خطبة: تعظيم المشاعر «الحج» – مكتوبة

خطبة: تعظيم المشاعر «الحج» - مكتوبة

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي جعل الحج من أعظم الشعائر، ونادى إليه عباده، فلبى الحجاج والمعتمرون نداءه، فهم ما بين داع وذاكر، أحمده على نداه العاطر، وأشكره على كرمه الغامر.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرحيم الغافر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، النبي الصابر الشاكر، ﷺ وعلى آله وصحبه الذين كانوا له خير مناصر ومؤازر، وعلى كل من هو على منهاجهم سائر، إلى يوم يجمع الله فيه الأوائل والأواخر.

أما بعد، فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى العزيز الغفار، الذي يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.

الخطبة الأولى

واعلموا أن نفحات الحج قد هبت، ونسائم العراص الطاهرة قد أقبلت، فهلموا يا رعاكم الله إلى ركن الحج الأعظم، إلى الكعبة ومنى وعرفة ومزدلفة والمروتين وزمزم، يقول الله ﷻ: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾، ويقول نبينا ﷺ: «الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم»، ألا إن من أقبل على الله منيبا، أقبل الله عليه حبيبا، فأقبلوا يا حجاج بيت الله على أداء مناسك الحج بنفوس خاشعة، وعيون دامعة، وقلوب في فضل الله طامعة، وأبشروا بما يسركم في الدنيا والآخرة.

أيها المسلمون: إن العبد الذي يسر الله ﷻ عليه الذهاب إلى حج بيته الحرام قد فتح الله ﷻ له بابا عظيما من أبواب البر والطاعة، فليعد له عدته، وليتأهب لرحلته الروحية، التي إن أحسن الترحال فيها رجع منها مغفورة ذنوبه، مستورة عيوبه، يقول نبينا ﷺ: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»، ويقول عليه الصلاة والسلام: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».

عباد الله: إن الرحلة إلى تلكم الديار المقدسة رحلة إيمانية عظيمة، ومهما تيسرت للحاج سبل الراحة في وسيلة السفر وأداء المناسك، فإن المشقة التي يزداد معها الأجر والثواب لا ريب حاصلة، ففي الحج بذل لجهد بدني ومالي، ولذلك يعد من أفضل الأعمال الصالحة، فقد سئل نبينا ﷺ: أي الأعمال أفضل؟ فقال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «جهاد في سبيل الله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور».

وحج المؤمن بيت الله المعظم استجابة منه لنداء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، الذي كلفه الله ﷻ بمهمة تهيئة ذلكم المكان المقدس حتى يصبح مركز العبادة الأعظم لدى جميع المسلمين عبر الأجيال، إلى أن يرث الله ﷻ الأرض ومن عليها، يقول الله ﷻ: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾.

أيها المؤمنون: إن في الحج امتحانا لتسليم العبد لربه ﷻ وإن لم تبد له الحكم والفوائد، فيقوم بما يقوم به من المناسك وما يدفعه إلى ذلك إلا التعبد المحض لرب العالمين، والاقتداء بالنبيين والمرسلين، والاهتداء بهدي الخاتم الأعظم ﷺ، يقول الله ﷻ: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾.

وفي امتناع المحرم عن محظورات عليه بسبب الإحرام -وأكثرها في الأصل من المباحات حال الإحلال- ما يربي نفسه على اجتناب المحظورات التي يحجر عليه الاقتراب منها طوال الحياة، وفي جميع ذلك يحقق التسليم المطلق لله ﷻ الذي علمه أن يقول: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾.

فاتقوا الله -عباد الله-، وأدوا ما أمركم الله ﷻ بأدائه من التعبدات الشرعية على أكمل الوجوه وأتمها، وأوفى الصور وأكملها، وسلوا الله من فضله فإن الله لا يخيب من سأله، ولا يرد من دعاه وأمله.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

وهذه ⇐ خطبة مكتوبة «مشكولة» عن الحج.. زَادُ أَخْلاقٍ وَتَقْوى

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، أحمده وهو المنعم الكريم، وأشكره على نعمائه وفضله العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرؤوف الرحيم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، النبي الطاهر الصادق القوي الأمين، ﷺ وعلى آله الطيبين، وصحابته الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله: إن الحج يعلم صاحبه الاقتداء التام بهدي محمد ﷺ القائل: «خذوا عني مناسككم»، كما يربي في نفسه الصبر على طاعة الله ﷻ ومجاهدة النفس، ومكابدة المشاق، وأن يجعل الدنيا في يديه لا في قلبه، وأن الصحبة الإيمانية أفضل أنواع العلاقات الإنسانية؛ لأن أساسها محبة الله ﷻ.

ويعلم الحج انشراح النفس وسكينة الروح، وهو مدرسة إيمانية من بداية الإحرام إلى نهاية التحلل، بل منذ الإعداد له إلى ميعاد الرجوع إلى الوطن، وعندما ترى الحجيج في عرصات عرفات وفي فجاج منى ومزدلفة وحول البيت العتيق على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وهم متحدون في لباس واحد، ويلبون تلبية واحدة، وينتظمون في وجهة واحدة، يؤدون منسكا بعد منسك بحسب ما دلهم عليه حبيب الحق ﷺ، فترى الفوارق الأرضية بينهم ذائبة، وقد جمعهم الحج في بوتقة الإيمان فجعلهم لحمة واحدة، فهم كما قال نبيهم الكريم عليه الصلاة والتسليم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

فاتقوا الله -عباد الله-، وعظموا ما عظم الله، وأقيموا شعائره كما أمركم؛ حتى يغدو حجكم مبرورا، وسعيكم مشكورا، فـ «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

أضف تعليق

error: