خطبة جمعة عظيمة عن الوطن والولاء له وبناءه

خطبة جمعة عظيمة عن الوطن والولاء له وبناءه

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الأوطان، وأسبغ علينا فيها من الخيرات والأمن والأمان، أحمده سبحانه وتعالى بما هو له أهل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، ﷺ  وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.

الخطبة الأولى

إن الوطن هو البيت الكبير الذي يجمعنا جميعا، وواجبنا تجاهه أن نحافظ على مكتسباته، وأن نصون خيراته، وأن نسهم في نهضته وتقدمه. إن ما نراه اليوم من استقرار وأمن ونعم كثيرة، لم يأت مصادفة، بل كان نتاج جهود مضنية بذلت على مدى عقود، من آبائنا وأجدادنا، ولا تزال تبذل من قيادة هذا الوطن لبناء حاضرنا المشرق ومستقبلنا الواعد.

أيها المسلمون: إن الحفاظ على مكتسبات الوطن يبدأ بالشعور بالمسؤولية تجاه كل ما هو عام، فالطرقات، والمباني، والمرافق، والمؤسسات، كلها ملك للوطن وأبنائه، والتعدي عليها أو إهمالها يعد خيانة للأمانة.

يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾، لقد علمنا ديننا الحنيف أن المال العام أمانة، والعبث أو الإضرار به كبيرة من الكبائر، يقول النبي ﷺ: «من غشنا فليس منا»، والغش هنا لا يقتصر على الأفراد، بل يمتد ليشمل الوطن بأسره.

أيها المؤمنون: لقد وسع الله لكم في الوطن خيراته، وبسط لكم من ثرواته، ووكل إليكم أمر الإنفاق والتدبير، وحسن الاستهلاك بين التقتير والتبذير، يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾، ويقول عز من قائل: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، إن الإسراف يستنزف الأموال، ويبدد الثروات، وإن التقوى لتحتم على كل من يعيش على تراب الوطن، أن يحرص على الممتلكات العامة، أكثر من حرصه على ماله الخاص، فإنها أمانة عظيمة، ومسؤولية كبيرة في عنق كل مواطن صالح، ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، إن واجب الدين والفطرة يحتم على كل منا أن يكون أمينا على المرافق العامة، ذائدا عنها كل مخرب وعابث.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

هذه أيضًا ⇐ خطبة وطنية حماسية.. بعنوان: بناء الوطن مسؤولية الجميع

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، إمام الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله: إن التغيير والتطوير مطلبان لا غنى لأي أمة عنهما، فهما جناحا التوفيق، وقد قامت سنن الله تعالى في الأرض على ذلك، وما ديمومة مظاهر الحياة في الكون وتجددها إلا بما يجريه الله سبحانه وتعالى فيها من تغيير وتطوير، تتعدد مناحيها، وتأخذ وقتها، وتسير وفق المقدر لها من ربها، بتدبير إلهي محكم، يقول الله تعالى في شأنه: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾، والتغيير والتطوير أمران مهمان في نماء الوطن ومقدراته، وضروريان لرفاهية المواطنين واستقرارهم، وفق مبادئ ثابتة، وأسس متينة، وقواعد متمكنة، تجعل من التغيير أمرا طويل الأثر، بعيد التأثير، يتجاوز هذا الجيل إلى الأجيال القادمة، ويشمل مناحي الحياة الإنسانية كافة، كي ينعم البشر بما يسرهم، ويشعروا بأثر التغيير في نفوسهم، فالعجلة في أمور تتطلب الأناة أمر غير محمود، واستعجال الثمرة قبل نضجها يفسد مذاقها، بل إن التعجل منهي عنه في العموم، وقد أشار إلى هذا المعنى قول الرسول ﷺ: «يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله: ما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء».

أيها المؤمنون: إن الحفاظ على مكتسبات الوطن لا يقتصر على حمايتها من العبث، بل يشمل أيضا استثمارها وتنميتها؛ فالوقت والجهد والعلم هي أعظم المكتسبات التي يمكننا تقديمها لوطننا، فلنسع دائما إلى تطوير أنفسنا بالعلم النافع والعمل الصالح، ولنكن عناصر فاعلة تسهم في تحقيق رؤية الوطن وأهدافه، يدا واحدة في بنائه وديمومة موارده ونهضته، ولنغرس في نفوس أبنائنا قيم الولاء والانتماء، ونحثهم على أن يكونوا أفرادا صالحين مخلصين لوطنهم وأمتهم.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

أضف تعليق

error: