عناصر الخطبة
- الحفاظ على الأمن والأمان والدفاع عن الأوطان وحمايتها من أهم الأركان للنهوض بالأمة جميعها والنجاح في الدعوة إلى الله ﷻ.
- أرض الأردن هي الأرض المباركة التي نالت بركتها بمجاورة المسجد الأقصى المبارك (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) فكانت ممر أنبياء الله ﷻ ومحط ركابهم وبوابة دعوتهم إلى سبيل الله.
- المواطنة الصالحة هي الضامن لحماية الأوطان ونهوض الأمة والمواطن الصالح هو الأنموذج الأرقى للدفاع عن مقدرات الأمة وحمياتها.
- الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى حق ثابت، وأيادي الهاشميين بيضاء سخية في خدمة الأقصى والدفاع عنه وعن المقدسات كافة.
- من واجبنا نحن المسلمين الذين ننتمي إلى هذه البلاد الطيبة المباركة، أن ننهض للدفاع عن ديننا وأمتنا، وأن نتحمل مسؤوليتنا كاملة، وأن نلتف حول قيادتنا الهاشمية الحكيمة التي قدمت الغالي والنفيس دفاعاً عن قضايا الأمة ورعاية مقدساتها.
الخطبة الأولى
إن مسؤولية الإنسان تجاه دينه ووطنه وأمته مسؤولية عظيمة مقدسة، وقد عدّ الإسلام الدفاع عن الأوطان وحمايتها والشعور بالأمان والاستقرار في ربوعها من أهم الأركان للنهوض بالأمة وذلك بالدعوة إلى الله ﷻ على بصيرة، لأن الحفاظ على الأوطان وأمنها واستقرارها، من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية.
لقد جاء تقديم الأمن والأمان على الرزق في سورة البقرة في قوله ﷻ : ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ البقرة 126.
وفي سورة إبراهيم جاء تقديم الأمن والأمان على العبادة قال ﷻ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ إبراهيم 35.
وأما رسولنا ﷺ فقدم الأمن والأمان على الصحة والرزق، قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» ← رواه الترمذي
والحق أن المواطنة الصالحة أمر أساسي للحفاظ على الضرورات الخمس التي جاء الإسلام لرعايتها وهي حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال، فإن الحفاظ على هذه الضرورات مجتمعة التي أساسها الدين لا يكون إلا بالحفاظ على الوطن الذي يجمعها، وحفظ الدين إنما يكون من خلال حفظ أوامر الله ﷻ ورسوله ﷺ وأن ينتهي عما نهى الله عنه ورسوله ﷺ، ثم تتوسع دائرة المسؤولية إلى الأهل والمجتمع فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ← متفق عليه.
عباد الله: لقد حبانا الله ﷻ في هذا الوطن المبارك المملكة الأردنية الهاشمية بأن جعل أرضنا مباركة، نالت بركتها بمجاورتها للمسجد الأقصى المبارك (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) فكانت ممر أنبياء الله ﷻ ومحط ركابهم وبوابة دعوتهم إلى سبيل الله، وعلى ثراها الطهور خاض المسلمون أعظم المعارك، وقدموا أكبر التضحيات في سبيل الدفاع عنها وصونها عن المعتدين، فقال ﷻ عن سيدنا إبراهيم وسيدنا لوط عليهما السلام: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء: 71، وقال سبحانه عن سيدنا نوح: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ﴾ الأنبياء: 81.
وقد أناط الله ﷻ بأبناء هذا الوطن المبارك مهمة الدفاع عن الأمة وحقها، وجعل قيادته قيادة هاشمية ثابتة على مبادئ الحق والعدل، لا تساوم أو تفرط بمقدساتها، يقول النبي ﷺ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» ← رواه أحمد.
وقد أثبتت المواقف والظروف، ثباتنا على المبادئ والقيم الراسخة، وصلابة عقيدتنا في الدفاع عن مقدساتنا، لذلك استحقت بركة النبي ﷺ، حين قال: «اللهم بارك لنا في شامنا، وفي يمننا» ← صحيح البخاري.
فمطلوب من كل إنسان يعيش على أرض الأردن الطيبة أن يكون مثالاً للمواطنة الصالحة بالدفاع عنه وحمايته بكل ما يملك، وأن يحبه لأن حب الوطن من الإيمان بدليل حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِمَكَّةَ: «مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ» ← رواه الترمذي.
ومن واجبنا كمسلمين ننتمي إلى هذه البلاد الطيبة المباركة، أن ننهض بأمتنا نهوضاً يليق بها ويعيد لها مقدساتها ويضعها في طليعة الحضارة، وأن نتحمل مسؤوليتنا اتجاه ديننا وأوطاننا، ولا يكون ذلك إلا بالعودة إلى المنهج القويم الذي ارتضاه لنا الله ﷻ، ونبينا ﷺ وأن تظهر أخلاق الإسلام على جوارحنا ومن خلال معاملاتنا مع غيرنا، في أسواقنا وفي مساجدنا ومع أهلنا وفي أعمالنا، فالمسلم إن رأى حسنة أذاعها، وإن رأى سيئة كتمها، وهذه الأرض المباركة تستحق منا الأفضل، وأن تكون أرض الصلاح والإصلاح التي تشع نوراً وخيراً على الدنيا كلها.
