خطبة: الهجرة النبوية الشريفة ميلاد أمة – مكتوبة كاملة بالعناصر

خطبة: الهجرة النبوية الشريفة ميلاد أمة - مكتوبة كاملة بالعناصر

عناصر الخطبة

  • الهجرة النبوية: ميلاد أمة الإسلام وبناء مجدها
  • تآخي المهاجرين والأنصار: مثال رائع للتكافل والتعاون
  • حكمة الله في الهجرة: عمل دؤوب وإرادة حقيقية لبناء الأمة
  • صبر النبي وأصحابه: التضحيات في سبيل الحق والإيمان
  • تخطيط الهجرة: التنظيم والجهود للوصول إلى النجاح
  • معية الله في غار ثور: الثقة بالله وعونه في أصعب المواقف
  • احتفال الأمة بالهجرة: تذكير بتاريخها المجيد وبطولاتها
  • مواجهة التحديات: العمل بأخوة وتخطيط سليم كما فعل النبي
  • باب الهجرة إلى الله لا يُغلق أبداً.

مقدمة الخطبة

الحمد لله ذي الرضا والجلال، سبحانه يغفر ويصفح، ويعفو عن الذنوب والآثام، يملي ويمهل لعل العاصي يتوب ويؤوب، الحمد لله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.

وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركها على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتنكبها إلا ضال، فصلوات ربي وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله، وعلى آلك وأصحابك الغر الميامين، ومن اهتدى بهديك إلى يوم الدين.

الخطبة الأولى

الهجرة النبوية الشريفة ميلاد أمة الإسلام، وحجر الأساس في بناء مجد اشترك في تشييده بنيانه، ورفع أركانه، جميع أبناء المجتمع المسلم من مهاجرين وأنصار بسواعد الجد والاجتهاد، وروح الأخوة والتعاون، فالمهاجرون تركوا ديارهم وأموالهم حمايةً لدينهم، والأنصار استقبلوا إخوانهم من المهاجرين وفتحوا لهم القلوب قبل البيوت، واقتسموا معهم الهمّ قبل المال، وتآخت بينهم الأرواح قبل الأجساد، فقامت أمّةٌ توحد الله ﷻ ولا تشرك به شيئاً، وأصبحت حادثة الهجرة المشرفة دافعاً إيمانياً يحفّز المسلمين لتذكر هذه المعاني العظيمة، وقد أثنى الله ﷻ على المهاجرين والأنصار الذين ضربوا أروع مثلٍ في معنى التكافل والأخوة. يقول الله ﷻ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ التوبة:100.

ومن حكمة الله ﷻ أن الهجرة النبوية المشرّفة لم تأتِ معجزة من الله ﷻ. فالله ﷻ قادر على أن ينقل النبي ﷺ من مكة إلى المدينة بطرفة عين أو أقل. كما حصل في معجزة الإسراء والمعراج التي جاءت لتسلية قلب النبي ﷺ، ولكنّ بناء الأمم لا يقوم على المعجزات، وعزتها لا تبنى على مشاعر وجدانية عابرة، ولا على ردات فعل غير مدروسة، بل هو عمل دؤوب يقوم على إرادة حقيقية تحمَّل في سبيلها النبي صلى الله عليه وصحابته الكرام أشد أنواع العذاب لهداية الناس إلى طريق الحق والإيمان، وصبر معها النبي ﷺ على أذى القريب والبعيد.

لقد تحمل النبي ﷺ عناء سفر طويل في صحراء مقفرة بحثاً عن أرضٍ خصبة لزراعة بذور الإيمان، بعد أن تحولت قلوب أهل مكة إلى صخرة صمّاء لا تنتج زرعاً ولا تثمر ينعاً، وتحولت صلة القربى بينهم وبين رسول الله ﷺ إلى قطيعة وعداوة. لكن النبي ﷺ لم يفقد الأمل بقلوب حية بحث عنها في أرض يثرب التي طابت بمقدمه وتنورت بطلعته ﷺ، ومعه ثلّة من المؤمنين الصادقين يساندونه وينصرونه.

وقد رافق هذه المسيرة تخطيط سليم، ومنهج قويم في التفكير، وتنظيم للجهود، وتوظيفٍ للقدرات، للوصول إلى قطف ثمار النجاح. فقد اتخذ النبي ﷺ جميع الأسباب من تجهيز الراحلة، وتغيير طريق المسير، واتخاذ الدليل المرشد في الصحراء، والاحتماء في غار ثور، وقد ترافقت هذه الأسباب بتوفيق الله ﷻ ومعونته، وحسن الظنّ بالله ﷻ وأنه لا يضيع عباده المؤمنين. وقد تجلى هذا المعنى العظيم في غار ثور. حين قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: قُلتُ للنَّبيِّ ﷺ وأَنَا في الغَارِ: لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: «ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟!» أخرجه البخاري. يقول ﷻ: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ التوبة: 40.

إن احتفال أمة الإسلام بالهجرة النبوية الشريفة إنما هو احتفال يُذكِّرُ العالمَ بشرف هذه الأمة التي تشهد على الأمم يوم القيامة. يُذكّرها بتاريخها المجيد، وببطولات رجالها الأماجد الذين نشروا دعوة الإسلام بصدق قلوبهم المطمئنة وبألسنتهم التي تذكر الله كثيراً. ولا عجب أنهم فتحوا قلوب العباد قبل أن يفتحوا البلاد.

ومن واجبنا اليوم أن نجعل من معاني الهجرة المشرفة مفتاحاً لمواجهة جميع التحديات بأخوة المسلمين وتعاونهم، وبتخطيط سليم وعمل دؤوب، كما فعل النبي ﷺ. ستبقى هذه الأمة قوية في وجه التحديات. مصداقاً لقول النبي صلى عليه وسلم: : «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ، وَالرِّفْعَةِ، وَالنَّصْرِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمِ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ» مسند الإمام أحمد.

ولئن أغلق باب الهجرة الذي عاشه النبي ﷺ وصحابته الكرام، فإن باب الهجرة إلى الله ﷻ لا يُغلق أبداً. يقول النبي ﷺ: «المسلمُ من سَلِمَ المسلمونَ من لسانهِ ويدهِ، والمهاجرُ من هجر ما نهى اللهُ عنه» سنن النسائي.

اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافِ الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونؤكد على قيامنا بواجب أداء صلاة الغائب على شهدائنا في غزة و الضفة . ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة. سائلين المولى عز وجل أن يتقبلهم في الشهداء ويتغمدهم بالرحمة والمغفرة.

وهذه أيضًا ⇐ خطبة الأسبوع بعنوان: وقفات مع أنوار الهجرة النبوية – بالتشكيل/مشكولة

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.

واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.

واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.

وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ.

فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173،174

والحمد لله ربّ العالمين…

أضف تعليق

error: