من لم يُدْرِك شيئًا قويًا من هذا القبيل، فهذا وقته. هنا خطبة عن بر الوالدين وواجِب الأبناء نحوهما. دُعِمَتْ بالعديد من الآيات من كتاب الله الحكيم، وبكثير أحاديث من السنة النبوية المشرفة وغيرها من المواقف والقصص. كل هذا ستجده في أَسْطُرٌ هذه الصفحة التي ستلهمك لتُلقي الأفضل -إن شاء الله-.
هذه خطبة جمعة جاهزة ومكتوبة من أجل كافة الأخوة الخطباء في كل بلد عربي أو حتى غير عربي ويستمع المصلون في مسجده الخطبة باللغة العربية.
هذا ما تعودنا عليه في ملتقى الخطباء هنا؛ أن نحاول جاهدين توفير خطب محفلية وخطب جمعة مُدققة ومُعزَّزة بما يلزم أن يكون، ليتم إلقاءها من على المنبر بواسطة خطيب لطالما انتقى الأفضل.
مقدمة الخطبة
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. أشهد أن لا إله إلا الله الحليم العظيم، وأُصلي وأُسلم على نبيه المختار؛ اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه.
يقول الله ‹عز وجل› في القرآن الكريم «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا» ويقول ‹عز وجل› «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا».
الخطبة الأولى
أيها الأحبة؛ إن من أعظم العبادات بعد توحيد الله ‹عز وجل› بر الوالدين، ولذلك جعل الله ‹عز وجل› في الآية بعد ذكر عبادته الإحسان للوالدين «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا».
بر الوالدين عمل عظيم وطاعة عظيمة وباب واسع من أبواب الجنة؛ فالبر كما ذكر أهل التفسير كلمة جامعة لكل أنواع الخير، أن تحسن لهما بالكلام وأن تحسن لهما بالأفعال وأن تحسن للوالدين حتى في فكرك وفي شعور قلبك، فإذا استثقلت واحدا من أبويك فأنت مُآخذ عند الله ‹عز وجل› ولو كان هذا ضميرك ووجدانك.
طاعة الوالدين بر وإحسان
غاية الإحسان وغاية البر وغاية المعروف تكون في معاملة الوالدين. يسأل كثير من الناس لماذا قلت البركة في حياتهم؟ انظر إلى عقوق الوالدين.
يسأل كثير من الناس عن ضياع الطمأنينة والسكينة وراحة البال وسلامة الصدر، اسأل عن عقوق الوالدين، يبحث الكثير من الناس عن أسباب التوفيق في حياتهم؛ كلما سلك طريقا سُد في وجهه، في عمله، في تجارته، في علاقاته، في حياته، لا يستغرب هذا الإنسان، فليبحث عن عقوق الوالدين.
أحد أشد الأسباب لمنع التوفيق في حياة الإنسان، ولذلك أيها الأحبة مظهر العبادة الكاملة الصادقة مع الله ‹عز وجل› ينطلق من بر الوالدين؛ لأن الإنسان إذا كان في عقوق لن يعرف حقيقة العبودية لله ‹عز وجل› ولن يعرف معنى السجود بين يدي الله ‹عز وجل›.
انظروا إلى إنسان يذهب وينطلق في حياته ينشر النجاح هنا ويتكلم مبتسماً مع فلان، ويفتح تجارة جديدة وهو في داخل حياته عاق والعياذ بالله لوالديه؛ فأي سعادة هذه؟ سعادة كاذبة موهومة. أي نجاح هذا يحققه؟ نجاح كاذب لا قيمة له. أي صفاء؟ وأي صورة حسنة يطلُ بها على الناس؟ كلها كذب بكذب؛ لأنه في ساحة بر الوالدين إنسان فاشل وإنسان واقع في كبيرة من الكبائر.
طاعة الوالدين بعد طاعة الله ‹عز وجل› لا يقدم عليها شيء
لا يقدم على طاعة الوالدين أحد إلا طاعة الله ‹عز وجل› وفي هذا الأمر ربنا تبارك وتعالى خص في القرآن الكريم بياناً لهذه المسألة «وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما» وتأتي الآية بعد ذلك «وصاحبهما في الدنيا معروفا» أي؛ عدم الطاعة في الشرك لهما هذا واجب.
