تم تحديده، انه موضوع خطبة الجمعة القادمة، والتي ستكون بعنوان (الهجرة غير الشرعية والحفاظ على الأنفس). ونسرد ما تيسَّر لنا منها “الغير رسميَّة” هاهُنا، آملين أن يوفِّقنا الله عَزّ وجل إلى كُلِّ خَير.
خطبة الجمعة القادمة
سبحان الله وبحمده عدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته، والحمد لله عدد نعمه ومكارمه وعطاءاته، وعدد ما بدل من الأحوال وحقق من الآمال، وأسعد القلوب بتحقيق ما هو مُحَال. الحمد لله الذي رغم الظلم والظلمات والذنوب والسيئات لم يقطع عنا مدده ولم يحرمنا رزقه، ولم يقبضنا على ذنب، ولم يكشف ستره عنا، الحمد الله على جميع نعمه ما علمنا منها وما لم نعلم، ظاهرها وباطنها، وما هو بها أعلم.
والصلاة والسلام على صاحب الرسالة وخاتمها، من هدى الله به الحيارى وأنقذ التائهين، ومن أحيا على يديه موتى القلوب من الكفرة والمشركين، وجعل منهم حملة لواء الدعوة والناصرين، ومن عرفنا بنوره معنى اليقين ولذة القرب من رب العالمين، ووعدنا الله على لسانه جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، حقاً عليه للصالحين والمتقين والأبرار وعلى آله الطيبين الأطهار، وصحبه الأتقياء الأخيار، صلاة وسلاماً تامين كاملين دائمين ما تعاقب الليل والنهار، ثم أما بعد:
فاليوم نجتمع في بيت من بيوت الله، في خير أيام الله، لتشهد لنا طاعتنا ويكون اجتماعنا على ما أمرنا الله به حجة لنا يوم الوقوف بين يدي ربنا جل في علاه، ولنتدبر آياته ونتذكر أمره ونهيه ونذكر أنفسنا وإياكم بما ينفعنا في دنيانا ويبقى زخراً لنا في آخرتنا، وليكن اليوم حديثنا عن ظاهرة أضرت بنا وببلادنا ونال شرها زهرة شبابنا، هي ظاهرة تنطوي على الجهل والمخاطرة والمقامرة وإلقاء الأنفس في طرق التهلكة، عن موضوع الهجرة غير الشرعية والحفاظ على الأنفس يكون حديثنا.
فإن الله عز وجل الذي خلقنا هو الأعلم بما فيه صلاح أحوالنا وما فيه الخير لنا، أمرنا بالطاعة ولا يناله من طاعتنا نفع، ونهانا عن المعاصي ولا يناله من معاصينا ضر، وهو الذي قضى علينا أن نسير وفقاً لمنهج رباني حكيم ومنطق إنساني سليم لو أحسنا اتباعه والتزمنا بقوانينه.
ومن قوانينه اتباع القوانين التي تضعها الدول لتنظم حركة أبنائها، وتضع ضوابط لأفعالهم وسلوكياتهم، ولا شك أن التزام تلك القوانين وعدم الخروج عنها هو من باب طاعة ولي الأمر (الأعلم بما فيه صلاح الحال) والمأمور به في الكتاب والسنة.
أما الكتاب فيقول الله عز وجل في محكم التنزيل: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)، وأما السنة النبوية فقد جاء في حديث عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» . متفق عليه.
الهجرة غير الشرعية مفهومها وما يترتب عليها من المخاطر
الهجرة هي الانتقال من موطن لآخر والخروج من البلد محل المعيشة إلى بلد آخر، ومن المفترض أن تخضع الهجرة لعدد من الإجراءات القانونية والتصريحات الرسمية وغيره من احتياطات تحفظ للمهاجر حقوقه في المقام الأول، وتؤمن له رحلته وتقيه ويلات التخبط والهروب الغير مشروع.
توصف الهجرة بأنها غير شرعية حين يسلك صاحبها طريقاً غير قانوني، فيخرج من بلده هارباً ويدخل بلداً آخر متخفياً، سالكاً مخارج ومداخل غير معترف بها، ويظل يمارس نشاطه في البلد التي هاجر إليها دون ضابط أو رابط، ودون تصريح من الدولة أو علم منها مما يجعله طوال الوقت يتعامل كالمطارد.
أما ما يترتب على الهجرة غير الشرعية من مخاطر عظيمة وأضرار جسيمة فهو أكثر من أن يحصى، ولعل من أهمها: هضم حق الدولة التي يخرج منها المهاجر والتي يدخلها، فهو لا يدفع ما فرضته عليه من رسومات أو ضرائب أو أي أموال يحق لها تحصيلها بسبب الهجرة، كما أن الدول التي يتم الهجرة إليها تتضرر اقتصادياً واجتماعياً بدخول عناصر أجنبية وبقائهم في أراضي الدولة دون علم منها أو موافقة، فيكون تمتع المهاجر بمنافع تلك الدولة بغير وجه حق، بل هو درب من السرقة وأخذ ما لا يجوز.
أما الأثار المترتبة على الهجرة غير الشرعية والأضرار التي تلحق بالشخص المهاجر نفسه فهي كبيرة جداً وتصل إلى حد الهلاك، فالمهاجر إذ يقرر هذا القرار يبدأ في الخروج من دولته بوصفه هارب، يسلك مسالك غير مشروعة وغير آمنة، كمن يهاجر عبر البحر أو الحدود أو غيره، يخرج متلصصاً مثقلا بالمخاوف والمخاطر، ويصبح صيداً سهلاً للنصابين والمخادعين ومعدومي الضمير.
يمكن أن يتعرض للاعتداء أو النصب أو غيرهم ولا يملك حق الرجوع إلى دولته ولا الشكوى إلى القضاء ولا الاستغاثة بجهة أمنية تعيد له حقه أو تؤمنه من خوفه.
وحين يصل إلى الدولة الأخرى (هذا إن وصل بسلام واكتملت رحلته دون أن يتعرض لانتهاكات أو مخاطر أو جرائم) يتحرك فيها متخفياً، لا يحق له التمتع بأي قوانين أو ضوابط مما وضعته الدولة لأمن أبنائها وحمايتهم من الجرائم والاعتداءات وغيرها، فضلاً عن استغلال أصحاب العمل لهذا الوضع السيء فيبخسوه حقوقه، وينتقصون أجره لأنهم يأمنون جانبه ويعرفون مدى ضعفه وعجزه عن المطالبة بأبسط حقوقه.
وإذا كان هذا حال من يهاجر إلى موطن آخر هجرة غير مشروعة، ويعرض نفسه للظلم والاعتداء والتهلكة فهذا مما لا يرضي الله عز جل ولا يستقيم مع مقاصد الشرع الحنيف الذي على قائمة أولوياته الحفاظ على النفس.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى، شمس الضحى وقمر الدجى وأصحابه نجوم الهدى وعلى كل من بهم اهتدى واقتفى أثرهم واقتدى، ثم أما بعد:
فما زلنا نواصل الحديث عن ظاهرة (الهجرة غير الشرعية والحفاظ على الأنفس) مبينين ما تنطوي عليه من الانتهاكات وارتكاب المعاصي التي تجعلها في النهاية أمراً محرماً لا يقره قانون ولا يقبله عرف ولا يرضه الله عز وجل.
يلجأ الشاب ممن يقررون الهجرة غير الشرعية إلى القيام بعمليات تزوير في الوثائق والمستندات، ويضطرون لإتمام ذلك إلى دفع الرشاوي والأموال لمن لا يستحقون، ويعينون بذلك المزورين والنصابين، ممن يأكلون حقوق بلادهم ويضيعون الأمانات، كذلك قد يضطر المهاجر بتلك الطريقة إلى مخالفة الكثير من الشروط والأحكام التي تضعها دولته أو الدولة الأخرى، وهذه الشروط والأحكام كما هو متعارف عليها تعد شروطا ملزمة والخروج عنها يقتضي الحكم بالإثم، ويجر صاحبه إلى الوقوع في المعاصي.
ليس ذلك فحسب بل إن كل الأموال التي تدفع في سبيل الحصول على التصريحات والمستندات القانونية هي حق لجهات إصدارها والعاملين فيها والمنتفعين بها، والتهرب من دفعها هو من أكل حقوق هذ الجهات وأهلها، وهكذا يتبين لنا أن الأمر برمته في ميزان الشرع غير جائز ولا مقبول.
فاتقوا الله ما استطعتم وقو أنفسكم وأهليكم من المهالك والنتائج المأساوية التي تدمي القلوب، وابتغوا رزق الله بالطرق التي أجازها الله وبينها ولا تسلكوا مسالك الكاذبين والمخادعين الخاسرين.
وفي الختام
أسأل الله العظيم من فضله وكرمه أن ينجي شبابنا ويحفظ أبنائنا من الزلل والضلال والوقوع في براثن الشيطان، وأن يفتح لهم وعليهم ويهديهم الصراط المستقيم، ويوسع لهم في أرزاقهم، ويصلح حالهم وحال بلادهم، فهو ولينا ووليهم وهو على ما يشاء قدير.