وقد قال النبي ﷺ عن هذه البلاد: «أبشروا؛ فوالله! لأنا من كثرة الشيء أخوف عليكم من قلته، والله! لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح الله ﷻ أرض فارس، وأرض الروم، وأرض حِمير، وحتى تكونوا أجناداً ثلاثة: جنداً بالشام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن، وحتى يُعطى الرجل المئة فيسخطها». قال ابن حوالة: “فقلتُ: يا رسول الله! اختر لي إن أدركني ذلك؟” قال: «إني أختار لك الشام؛ فإنه صفوة الله ﷻ من بلاده، وإليه يحشر صفوته من عباده، يا أهل اليمن! عليكم بالشام؛ فإنه صفوة الله ﷻ من أرض الشام، ألا فمن أبى؛ فليسق من غُدر اليمن -جمع غدير الماء-؛ فإن الله ﷻ قد تكفّل بالشام وأهله» ← رواه البيهقي في السنن.
عباد الله: إن الثقة بالله ﷻ والإخلاص في القول والعمل، وحب الأوطان، هو مفتاح النجاح لأبناء الأمة كلها، وأما ثقتنا بالله ﷻ فلأن الله ﷻ تكفل بحفظ الوطن من شرور مكائد المعتدين ودسائسهم، فلا نشكّ في ذلك، يقول النبي ﷺ: «طُوبَى لِلشَّامِ، طُوبَى لِلشَّامِ، قُلْتُ: مَا بَالُ الشَّامِ؟ قَالَ: “الْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَجْنِحَتِهَا عَلَى الشَّامِ» ← رواه الإمام أحمد.
وأما دورنا فيكون بالإخلاص بالعمل وحب الوطن وتخريج جيل من الشباب يتسلح بهذه القيم، والثقة بالله ﷻ لا تتغير ولا تنقلب لمكاسب دنيوية أو مطامع مادية زائلة، بل يكون الصدق والإخلاص والعمل الدؤوب غالباً على طباع الناس وأخلاقهم ونفوسهم، فما أحرانا بأنْ نتخلّق بهذا الخلق العظيم، وأن نحرص على تعليمه لأبنائنا وطلابنا في بيوتنا ومدارسنا.
وقد أكرمنا الله ﷻ في هذا البلد المبارك بأن جعل فيه آل بيت المصطفى ﷺ سيوفاً مشهرة للحق وللدفاع عن ثوابت الأمة، ولساناً ناطقاً بالصدق في الدفاع عن عقيدتها، وتوارث أهل بيت المصطفى ﷺ، الهاشميون الكرام، المحافظة على قيم الأمة والدفاع عن عقيدتها ومقدساتها الإسلامية وفي طليعتها القدس والمسجد الأقصى المبارك وهويتها الإسلامية من خلال الوصاية الهاشمية المباركة على المسجد الأقصى والمقدسات في بيت المقدس، كيف لا وهي مجمع إمامة النبي عليه الصلاة والسلام بالأنبياء، ومن هنا يتأتى الدور الشرعي والواجب التاريخي في الحفاظ على المقدسات والوصاية الشرعية على القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك.
وما زال الهاشميون يتوارثون هذه المهمة الشريفة وتجري أيديهم سخية لخدمة الأقصى مسرى نبينا ﷺ ومعراجه وكافة المقدسات الدينية الاسلامية والمسيحية مرابطاً على الثغور، يقدم التضحيات في سبيل الدفاع عن شرف الأمة ومقدساتها.
هؤلاء الهاشميون الذين نذروا أنفسهم للأقصى والقدس ممتثلين أمر النبي ﷺ بأن يهدى للأقصى زيت يضئ السرج فيه… فأقسموا أن تبقى تلك القبة لامعة رغم ما تعانيه… وأن تبقى فرش المسجد نظيفة رغم محاولات الاحتلال تدنيسها وأن يبقى الأقصى مفتوحا أمام المصلين رغم رغبة الاحتلال بإغلاقه.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
عباد الله: حريٌّ بكل مسلم في أصقاع الدنيا أن يلتزم بدينه ومقدساته، وأن يحمد الله ﷻ الذي هيأ الهاشميين ليكونوا سفينة النجاة إذا إدلهمت الخطوب.
إن بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك في سويداء قلب جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين وفقه الله ﷻ، وهو موقف المسلم الحريص على دينه ومقدساته، فليقف جميع المسلمين وراء هذا الملك الهاشمي حفظه الله ورعاه.
والحمد لله ربّ العالمين..