله ﷻ أعطانا وأوجب علينا الشكر.
- وابتلانا وأوجب علينا الصبر تجاه البَلْوَى.
- ووقع منا ذنوب وخطايا فأوجب علينا الاستغفار.
فهذه الثلاث عنوان السعادة وسبيل السعادة في الدنيا والآخرة، فمَنْ إذا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَمَنْ إِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، ومَنْ إِذا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ، فَمَنْ وُفِّقَ لهذه الثلاث فقد أُوتِيَ حظًا عظيمًا.
أيها المؤمنون، إن نِعَمَ الله ﷻ علينا كثيرة، نُصِبحُ في نعمة الله، ونُمْسِي في نعمة الله، وكل واحد منا لو تأمل في نفسه، لو تأمل في بدنه، لو تأمل فيما حوله، لو تأمل في أهله وولده، لو تأمل في مجتمعه، لو تأمل في هذه الأحوال والأشياء لأقرَّ مُعَظَّما أن نِعَمَ الله ﷻ لا تُحْصى كما أخبر ﷻ بقوله: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَارُ﴾ [سورة إبراهيم]، وقال أيضا: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [سورة النحل].
إن شكر النعمة واجب أَمَرَ الله ﷻ به، وتَأَذَّنَ ﷻ بالزيادة لمَنْ شَكَرَ، فقال: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [سورة إبراهيم]، وأمر بها ﷻ في مواضع كثيرة، فقال: ﴿وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [سورة البقرة: ١٥٢].
فالشكر على النعم واجب، وكل نعمة تَسْتَحِقُّ أن نشكر الله ﷻ عليها بألسنتنا وبقلوبنا وبأعمالنا، قال العلماء: دَلَّتِ النصوص من الكتاب والسنة على أن شُكْرَ النَّعَم يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالجوارح عملاً.
أما شكر النعم بالقلب: فأَنْ يَعْلَمَ المؤمن، وأن يُقر بلا ريب ولا تردد أن كل نعمة هو فيها فالله ﷻ هو مُسْدِيها، وهو مولاها ﷻ، فيُقر بأنه ليس منه شيء، وليس إليه شيء، وإنما النعم يرجع الفضل فيها إلى مَنْ أَسْدَاها، وهو الله ﷻ، الذي أنعم بها، كما قال ﷻ: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [سورة النحل: ٥٣]، وهذا نص صريح في العموم على أنه ما مِنْ نِعْمَةٍ إلا وهي من الله ﷻ، فإقرار القلب وإذعانه بأن هذه النّعَمَ إنما هي من الله ﷻ، هذا نوع مِنَ الشَّكرِ الله ﷻ، وهو شُكْرُ واجب، والعباد إذا بَذَلُّوا شيئًا من النعم، فإنما هم أسباب قد سَخَّرَهم الله ﷻ لذلك، ويُشْكَرُ مَنْ كان سببا في الخير كما أمر الله ﷻ بشكر الوالدين ﴿أَنِ اشْكُرْ لي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَى الْمَصِيرُ﴾ [سورة لقمان].
أيها المؤمنون، إن شُكْرَ الله ﷻ يكون أيضا باللسان بأن نتحدث بنعم الله علينا، وأن لا نَكْتُمَ نعمة الحق ﷻ علينا كما أمرنا ﷻ بقوله: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِتْ﴾ [سورة الضحى].
فالمؤمن المُسَدَّدُ لا ينفَكُّ لِسانُه يتحدث عن نِعَمِ رَبِّه عليه، وعن حَمْدِ اللَّهُ عَلَى آلَائِهِ، وَعَلَى نِعْمَة الهداية، وعلى نعمة الإسلام وعلى نعمة التوحيد والسنة، وعلى نعمة اتباع المصطفى ﷺ، وعلى نِعمة الأمن والأمانِ، على نعمة الائتلاف، وعلى هذه النعم التي نُصبح ونمسي فيها، فإن النَّعَمَ مع الشكر تَدُومُ، ومع الكفر تَزُولُ.
وإن الشكر أيضًا يكون بالعمل الصالح، كما قال ﷻ: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [سورة سبأ: ١٣]، فالشكر يكون بالعمل، وأعظم الحسنات التي بها شكر الله ﷻ من جهة العمل حسنةُ التوحيد، وتَرْكُ الشركِ والبراءة منه ومن أهله، عافانا الله وإخواننا من ذلك.
أيها المؤمنون، إن شكر نعمة الله ﷻ بالعمل تتم بأن نطبق الشريعة على أنفسنا، وأن نؤدي الصلوات في أوقاتها حيث ينادى بها مع الجماعات في المساجد.
إن شكر نعمة المال أن تؤدي زكاة مالك، وأن تتصدق بفضل المال الذي آتاك الله إياه، فإن هذا من النعم العظيمة، فشُكْرُه يكون ببذل ما هو من جنسه.
أيها المؤمنون، المعاملات بأنواعها إذا امتثلت فيها الشرع في بيعك وشرائك؛ فإن ذلك شكر للنعمة، ومن لم يُطبق الشريعة، ومن لم يمتثل الأمر والنهي في معاملاته فإنه يَنْقُصُ مِن شكره بقَدْرِ ذلك، وله نصيب من كُفْر النعمة، والله ﷻ تَأَذَّنَ بالزيادة لمن شَكَرَ، وبالعذاب لمَنْ كَفَرَ، والعياذ بالله.
أنواع التعامل من المرء في عمله وأدائه للأمانة، وأن يكون راعيًا لحق الله عز وجل وما ائتمن عليه، إن ذلكم ولا شك من شكر النعمة بالعمل ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾.
إذن أيها المؤمنون، الشكر بالعمل ميدانه واسع، ففتش في نَفْسِكَ هل أنت من الشاكرين حقًّا؟ أم أن فيك من نقص شكر النعمة ما فيك؟ فأَسْرِعْ وعالِجُ نَفْسَك وتتَدَبَّرَ عسى أن تكون من الشاكرين.
ترك المرء للمحرمات إنما هو شُكْرُ الله على نِعَمِهِ، فالمحرمات المتعلقة بالمال تَرْكُها شُكْرُ الله على عموم نعمه، والمحرمات المتعلقة بالمآكل والمشارب شُكْر الله على نعمه يكون بتركها، والمحرمات المتعلقة بالبصر شُكْرًا الله على نعمة البصر وعلى نعمة الهداية يكون بتركها، والنعم المتعلقة بالسمع والعقل والإدراك، شكر الله ﷻ يكون بترك ما حَرَّمَ الله ﷻ الاشتغال به.
إذن أيها المؤمنون، نسأل الله ﷻ أن يجعلنا جميعًا ممن إذا أُعْطِيَ شَكَرَ، شَكَرَ بِلِسَانِهِ، وشَكَرَ بعَمَلِهِ، وشَكَرَ بقلبه إقرارًا واعترافا للملك الحق القيوم.
الأمر الثاني مما تكون به السعادة في الدنيا والآخرة، أنه إذا نزل بك البلاء فاصبر، والبلاء نوعان:
- ابتلاء بالخير.
- وابتلاء بالشر.
كما قال ﷻ: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [سورة الأنبياء: ٣٥]، فالله ﷻ فتن بعض العباد بالخيرات، وفتن بعض العباد بالمَضَرَّات بأنواع من الضُّرِّ والبَلاء، فمِنَّا مَنِ ابْتُلِي بالمرض، ومنا مَنِ ابْتُلِيَ بفقد حبيبه، منا مَنِ ابْتُلِيَ بنقص ماله منا مَنِ ابْتُلِيَ في نفسه أو فيمن حوله، فهذه صور من ابتلاء العبد بالضراء، ويجب عليه في تلك الحال أن يصبر على ذلك كما أمَرَنَا ربنا ﷻ بالصبر في أكثر من ثلاثين آية من كتابه الكريم ﷻ.
فكل ابتلاء يحتاج منا إلى الصبر والصبر: أن يَأْبَى قلبك أن تَسْخَطَ تلك المصيبة، وأن لا تظن أنك لا تستحقها، أو أن غيرك أَوْلَى بالمصيبة منك، فإن من الناس مَنْ إذا أصابته المصيبة قال: لست مُستَحِقًا لها، غيري أولى بها مني، فكيف تصيبني تلك المصيبة.
وهذا والعياذ بالله من الظن السوء بالله ﷻ، ويدخل في عموم قوله: ﴿الظَّانِينَ بِاللَّهِ ظَنَ السَوْءِ عَلَيْهِمْ دَابِرَةُ السَّوء﴾ [سورة الفتح: ٦].
فيجب أن نظن بالله ﷻ الخير، فالشر ليس إليه ﷻ، وله حِكَم عظيمة فيما يَبْتَلِي به العبادَ: [سورة أولا:] أن لا يسخط القلب تلك المصيبة.
ثانيا: أن لا تشكو الخالق إلى الخلق، وإذا اقتضت الحاجة فأَخْبِرُ الخَلْقَ بما بك دون شَكْوَى، فالشكوى إنما تكون إلى الله ﷻ ﴿إنَّمَا أَشكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة يوسف].
ثالثًا: أن لا تتصرف تصرفات تنافي مع الصبر، فإذا ابْتَلَى الله العَبْدَ بأنواع من الابتلاءات المضرة، فعليه أن يصبر قلبه، وعليه أن يُصبر لسانه، وأن يُصَبر جوارحه، فلا يقول هُجْرًا، ولا يظن سوءا، ثم بعد ذلك لا يعمل عملا يُنا في الصبر ﴿فَأَصْبَرَ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَغْ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة الأحقاف].
أما الخيرات، فإن الله فتن بعض العباد بازدياد المال، وفتن بعض العباد بازدياد الصحة، وفتن بعض العباد وابتلاهم بالمسرات، وقد قال بعض الصحابة: ابْتُلِينَا بالضَّرَّاءِ فَصَبرْنَا، وابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ فَلَمْ نصير.
فإن الفتنة بالمال وبالصحة وبرَغَدِ العيش وبالأمن والطمأنينة، إنها لَمَسَرَّات متوالية، ولكنها فتنة وبلوى، فمن ذا الذي يَصْبِرُ عليها؟ ولكن كيف يكون الصبر على تلك الفتن؟ بأن لا تستغل تلك الأشياء في معصية الخالق ﷻ، وألا تظنن أنك مستحق لها، وأنها مجد وَرِثْتَه عن آبائك وأجدادك، إنما هي فضل الله ﷻ الذي من به على العباد ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ [سورة الأنفال: ٦٣]، فالنعم إذًا مِنَ الله، والخيرات والمسرات من الله، ابْتَلَى بها العباد.
فأسأل الله ﷻ أن يجعلنا من الشاكرين على نِعَمِهِ، ومن الصابرين على هذه الخيرات، فإنها تحتاج إلى صبر باللسان، وصبر بالقلب فلا نَنْسُبها إلى غير الله، وأن نستعمل المال فيما أباح الله لا فيما حرم، فهذا صبره ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [سورة العلق].
فإن مع الغنى الطغيان، والمؤمن المُسَدِّدُ يسأل الله ﷻ أن يجعله صابرًا على نَوْعَيِ البلاء: البلاء بالخير، والبلاء بالشر ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِ وَالخَيْرِ فِتْنَةٌ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [سورة الأنبياء].
أيها المؤمنون، الأمر الثالث مما به سعادتنا في الدنيا والآخرة، أننا إذا أَذْنَبْنَا استغفرنا.
اللهم اجعلنا ممن إذا اذنب استغفر، وممن إذا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وممن إذا أُعْطِيَ شَكَرَ.
اللهم إنك أنت الكريم فأَجِبِ اللهم واغْفِرْ ذُنُوبَنا.
فإن العبد المؤمن، ولا شك أن كلا منا يعرف حاله، ويعرف سريرته، والله ﷻ هو المطلع على خفايا، وهو المطلع على الإسرار، وهو المطلع على ما تُخْفِي الصدور، لا بُدَّ أن له ذُنوبًا فيما بينه وبين الله. فما الواجب تجاهها؟
الواجب إذا أردنا أن نكون سعداء في الدنيا والآخرة أن نسارع بالاستغفار، وأن نسارع بالتوبة؛ لأن الله ﷻ أمرنا بالاستغفار ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمُ﴾ [سورة البقرة].
فالاستغفار من الذنب يمحو الذنب في نفسه، ويمحو أثره فإن كل ذنب له أثره في الدنيا وفي الآخرة، إن الذنب إذا وَاقَعَه العبدُ ولم يُكَفِّرْ عنه بحَسَنَاتٍ،ماحِيَةٍ يُخشى أن يأتيه جَزَاءُ ذلك الذنبِ في دُنياهُ قبل آخِرَتِهِ، وإن من جَزَاءِ الذنوبِ في الدنيا أن يُخْزِيَ الله العبد، وهذا مما يتباعد عنه أهل القلوب الحية، فإن الخِزْيَ في الدنيا استعاذَ منه نبينا،، والصالحون.
نعوذ بك اللهم من خزي الدنيا، ومن عذاب الآخرة، فالخزي نوع عقوبة، فإن الله قد يفضح بعض المجاهرين، وقد يفضح بعض الذين لا يَأْبَهُونَ للذنوب.
هذا وقد يَحْرم الله ﷻ العبد بعض الأمور الكونية، فيحرمه من بعض الصحة، أو من بعض الوَلَدِ، أو من بعض المال جزاء سُوئِهِ، وجزاء ذنوبه؛ لهذا فإن أَحْوَجَ ما يكون لاستمرار الحياة الرغيدة أن نستغفر الله صباحًا ومساءً، وأن نستغفر الله مُقِرِّينَ بِذُنُوبِنا طالبين أن يَمْحُوَ اللهُ عنا السيئات، فإن ذلكم من أعظم القربات إلى الله ﷻ، وبه تُكَفّر السيئات، وبه يَصْلُح العمل؛ فإن في استغفار الله ﷻ من الذنوب سمة أهل الإيمان، هذا نبيكم محمد ﷺ صحّ عنه أنه كان يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من مائة مرة، وثبت عنه في الصحيح أنه قال «إِنَّهُ لَيْغَانُ عَلَىٰ قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ».
هذا وهو الذي أُنْزِلَ عليه قول الحق ﷻ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [سورة الفتح]. فكيف إذا هي حالنا، وكل منا على معصية، كل منا على ترك واجب، كل منا على لهو وغفلة.
نسأل الله أن يَمُنَّ علينا بالمغفرة والسداد في القول والعمل، وأن يجعلنا من المستغفرين الذين غُفرت لهم الذنوب، وسُدَّدَتْ لهم الأعمال، وسُتِرَتْ عليهم العيوب، إنه ﷻ هو ولي الصالحين.
أيها المؤمنون، هذه خلاصة لِمَا به سعادَتُنا، فهلاً سَعَيْنَا إلى ذلك: شكرًا على النعمة، وصبراً على البلاء بالخير والمضرة، ثم يكون استغفار منا على كل الذنوب، والتوبة إلى البارئ ﷻ وتقدست أسماؤه.
اللهم اجعلنا من المنيبين لك حقًّا.
هذا واسمعوا قول الله ﷻ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [سورة العصر]. يعني: جنس الإنسان في خسارة إلا ما استثنى الله ﷻ، وهم أربعة أصناف يؤولون إلى صنف واحد ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسر * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونَفَعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه استغفارا حقا، وتوبوا إليه صدقًا، إنه هو الغفور الرحيم.
وهنا نجِد واحدة من أجمل الخطب المنبرية المكتوبة.. بعنوان: حرمة دماء أهل الذمة والمُستأمنين
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اللهم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد.. فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يَدَ الله مع الجماعة، وعليكم بلزوم التقوى، وعليكم بلزوم تقوى الله له في كل حال، فإن بالتقوى السعادة في الدنيا والآخرة، فاتقوا الله حق تقاته ولا تَمُوتُنَّ إلا وأنتم مسلمون هذا واعلموا، رحمني الله وإياكم، أن الله ﷻ أمرنا بالصلاة على نبيه؛ فقال ﷻ قولا كريما: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [سورة الأحزاب].
اللهمَّ صَلِّ وسَلّمْ وَبَارِكْ على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء الذين قضوا بالحق وبه كانوا يَعْدِلُون، وعنا معهم بعفوك، ورحمتك يا أرحم الراحمين.
أيضًا؛ هنا أحد أروع خطب يوم الجمعة «مكتوبة» بعنوان: حقوق وواجبات الزوجين
الدُّعـاء
- اللهم أَعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأَذِلَّ الشَّرْكَ والمشركين، واحم حَوْزَةَ الدين، وانصُرِ اللَّهمَّ عِبادَكَ المُوَحَدِين.
- اللهم انصر الذين يُجاهِدُون لتكونَ كلمة التوحيد هي العليا. اللهم أَيدهم بتأييدك، وانصرهم بنصرك، وأَمْدِدْهم بمَدَدٍ من عندك واجعل العاقبة الحسنة لهم، والعاقبة السوء على أعدائهم، يا أكرم الأكرمين.
- اللهمَّ آمِنَّا فِي دُورِنا وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا، ووُلاةَ أُمُورِنا، اللهم ودُلَّهم على الرشاد، وباعد بينهم وبين سُبُلِ أهل البغي والفساد، ربَّنا واجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى، يا أرحم الراحمين.
- اللهم نسألك أن تُؤَمِّنَنَا في أوطاننا، وأن تَرْفَعَ عنا الربا والزنا وأسبابهما، وأن تدفع عنا الزلازل والمحن، وسوء الفِتَن ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ، إنك أنت ولي الإحسان، وأنت أكرم الأكرمين وأَجْوَدُ الأَجْوَدِينَ.
- اللهم نسألك أن تجعلنا ممن إذا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ.
- اللهم أصلح قلوبنا جميعًا، اللهم أصلح قلوبنا جميعا، اللهم إنك أنت الله لا إله أنت الغني ونحن الفقراء، نسألك أن تُغِيثَنا بغيث مبارك، اللهم أغِثنا بغيث مبارك عام غير خاص، نافع غير ضار يا أكرم الأكرمين.
- اللهمَّ اجْعَلْهُ سَقْيَ رحمة لا سَقْيَ عذاب، ولا بَلاء ولا غَرَق اللَّهمَّ اسْقِ به البلاد والعبادَ وانشُرْ رحمتك على العباد، وأنت أجود الأجودين وأرحم الراحمين.
- نستغفرك اللهم من ذنوبنا إنك أنت الغفار، فأَرْسِلِ اللّهم السماء علينا مِدْرَارًا، وأَنتَ بِيَدِكَ خَزَائِنُ كل شيء، نستغفرك من ذنوبنا فَأَغِثْنَا، اللهمَّ أَغِثْنَا، اللهمَّ أَغِثنا.
عِبادَ الرَّحمن، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [سورة النحل]، فاذكروا الله العظيم الجليل يَذْكُرْكم، واشكروه على عُمُومِ النعم يَزِدْكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [سورة العنكبوت].
وأقِـم الصَّـلاة..
طال الوقت؟ حسنًا، ما أجمل أن يطول الوقت في طاعة الله وذِكر الله والقُرب من الله ﷻ. الآن -بالفِعل- انتهينا من تقديم خطبتنا، والتي حملت اسم «عنوان السعادة». وهي خطبة جمعة جديدة مكتوبة على صفحات موقع المزيد.كوم؛ سائلين الله الكريم الحليم ﷻ أن ينفعنا وإياكم وكل السلمين عامَّة، والخطباء خاصَّة، بكل ما جاء فيها.. اللهم آميـن.