وفي هذه الأيان ينشغل الكثيرون بهذا الموضوع. نعم، إنه عيد الأم وما جاء فيه. فوددنا أن نقدم لكم بهذه المناسبة خطبة جمعة عن بر الأم؛ قويَّة وتحتوي على ما يلزم.
تنويه: الخطبة بأحكامها كاملة من فاه الخطيب والإمام الشيخ علي أبو هنية. وهذا شاملا للأحكام والآراء الفقهية التي أتت بالخطبة.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله. وخير الهدي هدي محمد ﷺ. وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الخطبة الأولى
يقول الحق ﷻ في سورة لقمان ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾.
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن مسعود “رضي الله عنه”، قال: قلت: يا رسول الله، أي العمل أحب إلى الله؟ قال «الصلاة على وقتها». قلت: ثم أي؟ قال «بر الوالدين». قلت: ثم أي؟ قال «الجهاد في سبيل الله».
عيد الأم
أيها المؤمنون والمؤمنات، عباد الله، إماء الله، يوافق اليوم موسم مشبوه، وعيد مزعوم، اختلقه وابتدعه الكافرون، وتتابع عليه من خلفهم المسلمون، إلا ما رحم ربي. يوافق اليوم الحادي والعشرين من مارس آذار، ما يسمى بعيد الأم.
وكثير من جهلة المسلمين وضِعاف الإيمان منهم قد ساروا على تعظيم هذا اليوم والاحتفال فيه، وتقديم الهدايا والقُرَب لوالداتهم. جريا على قول النبي ﷺ، تصديقا له، تحقيقًا لنبوته، الذي قال «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه» قيل: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟». والحديث في صحيح البخاري. وفي رواية أخرى صحيحة «حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية» أي زنا بأمه على مرأى الناس «لكان في أمتي من يصنع ذلك».
وتشبيه النبي ﷺ لحال كثير من المسلمين بدخول هذا الجحر تحديدا، بأنه جُحر ضب. قالوا: لأن جحر الضب مُتعرج، شديد الوعورة، ومسلكه عسر. فيصعب على الحيوانات اللحاق به.
ومع ذلك نتبعهم في مثل هذا الجحر؛ على صعوبته ووعورته. تاركين السهل اليسير، دين الحنيفية السمحة. نتركه خلف ظهورنا. سيرا على سَنَن أعدائنا. وما ذاك إلا لضعفنا، وغلبتهم علينا، وانهزامنا.
ولا زال ولع المغلوب بالغالب سنة كونية لله في قلبه.
أما هذا العيد هو عيد الأم، أحد أعياد الكافرين -لا كثَّرتها الله ولا كثَّره- فأصلة كان يونانيا. وكانت اليونان -وهم وثنيون- يزعمون أن هناك آلهة غير الله. زيوس وجوبيتير وكيوبيد. من هذه الآلهة إله الأمومة واسمها هيرة. كانوا يجعلون لها يوما في العام يحتفلون فيه.
وأما عند النصارى فكانوا يحتفلون بيوم لمريم العذراء -عليها السلام-، ابتكروا عيدًا للأُم لكي يعطوها بعض حقها. هذه المسكينة التي تمزح في إحدى ملاجئ العجزة عندهم. قالوا فلنجعل لها يوما، نحتفل فيه ونبرها فيه ونظهر حبها وودها؛ ولا بأس ببقية أيام العام أن نعقها فيه. هذا لسان حالنا.
فجعلوا لها يومًا من كل عام، وهو الأحد الثاني من كل شهر أيار.
أما المسلمون والدول العربية فأول ما حصل ذلك أن مصطفى وعلي أمين -أخوان مصريان- كان لهما مؤسسة الأخبار اليوم الصحفية، ويصدرون صحيفة. فأتاهم رسالة من أم تشتكي جفاء أبنائها. فكتبوا قصتها في الصحيفة. وكانت عندهم فكرة أن يدعوا العرب إلى عمل يوم للأم -كما يفعل الغربي- فوافق أكثر القراء على ذلك. واصطلحوا على أن يكون هذا اليوم الحادي والعشرين من آذار/مارس من كل عام.
فكان ماذا بعد ذلك؟ كان ما يسمى عند المسلمين بعيد الأم، مع الأسف الشديد. وهو يوم فيه مظاهر، معايدات، طعام وحلويات، مباركات، واجتماعات، وزيارات. ماذا تفعلون؟ لا يجوز، حرام عليكم، هو فعل الغرب الكافرين؛ لسنا مثلهم.
هل تستطيع أن تجزي والدتك بباقة زهور؟ هل تستطيع أن تجزي أمك بطبق حلوى؟ هذا هو البر؟
عبد الله بن عمر -كما في الأدب المفرد بسند صحيح- رأى رجلا يطوف حول الكعبة، يحمل أمه على ظهره، وهو يقول: إني لها بعيرها المذلل، إن ذعرت ركابها لم أذعر. ثم قال: يا بن عمر، أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة.
أتجزي أمك بقالب حلوى وزهرة؟ أم فقط لتشبهنا بالكفار؟ ثم نرفع الأصوات عليهن، ويصدر الشَّتم والسَّب، بل والضرب من بعض أبناء المسلمين لأمهاتهم. حتى أصبح هناك بنات ربَّا على أمهاتهِن.
يقول وهب بن منبه -وغيره من السلف-: قرأت في التوراة “من يضرب أباه يقتل”. فكيف بأمه التي هي أعظم حقا.
مكانة الأم في الإسلام
تعالوا بنا يا عباد الله، يا من رضيتم بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ نبيا. لنرى ماذا أعطى الإسلام للأم. وماذا أعطى الكفر لها؟ في خطبة اليوم أحببت، أن تكون بعنوان: بر الأم لا عيد الأم. لننظر إلى الإسلام. تكاثرت الآيات في كتاب الله، في بر الوالدين. كقوله ﷻ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا | وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.
كان أبو هريرة “رضي الله عنه” يدخل بستانا له، تكون أمه فيه. فينادي بأعلى صوته: يا أماه، رحمك الله كما ربيتني صغيرا. فتقول له: وأنت يا ولدي، جزاك الله خيرا، ورضي عنك كما بررتني كبيرة.
﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ﴾ قال أهل العلم: نهى الله عن أدنى ما يكون من التضجر والتأفّف في وجه الوالدين. فكيف بما هو أعلى من ذلك من العقوق، والعياذ بالله.
والنبي ﷺ يقول «لا يدخل الجنة عاق».
ويقول الحق ﷻ في آيات كثيرة ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾، ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾.
ثم يقول ﷻ ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾.
تخيل -يا عبد الله- أن تدعوك أمك إلى الكفر بالله، والشرك به، والارتداد عن دينه؛ ثم يقول الله لك: صاحبها في الدنيا معروفا. لا تطعها في الكُفر، واصحبها بالمعروف.
كما جاء عن سعد بن أبي وقاص “رضي الله عنه” أن أمه قالت: لا أذوق طعاما، ولا أشرب ماء، ولا اغتسل؛ حتى ترجع عن دينك. فمضت على ذلك ثلاثة أيام حتى أُغشي عليها. وما أطاعها في ذلك. حتى أسقاها ولدها ماء، فرجعت، وصارت تدعو عليه. فأنزل الله هذه الآيات.
أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها وعن أبيها- كانت أمها مشركة. فأرسلت إلى النبي ﷺ. وذلك حينما كان هدنة بين المسلمين والمشركين. قالت: يا رسول الله، أمي مشركة وقد أتتني وهي راغبة -أي راغبة في الصلة- أفأصلها؟ قال «صلي أمكِ». وهي كافرة مشركة. فكيف بآلام المسلمة، المؤمنة، الرحيمة، التي تدعو لولدها صباح مساء، وتترضّى عنه؛ وهو يعقها ويعصي أمرها. وهي التي حملته كرها ووضعته كرها. وهي التي حملته وهنا على وهن. مشقَّة بعد مشقة. ووضعته بمشقة، وربته بمشقة. ثم يُحَملها مشقة كبره بدل أن يبرها.
جاء رجل إلى النبي ﷺ -فيما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة- فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال «أمك». قال: ثم من؟ قال «أمك». قال: ثم من؟ قال «أمك». قال: ثم من؟ قال «أبوك».
وجاء في الأدب المفرد بسند صحيح، أن النبي ﷺ قال «إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثلاثا إن الله يوصيكم بآبائكم إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب».
يأتي النبي ﷺ إلى قبر أُمه -وقد ماتت كافرة مشركة- وهذه مشيئة الله. فيبكي عند قبرها، ويرجع باكيا. فيسأله الصحابة -رضي الله عنهم-: يا رسول الله ما الذي يبكيك؟ قال «استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي، فزوروا القبور؛ فإنها تذكر الموت».
يا من قدَّر الله لك بابا إلى الجنة، اغتنمه قبل أن يضيع، قبل أن يذهب منك، وقبل أن يفوت عليك. ففي صحيح مسلم، يقول الرسول ﷺ «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، قيل: من؟ يا رسول الله، قال: من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما، أو كليهما فلم يدخل الجنة». فهو باب لك من أبواب الجنة.
وكم من محروم من أمه يتمنى أن يسمع صوتها أو يشم ريحها أو ينظر إليها.
إياك أن تضيع هذا الباب من أبواب الجنان.
بِر الصحابة والتابعين والسلف بأمهاتهم
١. جاء معاوية بن جاهمة السلمي إلى النبي ﷺ. فقال: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال «ويحك أحية أمك» قال: نعم. فقال النبي ﷺ «فارجع إليها فبرها».. ثم قال «ويحك الزم رجلها فثم الجنة».
يرجعه النبي ﷺ من الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، إلى رجلي والدتي. فهناك الجنة.
٢. ويأتي رجل إلى النبي ﷺ يقول: يا رسول الله ارتكبت ذنبا عظيما. فهل لي من توبة؟ فيقول النبي ﷺ «أمك حية». قال: لا. قال «خالتك؟» قال: نعم. قال «فبرها».
الله أكبر. الخالة أًم.
٣. وعن عطاء بن يسار، قال: أتى رجل إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- فقال: يا ابن عباس، ارتكبت ذنبا عظيما. فهل يغفر الله لي؟ قال: ما فعلت. قال: خطبت امرأة فأبت أن أنكحها. فجاء رجل فخطبها، فوافقت. فغِرت عليها، فذهبت فقتلتها. فهل لي من توبة؟ قال: أمك على قيد الحياة؟ قال لا. قال فتقرَّب إلى الله، وأكثِر من الأعمال الصالحة، وتب إليه.
فلما ولَّى الرجل، قال عطاء: قلت لابن عباس: لم سألته عن حياة والدته؟ فقال ابن عباس: لأنني لا أعلم عملا يقرب إلى الله أعظم من بر الوالدة.
٤. وهذا أويس القرني، يذكره النبي ﷺ وهو من التابعين. ويقول لعمر «له والدة هو بها بر ، لو أقسم على الله تبارك وتعالى لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل».
بِره بأمه جعله من أولياء الله ومن مستجاب الدعوة.
٥. سعد بن عبادة، يأتي النبي ﷺ فيقول: يا رسول الله! إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال «نعم».
وهذا رجل آخر يأتي إلى جُحر دخلت فيه عقرب في بيت أمه، فيدخل يده فيه؛ فتلدغه العقرب عدة لدغات. فيقال: فيم ذاك؟ قال إنني خشيت أن تخرج فتلدغ أمي.
٦. ورجل آخر من السلف لا يصعد على ظهر بيت فيه أمه. ولم ذلك؟ قال: إنني أستحي أن اصعد على ظهر بيت تكون والدتي تحت قدمي.
٧. وآخر من السلف، قال: لا آكل مع أمي طعام. قيل: ولما ذاك؟ قال: إنني أخاف أن أخذ لقمة سبقت عينها إليها.
٨. يقول محمد بن المنكدر: باتت أمي مريضة. وبت عندها أغمز رجليها لأخفف عنها الأذى. وبات أخي عمر قائما يصلي. فما أحب أن ليلتي بليلته.
فهو يتعبَّد لله بذلك أعظم من تعبده بقيام الليل كما فعل أخوه.
انظروا إلى بِرهم وانظروا إلى حالنا اليوم. انظروا إلى حال كثير من المسلمين
والآثار كثيرة والنصوص وفيرة والقصص غزيرة؛ لو أردنا أن نحصيها وأن نعددها. فهل كان سلفنا البارون يحتفلون بعيد الأم؟ كانوا بارين وما كانوا محتفلين كما يفعل كثير من الجاهلين.
فلنكن من البارين، ولا نكن من المقلدين لغيرنا من الكافرين يا عباد الله.
والنبي ﷺ يقول «من تشبه بقوم فهو منهم». وفتاوى العلماء وكبار العلماء، متتابعة، على تحريم الاحتفال بهذا اليوم.
يقول النبي ﷺ فيما صح عنه «إن الله عز وجل حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات، وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال».
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام وسيد المرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وعلى من سار على نهجهم واقتفى أثرهم ودربهم إلى يوم الدين.
أما بعد؛ فتذكروا -عباد الله- قول الله ﷻ في سورة الأنعام ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
قصص عن بر وعقوق الأم
والآن، أذكر لكم قصتين اثنتين.
قصة قصيرة عن بر الأم
أما البار بأمه فهو أبو هريرة “رضي الله عنه”. فيما أخرج الإمام مسلم في صحيحه، أنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام. فكانت تأبى عليّ. فيوما دعوتها إلى الإسلام، فأبت علي وأسمعتني في رسول الله ما أكره.
قال: فذهبت إلى النبي ﷺ باكيا، أشكو حالي. فقلت: يا رسول الله إنني أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، وقد أسمعتني فيك ما أكره. فادع الله يا رسول الله أن يهدي أمي.
فقال النبي ﷺ «اللهم اهد أم أبي هريرة».
يقول أبو هريرة: فرجعت إلى البيت مسرورا. مُتيمنا بدعوة نبي الله ﷺ.
قال: فلما اقتربت من البيت، وسمعت أمي صوت قدميّ، قالت: أبا هريرة، مكانك. فوقفت عند الباب. ثم سمعت قد خضحضت الماء -أي تغتسل-، ثم لبست درعها، وعجلت عن خمارها. ففتحت لي الباب. وقالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
قال: فتركتها ورجعت إلى النبي ﷺ باكيا من الفرح. قلت: يا رسول الله قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة.
فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين. فقال النبي ﷺ «اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين». يقول أبو هريرة: فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني.
عقوق الأم.. قصة مؤثرة جدا
وهذه ما أخرجه الأصبهاني، وصححه الألباني في صحيح الترغيب، من حديث/أو من أثر العوام ابن حوشب. قال: أتيت حيا من أحياء العرب، وبجانبه مقبرة. فمكثت عندهم يومان. فبعد ما صلينا العصر، إذا بقبر يُفتح في المقبرة فيخرج منه رجل رأس حمار، وجسده جسد إنسان. فينهق ثلاث نهقات، ثم يرجع فينطبق عليه القبر.
وكانت هناك امرأة عجوز تغزل الصوف أو الشَّعر. فقالت لي امرأة من الحي: أترى تلك المرأة؟ قلت: نعم. قالت: هذه أم هذا. قلت: وكيف ذلك؟ وما الذي حصل؟ وما الذي جرى؟
قالت: إنه كان يأتي البيت مخمورا، من شرب الخمر. فتنهاه أمه، وتقول له: يا ولدي اتق الله. إلى متى تشرب هذه الخمر؟ فيقول لها: اسكتي. فإنما أنتِ تنهقين كما ينهق الحمار.
قالت: فمات بعد العصر، فهو في كل يوم ينشق عنه قبره بعد العصر، وينهق ثلاث نهقات، ثم ينطبق عليه قبره.
نسأل الله السلامة والعافية. ولعل هذا فيما رأى الناس من عذاب العاق. فكيف بما غُيّب عنا من عذاب يوم القيامة؟
وأختم بما قال أحدهم من أجمل أبيات شعر عن الأم:
لأمك حق لو علمت كبير — كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي — لها من جواها أنه وزفير
وفي الوضع لو تدري عليك مشقة — فكم غصص منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها — ومن ثديها شرب لديك نمير
وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها — حنوا وإشفاقا وأنت صغير
فضيعتها لما أسنت جهالة — وطال عليك الأمر وهو قصير
فآها لذي عقل ويتبع الهوى — وواها لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها — فأنت لما تدعو إليه فقير
إنها الأم يا عباد الله. إنها الأم التي إذا ذهبت لا تعود.
الدعاء
اللهم آت نفسي تقواها، وَزَكِّهَا أنت خير من زَكَّاهَا.
اللهم ارحم أمهاتنا وآبائنا، اللهم اغفر لهم وعافهم واعف عنهم. اللهم ارحم ميتهم؛ اللهم ارزقنا برهم في الحياة، وبعد الوفاة يا أكرم الأكرمين. واجعلنا يوم القيامة من البارين. وأدخلنا ببرهم جناتك جنات النعيم.