خطبة العام… الهجرة النبوية وبناء المجتمع – مكتوبة كاملة

خطبة العام… الهجرة النبوية وبناء المجتمع - مكتوبة كاملة

مقدمة الخطبة

الحمد لله مسير الليالي والأيام، ومصرف الشهور والأعوام، الملك القدوس السلام، سبحانه وبحمده، تفرد بالسرمدية والعظمة والدوام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حي قيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، بدر التمام، ومسك الختام، رسول الرحمة والسلام، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته والتابعين الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيام.

الخطبة الأولى

أما بعد، فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله ﷻ، فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أن من بادر إلى الأعمال استدركها، ومن جاهد نفسه ملكها، ومن طلب التقوى بصدق أدركها، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

أيها المسلمون: إننا على أعتاب شهر الله المحرم، نودع بدخوله عاما هجريا مضى، ونستقبل به عاما جديدا قادما، تتجدد فيه دورة الأوقات واللحظات، والوقائع والأحداث، بتتابع الليالي والأيام والشهور ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾.

والعاقل من يجد في انقضاء الأيام والأزمان، وتجدد الليل والنهار، آيات للتأمل والتفكر، يقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾، والعاقل كذلك، من يجعل من هذه الآيات الكونية وتعاقبها محطات للوقوف مع النفس، ومراجعة الذات، واستدراك ما فات من الخير والبر، وإيقاد الهمة والعزم، للمسارعة في الخيرات والصالحات، يقول ربنا ﷻ في محكم التنزيل: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾.

أيها المؤمنون: إن بداية العام الهجري الجديد مرتبطة بالهجرة النبوية الشريفة التي أتت بأمر من الله ﷻ، ليبدأ الإسلام بها فصلا جديدا من فصول تأريخه.

وهجرة النبي ﷺ حدث متجدد بالأمل، والتخطيط والتوكل، والتطلع إلى المستقبل؛ فكانت هجرته ﷺ رحلة مدروسة، خطط لها وأخذ فيها بالأسباب، متوكلا على ربه الوهاب، راجيا منه التوفيق والتيسير والسداد.

ولنا –إخوة الإيمان– إذا ما تأملنا وتدبرنا في الهجرة، دروس في أهمية التخطيط لحياتنا وأيامنا، والتفكر في خياراتنا، والتمهل في قراراتنا، وفيها للمتأملين دروس في الصداقة والوفاء، وقد صور لنا القرآن الكريم هذه المعاني في أجمل صورة وأبهاها حينما قص لنا من خبر الرسول ﷺ وصاحبه الصديق في هذه الرحلة الإنسانية فقال: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾، وفي الهجرة كذلك –عباد الله– دروس قيمة في الصبر والتحمل، والمرونة في التعامل، مع الشدائد والتحديات، لتحقيق الأهداف والطموحات، مع الثبات والرسوخ على المبادئ والقيم الإنسانية.

عباد الله: أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

وهنا ⇐ خطبة: عظيم الدروس المستفادة والعبر المستخلصة من الهجرة النبوية الشريفة

الخطبة الثانية

الحمد لله، له الشكر والثناء، وهو رب الأرض والسماء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين وسلم وبارك.

أما بعد، فيا أيها المسلمون: إن الهجرة النبوية الشريفة، لم تكن مجرد تنقل جغرافي، بل هي مسيرة معنوية نحو الأماني السامية، وبناء المجتمع الإنساني الشامخ، وتحقيق المشاريع والمصالح المشتركة، تخطت منافعها الزمان والمكان، فانبثق بها نور الأخوة والتعاون، والتعاضد والتكاتف، في الأزمات والمحن، واتقدت بها شعلة العمل الإنساني والبناء المجتمعي.

إن ارتقاء المسلمين، في مجتمع المدينة، إلى مراتب العز والكرامة، لم يكن ليحدث لولا تحقق الألفة بينهم، وتآخي الأرواح وتقارب القلوب، ونبذ الفرقة والشقاق، يقول الله ﷻ: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

وتبقى الهجرة النبوية الشريفة، وانطلاقة بناء المجتمع في مدينة الرسول ﷺ، شاهدة على أن التعاون بين أبناء المجتمع الواحد، هو السبيل إلى الرقي والمجد، وأن التعاضد والتكاتف طريق إلى السؤدد، وأن المجتمعات والأوطان تبنى بسواعد أبنائها، وتضافر جهودهم، وتلاحم صفوفهم «ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

أضف تعليق

error: