أتيناكُـم ومعنا خطبة عن الوقت هو الحياة. وهي أحد خُطَب الجمعة التي تتحدَّث عن أهمية الوقت، وقيمته، واستغلاله فيما ينفع المسلم في دينه ودنياه وآخِرته؛ فهو رأس مالِه.
الخطبة مُقسَّمة بشكل جيّد؛ بحيث يُمكنكم الاستعانة بها كاملة، أو اقتباس ما يلزم.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا عبده ورسوله.
اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
الخطبة الأولى
واعلموا أيها السادة أن خير الكلام كلام الحق ﷻ، وخير الهدي هدي حبيبنا محمد ﷺ، واستفتح بالذي هو خير، يقول ربنا -جل في علاه- ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا | وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾.
معاشر السادة يشير الحق ﷻ في هذه الآية إلى آيات عظيمة خلقها وسخرها للإنسان.
نعمة الليل والنهار
والآيات تشير إلى فضل ونعمة الشمس والقمر، ونعمة الليل والنهار، الشمس لها ما لها من خواص وميزات تنتفع منها الكرة الأرضية، وتكون فيها الدورة الزمانية من خلالها إلى غير ذلك من مهامها التي سخرها الله ﷻ لهذا الكون.
كذلكم القمر، والمعيار في ظهور هذه وتلك، ما يسمى الليل والنهار.
في الآية الليل لمن أراد أن يذكر، لمن أراد أن يشكر الله ﷻ، لمن أراد أن يقوم في الليل وينظر ويتبصر ويتفكر.
والنهار لمن أراد أن يبتغي فضل الله ﷻ كما أشارت إليه آية الإسراء ﴿فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾.
نعمة الوقت
لكن الهدف الأبعد في هذه الآيات والذي أريد أن أؤكد عليه اليوم هو حساب الزمن وحساب الوقت، الوقت هو النعمة الكبرى التي بين يدي الإنسان، ولعلها من أهم النعم.
لكن كثير من الناس لا يدركون قيمتها، قال صلوات الله وسلامه عليه «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».
نعم أيها الإخوة حين يكون الإنسان صحيحًا معافا لعله لا يدرك قيمة هذه النعمة فيستهتر جسده، وصحته وغير ذلك مما قد يسيء إليه إما في نفس الزمان أو في قادمات الأيام.
استثمار الوقت
كذلكم الوقت، والإنسان اللبيب العاقل هو الذي يستثمر، وأرجو أن ننتبه إلى هذه الكلمة، استثمار الوقت، فكم من أوقاتنا مهدورة، ولذلك أسباب وعادات سيئة.
ونحن نقرأ كتاب الله أن الله ﷻ يقسم بالوقت، يقسم بالزمن ﴿وَالْفَجْرِ | وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾، ﴿وَالْعَصْرِ | إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾، ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾، ﴿وَالضُّحَى﴾.
إلى غير ذلك من أوقات، يعطيك الحق ﷻ إشارة إليها، ماذا أفعل في الفجر؟ ماذا أفعل في الليل؟ في ساعات الضحى؟ في مجمل زماني، في مجمل أيامي.
لذلك جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- صلوا عليه وسلموا تسليما، ليبين لنا جزاه الله عنا كل خير.
ستُحاسب على وقتك فاغتنمه
يقول «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه»، العمر وقت، وقت أنت عشت فيه في هذه الدنيا، سيحاسبك الله عنه.
«عن عمره فيما أفناه» ماذا أمضيت في الليل؟ وماذا فعلت في النهار؟ «وعن شبابه فيما أبلاه» لطالما ركز صلوات الله وسلامه عليه على هذه المرحلة الهامة من حياة الإنسان ومن عمره ليقول لك فترة الشباب اعتني بها جيدا هي فترة الطاقة والقوة والعطاء والبذل وكل ما يجب عليك أن تفعله في حياتك تستثمره وقت الشباب.
«وعن علمه ماذا عمل به؟، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه».
نتحدث عن الوقت، الوقت الذي نضع له تسميات يبدأ عندنا مثلا في ساعاتنا المتعارف عليها الثانية وهناك شيء أقل من الثانية.
من يرى منكم السباقات الرياضية، يرى كيف يعتني المتسابق بالفوز في سباقه بأقل جزء من الثانية، وفي هذه إشارة أيضا، إشارة لكل من يريد أن يستثمر وقته.
أيها الناس كم وكم نضيع من الوقت في قيل وقال؟ في مسائل لا خير فيها، في مسائل لا فائدة منها لذلك إذا أردت أن تسأل عن حال الأمة فاسأل كيف تستثمر وقتها؟
سر النجاح هو استثمار الوقت
يبدأ النجاح مما أشار إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- من أن يكون الإنسان ملتزما بموعده، بوعده، لذلك نفى صفة الإيمان عن الذي يخلف الوقت ويخلف الوعد، ولا يعرف قيمة الوقت.
لا يعرف قيمة الوقت، ماذا سماه رسول الله؟ ﷺ «قال آية المنافق: ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
يبدأ نجاحنا أيها الإخوة على مستوى الأفراد وعلى مستوى الأمة حين احترم وقتي واحترم وقتك، حين استثمر وقتي ولا أهدر وقتك.
كم أضيع من وقت غيري حين أجعله في انتظاري، يكون الموعد في ساعة ما وأتأخر إن خمس دقائق أو أكثر أو أقل، لحساب من هذا الهدر؟
استثمار الوقت أهم من استثمار المال
ووالله يا أيها الإخوة استثمار الوقت أهم من استثمار المال، ذكرت لأحد الطلاب الجامعيين وهو يهدر في وقته من أجل أفكار طائشة، لم ينجح هذه السنة ولا التي قبلها وهو يفكر أن يبقى في الجامعة في السنة القادمة.
هذا الوقت لصالح من؟ هدر هذا الوقت لصالح من؟ سيتكلم الناس في مسائل لعلها واقعية لكن يجب أن يكون لها حلول.
عندك أو عند غيرك، لحساب من ضاع هذا العمر، قلت له لو تخرجت في سنة كذا وابتدأت العمل في سنة كذا في اختصاصك أو علمك الذي تعلمت فإن محصلة جني المال، أتكلم عن المال فقط وهذا ليس بشيء أمام فوائد أخرى يحصلها الإنسان من استثمار وقته، قلت له ستخسر بأي حال حسب اختصاصك أقل شيء مبلغا ما تجده الآن أنت بحاجة إليه، لكنك الآن تهدر الوقت وبالتالي تهدر المال.
وهذا أيضا ديدن، الطالب والعامل وكل إنسان يعمل في مشروع، سأصل إلى خلاصة استفيد منها أنا وأنتم.
الوقت أيها الإخوة نعمة ثمينة، نعمة كبيرة ظواهرها الشمس والقمر، تلك الساعات التي تدور فيها الشمس، أو يظهر فيها القمر لتحسب، ﴿وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾.
لماذا ذكر الله ﷻ هذا الكلام؟ ذكره من أجل أن نقرأه برواية حفص أو ورش أو نقرأه بالقلقلة أو غيرها؟ نعم هذا شيء مهم ومطلوب، في حسن الأداء والتلاوة لقول الله ﷻ ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا﴾.
لكن هذه الكلمات بحاجة إلى إعمال العقل واستثمار الوقت في هذا الموضوع ﴿وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾.
أولا معرفة أهمية الوقت؛ هذه النعمة الكبيرة.
ثانيا استثمار هذا الوقت.
إدارة الوقت
ثالثا.. وهذه مسألة مهمة جدا: هي إدارة هذا الوقت، عندي ساعة استثمرتها، أريد أن استثمرها، كيف؟
يجب أن يكون عندي برنامج املأ فيه هذه الساعة بأي شيء، لذلك حين عزفنا عن المطالعة صار عندنا فراغ، حين عزفنا عن العبادة، بشتى أشكالها؛ صلوات، تطوع، أذكار، تلاوة قرآن، طلب علم صار عندنا فراغ.
حين عزفنا في بعض الأوقات عن الدراسة صار عندنا فراغ، حين عزفنا عن صلة الرحم صار عندنا فراغ.
حين عزفنا عن خدمة بيتنا أو مجتمعنا في أعمال تسمى مرة تطوعية ويسميها البعض لله، أعمال لله، حين عزفنا عن ذلك صار عندنا فراغ.
كيف نملأ هذا الفراغ؟ هنا الكارثة أيها الإخوة، أنت أيها الأب، والخطاب فقط ليس فقط للأب، الخطاب لنا جميعا.
كيف هو وقت ولدك؟ ماذا يفعل؟ مُلء الوقت بضياع، بشتات، بالاهتمام بأشياء تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع.
ووالله لو بقينا عند قول الحق ﷻ الذي يقسم فيه بالوقت والزمن وأهميته، وانظر ماذا اتبع هذا القسم؟ ﴿وَالْعَصْرِ﴾ نعم يا رب، يقسم بالزمن، ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾.
هو يُقسم.. أي إنسان هذا يا رب؟ يقول لك انظر بماذا أقسم؟ ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ | إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، عرفوا قيمة الوقت، عرفوا هذه النعمة، عرفوا أهميتها، فملأوا وقتهم بإيمان بأن هذه نعمة يجب استثمارها وعمل يملأ هذا الفراغ ويملأ هذا الوقت حتى يكون الإنتاج طيبا والثمرة يانعة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.
وهنا يا إخواني نجِد خطبة مكتوبة مؤثرة عن الكلمة الخبيثة وخطورتها
الخطبة الثانية
الحمد لله رب الأرباب ومسبب الأسباب وخالق خلقه من تراب. والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين؛ محمدًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
نِعم الله لا تعد ولا تحصى
يا أيها السادة نعم الإله كثيرة، نعم ربنا ﷻ لا تعد ولا تحصى، لا تهملوا نعمة أنعم الله بها علينا.
اشكروا النعم وذلك بضبط أوقاتكم، واحترام أوقات غيركم، ووالله لم أجد أمرا يضبط لي وقتي في حياتي كما وجدت الصلاة حيث قال الحق ﷻ ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾.
ما الرابط بين الصلاة وضبط الوقت؟ ألا يوجد في اليوم خمس أوقات للصلاة خمس مواقيت؟
كأنه قسم لك اليوم ووضع لك بين كل وقت وآخر عملا مناسبا لهذا الوقت.
هي إشارة من الله ﷻ أنت تستثمرها بشيء وأنا أتصرف بها بشيء آخر لكن كلانا يعمل ليصل إلى النجاح، والنجاح يكون بشكر نعم الله ﷻ.
وفقنا الله ﷻ جميعا لمعرفة فضله ونعمه واستثمارها كما يحب ويرضى إنه مولانا سميع قريب مجيب.
اللهم آمين..
وهنا يا أحباب؛ قد انتهينا -بحول الله ﷻ وقوَّته- من تقديم خطبة عن الوقت هو الحياة؛ وهي لفضيلة الشيخ عمر محيي الدين حوري -جزاه الله خيرا-. ونود مفارقتكم هنا لنجتمع تاليًا مع خطبة عن هم الدنيا؛ وهي بمثابة رسالة يقظة مؤثرة. نسأل الله ﷻ أن ينفعنا وإياكم بالعِلم النافع؛ اللهم استجِـب.