وكما وفَّرنا لكم مثيلتها من قبل، نوفرها هي لكم اليوم. إنها خطبة الجمعة عن بدعة عيد الأم. الخطبة مكتوبة ومشكولة الآيات، ومُنتقاة الأحاديث الصحيحة والمواعِظ الجمَّة.
نعم؛ نحن في موقع المزيد، وتحديدًا ملتقى الخطباء وصوت الدُعاة؛ نوفر لكم خطب جمعة مكتوبة ومنتقاة لموضوعات في وقتها، تشغل الرأي العام، وخاصَّة الإسلامي. فتابعونا لتجدوا معنا كل جديد.
مقدمة الخطبة
الحمد لله. نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كلام الله. وخير الهدي هدي محمد ﷺ. وشر الأمور محدثاتها. وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون؛ إسلامنا هو ديننا العظيم يقوم على أداء على أداء الحقوق ومنع العقوق. ومن أعظم هذه الحقوق بعد حق الله تعالى حق الوالدين. فقال الله ﷻ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
وأوصى بالأب أو بالوالد مرة، وبالأم ثلاث مرات. رجل إلى النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال «أمك». قال: ثم من؟ قال «أمك». قال: ثم من؟ قال «أمك» قال:ثم من؟ قال «أبوك».
فأعطى الأم من البر ثلاث أضعاف ما أعطى الأب. وذلك لأنها هي التي حملت ووضعت وأزالت الأذى، وأرضعت. لذلك؛ فكان عقوق الوالدين -وخصوصا الأم- من أكبر الكبائر.
بدعة عيد الأم
فإسلامنا أكرم المرأة بنتا وزوجة وأُما وأختا وجدة وعمة وخالة. أكرمها في كل وقت وحين. أكرمها من مهدها إلى لحدها. ولم يجعل ساعة في النهار لإكرامها. ولم يجعل يوما في السنة لإكرامها.
ولهذا؛ كل يوم أمهاتنا في ديننا في عيد وفي سعادة وفي فرح ومرح. لأن بر الأم بابٌ من أبواب الجنة.
قال النبي ﷺ لأحد الصحابة، وقد أراد الجهاد. وكان يأتي النبي ﷺ عن اليمين وعن الشمال، يطلب أن يخرج مجاهدا ابتغاء مرضاة الله. وفي كل مرة يقول له النبي ﷺ «ألك أم حية؟» فيقول: نعم يا رسول الله. حتى قال له في الثالثة «الزم قدمها، فثم الجنة».
فديننا -يا عباد الله- يعرف حق المرأة عموما وحق الأم وحق الوالدة خصوصا. فلسنا بحاجة إلى تقليد أعدائنا، إلى تقليد من غضب الله عليهم، إلى تقليد من نتبرأ من سبيلهم سبع عشرة مرة في الصلوات الخمس في اليوم والليلة. فلا يقبل الله صلاتنا إلا إذا تبرأنا من سبيلين ضالين؛ سبيل من غضب الله عليهم وهم اليهود -بإجماع المفسرين- وسبيل من أضلهم الله وهم النصارى بإجماع المفسرين.
والنبي ﷺ حذر أمته من والافتتان في تقليد أهل الكتاب، وفي تقليد من غضب الله عليهم ومن أضلهم. فقال ﷺ، والحديث في صحيح البخاري «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟».
وهذا -يا عباد الله- يدل على اهتراء في الشخصية وتلف في الهوية واهتزاز بالتبعية لدين الحق واتباع الصراط المستقيم.
فنحن أمة مستقلة، لها هويتها وشخصيتها؛ لسنا مقلدين، لا للشرق ولا للغرب. نحن أمة الاتباع، اتباع هذا النبي ﷺ. واتباع أصحابه؛ ولو كان خيرا لسبقونا إليه، لأنهم فوقنا في كل خير. لأنهم هم من راعوا الحقوق، واجتنبوا العقوق. لأنهم من يعرفوا قدر الأمهات، وقدر النساء، وقدر الأبناء. فالخير كل الخير في اتباع من سلف، والشر كل الشر في ابتداع من خلف.
فاتبعوا عباد الله ولا تبتدعوا، اتبعوا سلفكم الصالح تفلحوا وتنجحوا. وإياكم والدعايات الموبقات، وإياكم أن تركضوا خلف من غضب الله عليهم ومن أضلهم، ومن لعنهم لعنًا كبيرًا. وإذا أردتم رضوان الله ومحبة الله فالزموا غرس رسول الله وغرس أصحابه -رضي الله عنهم-. الذي أنزل الله فيهم ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس﴾. والذين أنزل الله فيهم ﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾.
الأم المثالية في الإسلام
نرى جهات رسمية تأتي وتقوم بتكريم ممثلة وراقصة على أنها أم مثالية. هزلت والله. إذا كانت الراقصة والممثلة هي الأم المثالية، فعلى الدين والدنيا الدمار.
