مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي جعل رفعة الأمم شرفا يناله المخلصون، وعزة الأوطان فخرا يحصده العاملون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خير من شيد الأوطان وأسسها، وأحسن من عمل على بناء العقول فأعزها، ﷺ وعلى آله وصحبه أهل العلم والعمل والبناء.
الخطبة الأولى
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، واعلموا أيها الكرام أن بناء الوطن من أسمى الغايات وأشرف المهمات، وهو مسؤولية عظيمة تتطلب عملا متواصلا، وتعاونا مشتركا، وتوحيدا للجهود من جميع فئات المجتمع، ولا عجب أن يكون بناء الوطن مربوطا بالعلم والعمل، والتخطيط والبذل، والاجتهاد والإخلاص.
أيها المؤمنون: إن أولى مراحل بناء الأوطان هي بناء الإنسان، وديننا الحنيف أولى ذلك أهمية عظيمة، فأمره بمقومات تعلي قدره ومكانته، وتعينه على أداء مهامه ومسؤولياته، وحمل أمانة عمارة الأرض التي استخلفه الله فيها، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ﴾.
ومن هذه المقومات التعليم والتربية والأخلاق والإخلاص في العمل، وهي من أعظم مقومات بناء الأوطان ورقي الحضارات، فإذا تعلم الإنسان وتربى على القيم والمبادئ الإيمانية، كان قادرا على حمل هذه المسؤولية العظيمة، التي تسندها الأخلاق؛ ولذا بعث النبي ﷺ بها متمما، ولخيرها معظما، يقول ﷺ: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
أيها المسلمون: لا يمكن لأمة أن تنهض دون عمل دؤوب وجهد مستمر؛ فربنا جلت قدرته يبارك جهد العاملين إن زينه إخلاص وإتقان، يقول سبحانه: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، فلا غرو أيها الفطناء أن العمل المتواصل يحقق الإنتاج والتقدم، وينمي فرص التنمية والازدهار، وهنا يجب على كل فرد أن يعي مسؤوليته في بناء مجتمعه وأمته، فيخلص عمله ويتقن مهنته، وليعلم أنه لا مكان للكسل والتواكل في بناء الأوطان ونماء الأمم.
فاتقوا الله -عباد الله-، وتذكروا أنه من بنى وطنه مستعينا بالله صابرا محتسبا، ناله حظ التوفيق في الدنيا، والسعادة في الأخرى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
هنا أيضًا ⇐ خطبة: الحفاظ على الدين والوطن – كاملة بالعناصر
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل في الاعتصام به قوة وألفة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى وحدة الكلمة، ﷺ وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه.
أما بعد، فيا عباد الله: اعلموا أن الأمة التي يتفرق أبناؤها لا يمكن أن تقف صلبة أمام التحديات التي تواجهها؛ ولذا كان على المؤمن أن يستصحب أمر الله بالاعتصام والاجتماع دائما وأبدا حتى يحمد عاقبته بالهداية والتوفيق، يقول الله جل وعلا آمرا: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾، فالاتحاد بين أبناء الوطن يحقق القوة، والتعاون بينهم يدفع عجلة البناء والتطوير والرقي، وليس بغريب أن جعل النبي ﷺ ذلك من أهم لبنات بناء الوطن والأمة، فآخى بين المسلمين، وجمع قلوبهم على الألفة الإيمانية بعد وصوله إلى المدينة المنورة.
ثم على الأمة بأسرها أن تعلم أن التخطيط الجيد للمستقبل والتطبيق المتقن هما فرسا مجد لبناء الأوطان وازدهارها؛ فلا يمكن لأي أمة أن تتقدم دون أن تضع رؤية واضحة لما تريد تحقيقه، وقد كان النبي ﷺ يخطط للمستقبل، سواء في دعوته أو في بناء دولته؛ ولذا فإن تمكين الأوطان في القامات العالية ليس عملا وقتيا، بل هو عملية مستدامة يحفظها تخطيط بعيد المدى، ويحميها التفكير في الأجيال القادمة.
فاتقوا الله -عباد الله-، ولتتحد القلوب، ولتتكاتف الأيادي مع بعضها، وصولا إلى سعادتها وبناء حضارتها، وليكن قول ربكم مشعل نور في حياتكم، فإنه تعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.