جاء عنوان خطبة الجمعة القادمة -إن شاء الله- من وزارة الأوقاف: الوقاية خير من العلاج. ونود هُنا أن نُساهم في إثراء معلوماتكم عن هذا الموضوع قبل صدور الخطبة الرسمية منها من الموقع الرسمي أوقاف أون لاين.
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين على نعمه علينا وفضائله التي نعجز عن عدها ولا نحيط بحدها، والحمد لله على لطفه بنا إذ قدر لنا اللقاء والبقاء وأنجانا من ويلات الوباء بلا حول منا ولا قوة، والحمد لله أن جعل لنا في الصحة خيراً وفي المرض خيراً، فإن لم يمتع عباده بالصحة فقد ضمن لهم الأجر، وأعد لهم جزاءً موفور على التزامهم الصبر، وجعل كل ألم يصيب البدن تكفيرا للذنوب ومنزلة عند رب الغيوب.
والصلاة والسلام على رمز الكمال وكمال الوجود، من نور به الدنيا وأكرم الله به الوجود، ومن ضرب أروع المثل في الكرم والجود، الحامد لربه وبين الخلق محمود، سيد الخلق وإمام النبين والمرسلين وخير خلق الله أجمعين، وعلى آله الأخيار الطيبين وعلى صحبه الأحبة المقربين، الذين أضاءوا جنبات الدنيا وأعلى الله بهم كلمة الحق والدين، وعلى كل من تبعهم واقتفى أثرهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين، ثم أمَّا بعد:
الخطبة الأولى
فإن الله ﷻ أنعم علينا بنعم لا تعد ولا تحصى، وهو ﷻ القائل (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوها) وعلى الرغم من عظم عطاياه ونعمه الكثيرة التي لا غنى عنها والتي يسر الله بها حياتنا وكفل لنا بها المتعة، وحقق لنا بها السعادة والراحة في حياتنا إلا أن نعمة الصحة تظل تاج النعم، وأهمها وأبرزها على الإطلاق، فهي السبيل إلى استقامة الحياة، وهي المعين على إدراك الغايات والسعي في دروب الحياة طلباً للنجاح والرزق والسعادة بمختلف معانيها وصورها، كما أنها السبيل إلى الاستمتاع بمظاهر السعادة المختلفة، فلا متعة ولا لذة في الطعام مع غياب الصحة، وإن كان أشهى طعام على وجه الأرض، ولا قيمة لثياب فخمة تكسو جسدا يهده المرض، ولا سعادة من وراء سكن فاره ينطق بالثراء إن كان ساكنه يعاني الوهن والضعف، ولا قيمة تذكر لفراش وثير، بجمال يسر الناظرين ونعومة كالحرير إذا طال الرقاد وإذا قض المرض مضجع صاحبه وأرق ليله، فالصحة هي سيدة النعم وهي السبيل إلى استشعارا والاستماع بها.
وقد أشار نبينا الكريم إلى تلك النعمة العظيمة وحثنا على الانتباه إليها وعدم الاستهانة بها واستغلالها على الوجه الذي يرض الله عنا، فقال في حديث يرويه ابن عباس رضي الله ﷻ عنهما أن النبي ﷺ قال: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ».
أما الحرمان منها أو الابتلاء بالمرض فهو والذي نفسي بيده أشق أنواع الابتلاء وأشدها قسوة على النفس، فالمرض ينطوي على الألم والضعف والشعور بالوحدة والقلق، وتسلط الأسقام والذهاب براحة البال وقرة العين، وهو ينطوي على انكسار القلب والشعور بالوهن والهوان والثقل على الغير، ولعل من المؤسف جدا أننا لا نستشعر قيمة الصحة ولا نؤدي شكر تلك النعمة العظيمة إلا حين نواجه خطر فقدها، فيتعذر علينا كل ما كان سهلا ويشق علينا كل ما كان يسيراً، ويصبح الممكن والمتاح والمسموح درباً من الموانع والمحذورات، فقد صدق من قال أن الصحة تاج على رأس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.
لأجل ذلك وأكثر ولأجل تقدير الشارع الحكيم لقيمة الصحة وأهميتها كنعمة من أعظم النعم بل تكاد تكون أعظمها على الإطلاق، فقد أولى أمر العناية بالصحة اهتماماً خاصاً وعناية كبرى تعكس مدى الترغيب في الحفاظ عليها والترهيب من الإهمال فيها أو حتى التقاعس عن أداء شكرها بطرق كثيرة علمتنا إياها السنة النبوية المطهرة ولعل أهم وأول خطوات الشكر على النعمة هي الحفاظ عليها واتباع سبل الوقاية من الأمراض ابتداء لأن الوقاية أولى من العلاج، وسلامة الجسم أحب من دخوله في دوامة الداء ومروره بالدواء ومعاناته من آثار تلك التجربة جملة وتفصيلا لذا سيدور اليوم حديثنا وستكون تذكرتنا حول الوقاية من الأمراض والحفاظ على الصحة وذلك تحت عنوان (الوقاية خير من العلاج)، فاسمعوا وعوا وكونوا عباد الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اتخذت عناية الاسلام بالصحة والحث على الأخذ بأسباب الوقاية من الأمراض أكثر من مظهر وصورة لعل أهمها الحث على الطهارة والأمر بها وجعلها روتينا ثابتاً وعادة يومية ترى المسلم متلبساً بها على الأقل خمس مرات في اليوم والليلة وهذا فقط بحرصه على الوضوء، الذي أثبت العلم الحديث مدى فاعليته في نظافة الجسم ووقايته من العديد من الأمراض الجلدية وغيرها الكثير من الأمراض التي تصيب الجسم وتصل عن طريق الأطراف والفم والأنف والتي يعني الوضوء بنظافتها باستمرار، فلا يبقى من النجاسة أو القذارة أو أي ضرر شيء ولقد بين لنا النبي ﷺ ذلك في حديث شريف حيث يقول: (أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ، قالَ: فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بهِنَّ الخَطَايَا) صدق من لا ينطق عن الهوى.
ولعل المتأمل في باب الطهارة وأحكامه يكتشف مدى حث الإسلام عليها وربطه بينها وبين الوقاية من الأمراض، فالماء له مفعولاً طيباً ليس في إزالة ما يعلق بالجسم فقط بل أيضاً ما يعلق بالقلب ويحيق بالنفس من المشاعر السلبية التي قد تتسبب في أمراض بالغة الخطورة لذا يقول ﷺ : ( فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ) رواه الترمذي، كما أوصى المسلم حين يستيقظ أن لا يضع يده في إناء ومن باب أولى أن لا يضعها في فمه حتى يغسلها وقد ثبت أيضاً بالدراسات العلمية الحديثة أن معظم البكتريا والجراثيم الضارة تتراكم على أطراف الأصابع فتكون اليد وسيلة لنقلها إلى المعدة من خلال الفم أو الأنف وهذا ما يشير إليه قوله الشريف “عليه الصلاة والسلام” : (إذا استيقظ أحدكم من نومه… فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا).
ولا يقل الأمر بالغسل في الحالات الشرعية المعروفة أهمية عن الوضوء فقد ثبت أيضا أهميته وجدواه في الوقاية من الكثير من المشكلات الصحية المختلفة، والتي قد تطول الجسم كله.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
وهنا نجِد: خطبة عن حفظ النفس من الهلاك
الخطبة الثانية
الحمد لله عدد خلق وزنة عرشه ومداد كلماته، والحمد لله عدد آلائه وآياته، وعدد ما أقلته أرضه وأظلته سماواته، والصلاة والسلام على النبي المصطفي، شمس الضحى وقمر الدجى وصحبه نجوم الهدى، ومن بهم استنار واهتدى، ولم يضيع تعاليمهم سدى، وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ثم أما بعد:
فإن تعليم الإسلام التي تهدف إلى الوقاية لم تقتصر فقط على الطهارة وصورها بل امتد لتشمل عددا من السلوكيات اليومية والعادات الصحية التي يجب على المسلم أن يلزمها والتي هي كفيلة بأن تكون سببا في وقايته من ويلات الكثير من المشاكل والأمراض، والتمتع بعافية البدن وسلامته من السقم، فمثلا ورد في الذكر الحكيم ما ينفر من الإسراف في الطعام حيث يقول الله ﷻ: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، كذلك نجد أن نبينا ﷺ قد نفر من تناول الطعام والشراب بكثرة وشراهة، وبين أن ذلك من باب الإضرار بالصحة والتسبب في الكثير من الأمراض والمعاناة التي نحن في غنى عنها، ولم يترك الأمر مفتوحا بل وضع ﷺ حدوداً واضحة ينبغي على الإنسان أن لا يجاوزها في طعامه فقال ﷺ في الحديث الشهير: (مَا مَلأَ آدَمِي وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ).
ليس ذل فحسب بل نهى عن النوم بعد تناول الطعام مباشرة وحذر منه فقال: (أذيبوا طعامكم بذكر اللهِ والصلاةِ، ولا تناموا عليه تغفل قلوبُكم)، وحتى طريقة شرب الماء تناولها النبي “ﷺ موضحا ما يتعلق بها من الآداب والتعاليم التي تعزز الوقاية من الأمراض وتمنعها وتسد مداخلها قدر المستطاع، فقد نهى النبي عن الشرب على دفعة واحدة وأمر بتقسيم الشرب إلى ثلاث مرات تجنباً لأي مشاكل قد تعترى الإنسان عند شرب الماء، كما نهى عن التنفس في الماء، وقد تبين أن التنفس في الماء أو النفخ في طعام أو شراب من شأنه أن يفسد الطعام أو الشراب ويلوثه بالغازات الناتجة عن الزفير مما قد يتسبب في الكثير من المشكلات، فيقول ﷺ: (إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ)، كما جاء عن بن عباس “رضي الله عنهما” أن النبي ﷺ نهى عن النفخ في الطعام.
كذلك من السنن التي أمر بها النبي ﷺ والتي تعكس فهماً عميقاً ووعياً عظيماً بقضية الوقاية من الأمراض وسد أبواب التلوث وما من شأنه أن ينقل العدوى للإنسان حثه على تغطية الآنية وعدم تركها عرضة للتلوث بأي ملوثات فيقول ﷺ (غَطُّوا الإِنَاءَ وَأَوْكوا السِّقَاءَ).
ويضاف إلى كل تلك السنن العظيمة والأحكام القويمة أمر القرآن الكريم والسنة النبوية للمسلم بالحفاظ على الصلاة وإقامتها يومياً، والتزام الصوم سواء الفريضة أو الصوم النافلة ولعل في الصلاة والصوم من الفوائد الصحية الوقائية والعلاجية ما لا يعد ولا يحصى، وما لا يتسع المقام لذكره أو تفصيله، كما أمر الشرع الحنيف بالاعتدال في كل شيء ونهى عن المبالغة حتى في الطاعة وعمل الخير، فعلمنا النبي “صلى الله علي وسلم” أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل.
ومن أسباب الوقاية أيضا تبني وإقرار مبدأ الحجر الصحي عند ظهور الوباء في موطن ما فقد نهى النبي عن دخوله أو الخروج منه، للحد من الوباء والوقاية من انتشاره، ومن ذلك حديث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ “رضي الله عنهما” عنِ النَّبِيِّ ” ﷺ ” قَالَ: إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا متفقٌ عليهِ.
وأخيراً فقد نهانا الشرع الحنيف عن كل ما من شأنه أن يتسبب للإنسان في ضرر أو خلل أو يذهب بصحته أو قوته أو يهدد سلامته من تناول مسكر أو مفتر أو غيره مما ثبت ضرره، وقد لخص قول الله ﷻ تلك المسألة في قوله: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
نسأل الله جل وعلا أن يقينا شرور أنفسنا ولا يؤاخذنا بجهلنا ولا يجعل مصيبتنا في ديننا وأن يعافي أبداننا، ويقينا ما لا نطيق.
ومن الأرشيف السابق: الحفاظ على المال وحتمية مواجهة الفساد