ولكن لا ينفي صحبة المعروف والبر، حتى لو كان والعياذ بالله أحد الوالدين مشركاً لم يسلم ولم يقبل الدين لا يجوز للولد أن يكون عاقاً بل يحسن إليه في كل شيء، ولكن لا يطيعه في مسألة العقيدة والإيمان.
في كل شيء، وهذا نص القرآن الكريم في موضعين في كتاب الله ‹عز وجل› وهنا نقول أيها الأحبة؛ طاعة الوالدين بعد طاعة الله ‹عز وجل› لا يقدم عليها شيء ولا حتى طاعة نفسك ولا هوى نفسك ولا أولادك ولا زوجتك ولا الناس أجمعين.
وإذا كان من تصرف في بعض الأحيان من الوالدين فيه شدة أو فيه قسوة فعليك أن تكون صاحب مُدارات، لا تكون قاسياً ولا تكن عاقاً ولا تكن جافاً.
ولذلك قال أهل العلم من أقام حجة على والديه في حديث ” أي أفحمهم” قالوا هذا من العقوق.
فمن العقوق أن يتحدث المرء مع والده أو والدته ويُفحمه في الحديث.
قال حتى الإنسان لو شعر أن والداً من والديه ضعف أمامه في نقاش أو حديث، وهذا الوالد أو تلك الوالدة صار الواحد منهما يبحث عن إرضاء الولد قال هذا من العقوق، لأنه ألجأهما إلى ضعف أمامه في الحديث أو النقاش، فهذا من العقوق.
فلا تقدموا أي طاعة إلا طاعة المولى ‹عز وجل› على الوالدين أبدا، وهكذا ينبغي أن يكون منهجاً في حياة الإنسان المسلم المؤمن.
عندما نريد أن ننهض بالمجتمع فلنبحث عن بر الوالدين، إذا أردنا أن نكون في أمان فلنبحث عن بر الوالدين؛ ولذلك قالوا: بر الوالدين دين مع أولادك، كيف تعامل الوالدين تكون المعاملة بعد ذلك من أولادك لك.
الله سبحانه وتعالى أيها الأحبة فتح لنا هذا الباب العظيم كما جاء في الأثر «تعس عبد أدرك والداه ولم يُدخلاه الجنة» ما هذه الخسارة الكبيرة؟
أنه أكرم أنه أدرك والديه في الدنيا أمه وأباه ثم لم يكن هذا اللقاء سبباً في دخوله الجنة.
دعاء الوالدين خيراً للأبناء
الدعوة فقط من الوالدين للولد بالرضا والتوفيق فيها كل الخير.
روى الإمام البخاري في الأدب المفرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «قال رضا الرب من رضا الوالد» حديث عظيم فتخيلوا من هو في خصومة مع والده أو مع والدتها أو مع والديه كلاهما معاً لسنين طويله والأغرب من ذلك أنه يدخل الوسطاء ليصلح بينه وبين أمه وأبيه، تصوروا مدى هذا العقوق، ومدى هذا الوقوع في الكبائر أن يدخل وسيط بين ولد و بين أبيه وأمه حتى يُصالحهما مع بعضهما.
فنسأل الله سبحانه وتعالى السلامة ونسأل الله -سبحانه وتعالى- اللطف لأن هذا الأمر منتشر في بعض بيوت المسلمين وفي بعض مجتمعات المسلمين الداخلية. يعرف الله تبارك وتعالى الأحوال ويعرف بعض الأقربين هذه الأحوال أن سكتوا فهم يُشاركون في الوقوع في الكبيرة.
وكم أفسد المال من علاقة ولد مع أبيه «أنت ومالك لأبيك» كما جاء في الأثر؛ فإذا كان المال سبباً وباباً لفساد العلاقة بين الولد وأبيه فبئس هذا المال الذي يكون سبباً في عقوق الوالدين أو في الإساءة للوالدين.
بر الوالدين دليلاً على الإيمان
لقد أكرمنا الله ‹عز وجل› يا إخواننا بنعمة الإيمان وهذه النعمة لها أثار باطنية في علاقتك القلبية مع الله ‹عز وجل› “الأحوال القلبية” ولها آثار ظاهرية.
أي الإيمان ليس حركة قلب فقط بل حركة قلب وجوارح، فهناك أشياء في الوجدان والضمير بينك وبين الله هي من آثار الإيمان، وهناك أشياء ظاهرية، ومن أعظم الأشياء الظاهرية بر الوالدين.
