عناصر الخطبة
- بيان فضل المسجد الأقصى في الإسلام ومكانته في قلوب المسلمين.
- باب الرحمة جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى وهو وقف خالص للمسلمين.
- فتح باب الرحمة هو ثمرة صمود المؤمنين المرابطين وهو دافع إلى مزيد من الصبر والصمود للمحافظة على المقدسات الإسلامية.
- ارتباط المسلمين بالمسجد الأقصى، تاريخياً وعقائدياً، وتعبداً.
- الدفاع عن المسجد الأقصى واجب شرعي ووطني بالوسائل المشروعة.
- أهمية الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى ودورها في الحفاظ على هويته العربية والإسلامية.
الخطبة الأولى
إن الحقيقة الربانية التي لا يختلف عليها اثنان من المسلمين أن وعد الله حق، وأنه آت لا محالة، وأنه سبحانه منجز وعده وناصرٌ عباده المؤمنين، وأن الظلم والعدوان لا يدوم، ولا بد لليل من فجر يزيح سواده، ولا بد للحق أن يعود إلى أهله، يقول الله ﷻ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ الأنبياء: 105، وقال ﷻ على لسان نبيه موسى عليه السلام: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الأعراف: 128.
فلا بد أن نكون أهلاً لتحقيق موعود الله ﷻ في النصر والتمكين ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ محمد: 7.
وقد أثمر صبر المؤمنين ورباطهم في المسجد الأقصى المبارك بفتح باب الرحمة بعد أن دام إغلاقه سنوات عديدة، فكان فتحه مبشراً بمزيد من الصمود ليبقى المسجد الأقصى المبارك وقفاً إسلامياً خالصاً، ويبقى المؤمنون يعتنون بمسجدهم ويتعهدونه بالرعاية والاهتمام، فهو مَهوَى الأفئدةِ، ومَجمَعِ الإيمانِ في آخرِ الزَّمان، والقِبلةِ الأولى، ورمزِ لقوتهم وعِزَّتِهِم.
عباد الله: قد خصَّ اللهُ المسجدَ الأقصى وما حولَه بفضائلَ ومزايا ومَكرُماتٍ جليلة، والحِكَمُ في ذلك كثيرة، ولعلَّ مِن أهمِّها توثيقُ رابِطَتِنا به، لِينالَ من جميع المسلمين مزيدَ وَعيٍ ورعايةٍ واهتمامٍ وعناية، وانتباهٍ إلى ما يُحاكُ حولَه وضِدَّه، لأنَّ اللهَ سبحانه عَلِمَ بِما سَيؤولُ إليهِ حالُ المسجدِ الأقصى على مَرِّ الأزمنةِ مِن مكائدَ ومؤامرات، ومحاولاتِ احتلالٍ وسلبٍ للخيرات، وتخريبٍ وتدميرٍ واعتداءٍ على هُويةِ هذا المكانِ المُعظَّم، وقد وقع كثيرٌ مِن ذلك.
إن المسجد الأقصى من أهم مقدسات المسلمين، والحفاظ عليه والدفاع عنه جزء من عقيدتهم التي لا تقبل التفريط أو المساومة، فهو القبلة الأولى التي توجه إليها النبي صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه الكرام في صلاتهم ستة عشر او سبعة عشر شهراً، قبل أن يأمره الله ﷻ بتحويل القبلة إلى المسجد الحرام في مكة المكرمة ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ البقرة:144.
عن البَرَاءُ بنُ عازبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: «صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صَرَفَهُ نَحْوَ القِبْلَةِ» ← صحيح البخاري.
والمسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع لعبادة الله ﷻ في الأرض بعد المسجد الحرام يقول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الحَرَامُ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ «المَسْجِدُ الأَقْصَى» قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ» ← متفق عليه.
وهو ثالث الحرمين إليه تشد الرحال وفيه تضاعف الأجور قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى» ← متفق عليه.
وفي المسجد الأقصى تتضاعف الأجور حتى يصل فضل الصلاة فيه إلى خمسمائة ضعف في بعض الروايات، معجم الطبراني، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمداومة على وصاله وتعاهده بالعناية والرعاية، تقول ميمونة بنت سعد رضي الله عنها: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس فقال: «ائتوه فصلوا فيه» وكانت البلاد إذ ذاك حربا، «فإن لم تأتوه وتصلوا فيه، فابعثوا بزيت يسرج في قناديله» ← سنن أبي داود.
والمسجد الأقصى هو مسرى النبي صلوات الله وسلامه عليه قال ﷻ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الإسراء: 1.
والمُتَمَعِّنُ في آيةِ الإسراءِ الكريمةِ يجدُ فيها فضيلةً زائدةً على الإسراءِ والمعراج، وهي أَنَّ اللهَ سبحانَه باركَ المسجدَ الأقصى وما حولَهُ مِن الأراضي تشريفاً له وتكريماً، قال الإمام الرازي رحمه الله: “َقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ﴾ قِيلَ بِالثِّمَارِ وَالْأَزْهَارِ، وَقِيلَ بِسَبَبِ أَنَّهُ مَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَهْبِطُ الْمَلَائِكَةِ”.
وقال الإمام القرطبي: “﴿الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ﴾، قِيلَ: بِالثِّمَارِ وَبِمَجَارِي الْأَنْهَارِ. وَقِيلَ: بِمَنْ دُفِنَ حَوْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَبِهَذَا جَعَلَهُ مُقَدَّسًا”.
ومِمَّا جاء في ذكِر بَرَكَةِ المسجدِ الأقصى وما حولَه مِن بلادِ الشامِ في قولِ كثيرٍ من المفسرينَ قولُ اللهِ ﷻ ــ عن سَيِّدِنا إبراهيم عليه السلام ــ ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء: 71، وقولُه ﷻ: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ﴾ الأنبياء: 81.
ومن هناك عرج بالنبي عليه الصلاة والسلام إلى السماوات العلى في وقت لم يكن المسجد الأقصى بناءً معروفاً كاليوم وإنما كان المكان المعد للعبادة بين الأسوار القديمة وهو اليوم ما دار عليه السور شاملاً الأبنية والقباب والساحات ومساحتها مائة وأربعة وأربعين دونماً كلها تعتبر عند المسلمين مقدسةً مباركةً وحظيت بالعناية اللائقة بها منذ عصر الخلفاء الراشدين، وإن أي اعتداء على أي جزء من هذه الأجزاء هو اعتداء على عقيدة الأمة وجزء من أقدس مقدساتها، ومن ضمن هذه الأجزاء باب الرحمة ومصلاه، فهو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك ولا يجوز الاعتداء عليه بأي شكل من الأشكال.
والدفاع عن المسجد الأقصى والرباط فيه والذبّ عن حياضه، من قبل المقدسيين والمصلين هناك هو حماية لشرف الأمة ودفاع عن عقيدتها وإحياء لشعائر الله ﷻ، وتنفيذ لوصية النبي صلى الله عليه وسلم عندما حث على الإقامة: قال ذي الأصابع: يا نبي الله إن ابتلينا بعدك بالبقاء أين تأمرنا، فقال: «عليك ببيت المقدس فلعل أن ينشأ الله لك ذرية تغدو إلى ذلك المسجد وتروح» ← مسند الإمام أحمد.
عباد الله: لقد كان اهتمام المسلمين بالقدس اهتماماً عظيماً فما خرج عمر لفتح دمشق عاصمة الروم ولا مدائن كسرى ولكنه خرج في موكب الخشوع والتواضع لتسلم مفاتيح بيت المقدس ، وزاد هذا الاهتمام عبر العصور فما تجد في القدس وفي الأقصى على وجه الخصوص موضعاً إلا وتجد فيه لمسات الاهتمام من الخلفاء والأمراء والعلماء والقضاة والتجار .
وقد نقشت دماء الصحابة والمجاهدين من المسلمين عبر العصور على جدران وحجارة الأقصى أن هذه الأرض لا يحافظ عليها إلا المؤمنون الذين دخلوها فاتحين مع جند عمر ابن الخطاب رضي الله عنهم، ثم دخلوها محررين مع صلاح الدين الأيوبي في السابع والعشرين من رجب عام خمسمائة وثلاثة وثمانين للهجرة، ولا زال أهل القدس يستنشقون عبق المسك المنبعث من دم شهداء الجيش العربي الأردني الذين ارتقوا دفاعاً عن القدس ومسجدها في اللطرون وباب الواد وعلى أسوار الأقصى ، ونحن نرى الاعتناء الهاشمي بالقدس والمقدسات إعماراً وصيانة وحرصاً دائماً مستمراً للحفاظ على هذه البقاع الطاهرة .
ولا يزال المسجد الأقصى قائماً بسواعد أبنائه وتضحياتهم في سبيل أن تبقى أبوابه مفتوحة للقائمين والعاكفين والركع السجود، مستعينين بالله ﷻ واثقين بوعده ونصره قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» ← مسند الإمام أحمد.
⬛️ مُقترح – خطبة: القدس والمسجد الأقصى في وجدان المسلمين – مكتوبة «بالعناصر» بالكامل
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران:102.
عباد الله: ويجبُ أن يُعلَمَ أن مدينةَ القدسِ الشريفِ وما ضمَّت في ثناياها من المسجدِ الأقصى وغيرِه من المقدسات، مدينةٌ ذاتُ طابَعٍ دينيٍ وعقائدي، تَتَلَهَفُ إليها قلوبُ العبادِ ومشاعِرُهُم، ولا يستطيع أحد من الناسِ نَزعَ هذا الرابطِ الوَثيقِ من قلوبِ المسلمين، أو حتى استبدالَه برابطٍ آخر، فليست القدسُ لِلفلسطينيين وحدَهم دونَ باقي المسلمين، فَهُم والمسلمون شركاءُ فيها، يبذُلون لأجلِ حمايتِها الـمُهجَ والأرواح.
إن عقيدَتنا تُجاهَ الحرمِ القدسيِ الشريف أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالثِ الحرمينِ الشريفين، أنَّهُ مُحتَلٌّ ومُغتَصَبٌ مِن قِبَلِ اليهود، وإن ما يتعرض له المسجد الأقصى في هذه الأيام من تهويد وتهديد وحفريات ومحاولات للتقسيم الزماني والمكاني، وما يتعرض له العلماء والمرابطون هناك من تضييق واعتقال، كل هذه المؤامرات تستصرخ ضمائر المسلمين ليقفوا صفاً واحداً لرد الأذى عن القدس والمقدسات ولتعميق معاني الشعور بقداستها في قلوب الصغار والكبار على حد سواء لنسير على نهج الشريف الحسين بن علي رحمه الله ﷻ الذي قال: “لا أقبل إلا أن تكون فلسطين لأهلها العرب لا أقبل بالتجزئة ولا أقبل بالانتداب ، ولا أسكت وفي عروقي دم عربي”.
فيجبُ على أمةِ الإسلامِ اليومَ، القيامُ بالعملِ الجادِّ على تربيةِ الأولادِ –هذا الجيلِ الجديدِ– تربيةً إسلاميةً صحيحة، مِلؤُها مشاعرُ العزةِ والكرامَة، والرغبةِ في استرجاعِ الحقِّ الضائع، من خلال ربط الأجيال بالمسجد الأقصى المبارك ليبقى مهوى الأفئدة.
ولنا أسوة صالحة في فعل عمر الخطاب حين مشى بنفسه إلى المسجد الأقصى، في رحلة تاريخية قطع خلالها الفيافي، هو خادمه في رحلة شاقة، يرافقهما لهيب الصحراء، يمشيان، ويركبان، حتى يصلا إلى بيت المقدس لتسلم مفاتيحها.
وما قام بهِ صلاحُ الدينِ الأيوبي، لمَّا قَدِمَ من الشامِ إلى الحرمِ القدسيِ لتحريرِه وتخليصِه من براثِنِ أيدي المغتصبينَ والمحتلين، هو دليلٌ واضحٌ وجليٌّ على أنَّ الرابطٌ بالقدسِ هو رابطٌ إسلاميٌّ دينيٌّ وثيق.
عباد الله: نعم إن لكل مسلم في القدس قضية وارتباط لأن فلسطين أرض وقف إسلامية يجب على المسلمين أن يبذلوا أرواحهم ودمائهم فداءً لها حتى يتحقق وعد الله ﷻ: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) الإسراء: 5.
والحمد لله ربّ العالمين..
⬛️ وهنا – خطبة: المسجد الأقصى المبارك شعار عزة المسلمين، ومحط رعاية الهاشميين