الأم المثالية في الإسلام هي: الأم الحافظة لكتاب ربها، الصائنة لعرضها، الملازمة لبيتها، المكتسية بجلباب الحياء، الأم التي بينها وبين الرجال الأجانب كما بين المشرق والمغرب. الأم المثالية هي الأم التي تربي الأجيال المؤمنة.
ما معنى تكريم ممثلة على أنها أم مثالية؟ إلا أنها رسالة ودعوة للنساء أن يا أيها النساء كُن مثل هذه. لا تكوني أيتها المرأة مثل عائشة وخديجة وفاطمة بنت النبي ﷺ وأمهات المؤمنين. لأن هؤلاء رجعيات، متخلفات. نعم هذه الرسالة التي يريد هؤلاء، الذين هم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ولكنهم دعاة على أبواب جهنم؛ من أطاعهم قذفوه في النار. وهم معروفون، مفضوحون، مكشوفون لكل مؤمن. فالله حسيبهم، وهو يتولى عقابهم وحسابهم ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ | إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين. وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
وبعد؛ فاعلموا -عباد الله- أن أُمَّة الإسلام قد غُزيَت في عقر دارها من قِبل أعدائها، بالفكر الضال، والانحراف، والعقيدة الفاسدة. وهو ما يسمى بالغزو الفكري والثقافي.
غُزيَت فكريا قبل أن تُغزى عسكريا. ورأت أن هذا سلاحا ناجعا. لأن الغزو العسكري يوقِظ المسلمين ويردهم إلى دينهم. ويجعلهم يقاومون أعدائهم. مما يؤدي إلى خسرانهم لأبنائهم، وخسرانهم لسمعتهم. فغزوا هذه الأمة بأن صدروا لها الأفكار الباطلة وأحيوا لها العقائد الفاسدة ومن المِلل والمِحَن التي ما أنزل الله بها من سلطان.
فنجد يوم عيد الحب، يوم عيد الأم، يوم عيد العمال، ويوم عيد كذا. وليس للمسلمين إلا عيدان؛ عيد الفطر وعيد الأضحى. ويوم الجمعة عيد الأسبوع.
فالعيد عبادة -معشر المسلمين- تأتي بعد إتمام مناسِك، بعد إتمام شعائِر. فبعد إتمام شعيرة الصيام يأتي عيد الفطر. وبعد إتمام شعيرة الحج يأتي عيد الأضحى؛ مكبرين مهللين، شاكرين لله “سبحانه وتعالى” أن وفقنا لعبادته وطاعته.
فكل هذه الأسماء ينطبق عليها قول الله ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾.
فعلينا عباد الله أن نعود إلى دين الحق وأن نتمسك بكتاب ربنا وسُنَّة نبينا، فهما سبيل نجاتنا، وهما سبيل فلاحنا.
قال الله ﷻ ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى | وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾. وقال النبي ﷺ في حديث الثقلين «تركت فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما، لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي».
فالحذر الحذر -يا عباد الله- من الابتداع في الدين. وهذا الدين -ولله الحمد- محفوظ بحِفظ الله إلى يوم القيامة.
ليكن شعارك شعار الصديق: أينقص الدين وأنا حي؟ ليكن شعارك ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾. لا تُرضي إلا الله، لأنك راجع إلى الله، والله سائلك عن كل صغيرة وكبيرة. واقرأ قول الحبيب المصطفى ﷺ «من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس».
الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، وخذ بيده يا رب العالمين. ومن أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره في تدميره.
اللهم ولِّ علينا خيارنا، ولا تولِّ علينا شرارنا. واجعل اللهم ولايتك في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم اجعل لهذه الأمة أمر؛ رشد يُعَز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر.
اللهم اجعل هذا البلد آمنا سخاء رخاء، وسائر بلاد المسلمين. اللهم جنبه الفتن والمحن والوباء والبلاء وسائِر النقَم.
اللهم وفق ولي أمرنا لما فيه صلاح البلاد والعباد. اللهم خذ بما صيته للحق والتقوى. وأعِنه على طاعتك ووفقه للعمل بكتابك وسنة نبيك. وارزقه صالحة ناصحة يا رب العالمين.
عباد الله؛ أقول قولي هذا، والحمد لله رب العالمين. وأقِم الصلاة.
كانت هذه خطبة الجمعة عن بدعة عيد الأم. انتقيناها لكم وراعينا فيها أن تكون الآيات القرآنية مشكولة والأحاديث النبويَّة مُميَّزة بأقواس مختلفة عن الآيات، حتى يتسنَّى لكم العصور على ما تبغون بشكل يسير وسهل.
ولمزيد فائِدة، فقد وفَّرنا من قبل أيضًا: خطبة عن عيد الأم وتكريم الإسلام للمرأة