ولذلك عندما جاء بعض الصحابة يستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- ليذهب إلى الجهاد؛ جهاد في في حالة فرض الكفاية فقال له النبي ﷺ ألك أبوان قال: نعم، قال: اذهب إليهما ففيهما فجاهد.
في حالة هجوم الأعداء علينا والدخول على بيوتنا هذا فرض عين فعلى الإنسان أن يُدافع عن نفسه، ولا يرتبط هنا بمسألة أن يجاهد بوالديه أي خدمتهما، لأنه سيموت هو وهما إذا لم يُقاتل ويُدافع.
أما عندما يكون الجهاد فرض كفاية فلم يُعطي النبي -عليه الصلاة والسلام- الإذن بالجهاد، لذلك قال لهذا الصحابي اذهب إلى والديك، وفي رواية «استأذنهما» ورواية أخرى «بهما فجاهد».
نعم، إنه جبر الخواطر لهما أحياءً وأموات.
بر الوالدين أفضل الأعمال عند الله
وعندما سأل ابن مسعود رضي الله عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزادني.
بر الوالدين أفضل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى، وهنا يا إخواننا بشارة، فما بقي من حياتنا فلنستدرك إن قصرنا أو أهملنا، فلنستدرك ببر الوالدين في كل لحظة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ عبد الله، من مضى أحد والديه إلى الله -سبحانه وتعالى- فعليه بالبر اللاحق؛ فهناك أيضًا بر الوالدين بعد وفاتهما.
فكثير من الأشخاص يسألون؛ توفي والدي أو توفيت والدتي فكيف استمر بالبر وكنت مقصرا، فالبر اللاحق بالدعاء لهما «وولد صالح يدعو له».
والتصدق عنهما بأن يصل الأقارب من جهة والده مثلاً المتوفى، أو أصدقاء والده.
فمن بر الوالدين أن يزور أقاربه وأصدقاء والده، وأن يحسن ذكره، وأن يدعو له في صلاته وفي دعائه، أن يهدي ثواب ختمة القرآن لروحه عنه، أن يحج عنه إذا لم يحج، أن يذكره دائماً بالخير.
فهذا كله من البر اللاحق الذي ينبغي أن يكون حاضراً في ذهن الإنسان المؤمن.
ثم إن هناك بشارة أن الله ‹عز وجل› شفع الآباء والأمهات بالأولاد «والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ۚ كل امرئ بما كسب رهين» فربما تكون الأم صالحة أو الجدة صالحة أو الأبُ كذلك فالله عز وجل يجبرُ كسر قلوبهم يوم القيامة فيُشفعوا المولى ‹عز وجل› هؤلاء الآباء والأمهات بأولادهم المقصرين فيدخل الأولاد بشفاعة آبائهم وأمهاتهم معهم إلى الجنة.
«والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم» وهذه بشارة عظيمة لأن رحمة الآباء والأمهات التي نراها في الدنيا على الأبناء وعلى البنات هي مسحوبة إلى تلك الشفاعة التي تكون بين يدي الله ‹عز وجل› وقُبيل الدخول إلى الجنة.
الدعاء
- أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم بأن نكون من البارين. وأن نُري الله عز وجل في أنفسنا الإحسان للوالدين ظاهراً وباطنا في كل حركاتنا وفي كل سكناتنا. وأن يجعلنا وإياهم جميعا في أعلى درجات الجنة.
- اللهم اجعلنا من البارين بوالدينا بكل ما استطعنا وما أوتينا.
- اللهم اغفر لوالدينا واجمعنا بهم في جنات النعيم.
- اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
عباد الله؛ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم واستغفروه يغفر لكم؛ وأقِم الصلاة.
تفاصيل الخطبة
- العنوان: خطبة عن بر الوالدين.
- ألقاها: الشيخ أمين الكردي.
- فحواها: هذه خطبة الجمعة عن بر الوالدين والحث على الإحسان إليهما ووصلهما، وتسليط الضوء على عظيم الأجر والثواب والبركة التي يلقاها المؤمن في الدنيا والآخرة جرَّاء صنيع الخير مع والديه.
- تنوبه: هذه خطبة مكتوبة ومُدقَّقة، ليست قصيرة ولا طويلة بشكل كبير، بل متوسطة من حيث عدد الكلمات؛ لكنها مؤثرة وقوية وعلى قدر كبير من الشمولية.