أُرحِب بكُم إخواني الأئِمَّة والخطباء من جديد، مع خطبة جمعة جاهزة ومكتوبة بعنوان المرافق العامة بين تعظيم النفع ومخاطر التعدي. سوف نتناول من خلالها الحديث حول خطورة وحُرمة تخريب الممتلكات العامة وتأثيرها على المسلم.
خطبة عن المحافظة على المرافق العامة مِثل هذه لم تأتِ من فراغ، وانما كانت نتاج ما نراه «انا وأنت والمسؤولون» من انتهاكات جسيمة وتخريب للمرافق والممتلكات العامة التي ينتفع بها كافة أفراد الشعب.
حاولنا جعل الخطبة مُنسَّقة ومُرتَّبة «وبالطَّبع مُدققة لغويًا وإملائيًا» لكي يتيسَّر على الإمام والخطيب إلقائها من على المنبر على المصلون بأريحيَّة. وحتى نكون صوت الدعاة الدَّاعِم لهم في كل خطب الجمعة وحتى المحفليَّة.
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله رفع السماء بلا عماد وبسط الأرض فكانت نعمى المهاد، أحمده جل شأنه وأشكره أتم نعمته على العباد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهP إليه المرجع والمعاد.
وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله «صلى الله عليه وسلم» على هذا النبي العظيم وعلى الآل والصحب والأمجاد، وعلى من سار على درب الهدى يبتغي الرشاد.
الخطبة الأولى
أما بعد عباد الله فهذا ربكم يوصيكم فاستمعوا لوصية ربكم إذ يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا).
أيها المسلمون ظاهرة في مجتمعنا لا تتناسب مع عظمة هذه الأمة وأخلاقها ظاهرة لا تتناسب مع تعاليم شريعة الإسلام، وقبل أن نتحدث عن هذه الظاهرة أود أن أسال سؤالا واحدا ما الأحب للإنسان؟ أن يكون له خصم واحد أو يكون له خصوم كثر.
لا شك أن الجميع ممن يقولون نتمنى أن لا يكون لنا خصما أبدا، وأما إن كان ولابد فخصم واحد خير من خصوم كثيرين.
أقول أيها الأخوة حينما يأخذ أحدنا مال شخص أو يؤذيه فقد آذى شخصاً واحدا، وهذا ليس بالأمر الهين فإذا أخذ أحدنا مال شخص أو آذاه فقد آذى شخصاً واحداً وهذا أيضاً ليس بالأمر الهين فإن الله يغفر ما بينك وبينه إلا حقوق العباد، فإما أن تتسامح منهم وإما أن يأخذوها منك يوم القيامة.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار) فهذا حديث صحيح رواه الإمام مسلم عن النبي ﷺ.
وأما من يتعرض لمال المسلمين العام أو المرافق العامة؛ المؤسسات، المدارس، وكل شيء ينتفع به المسلمون، شارع، فإن جميع الأمة؛ جميع من ينتفعون من هذا الشيء خصماء له يوم القيامة.
فإذا كان ينتفع من هذا الشيء خمسون أو ستون مليون أو مئة مليون حتى وأنت قد آذيتهم أو أخذت حقهم يأتون بعددهم يوم القيامة خصماء لك أمام الله سبحانه وتعالى.
فهل أدركنا معاً خطورة هذا الأمر؛ نعم، وقد يقل من يسرق من المال العام، أو ليس كل إنسان يقدر على ذلك، إلا أن هنالك تهاون من بعض المسلمين في الإساءة للممتلكات العامة التي ينتفع بها جميع المسلمين على السواء، فهي أشياء مشاعة للجميع، كل من أراد أن يستفيد منها لا يُمنع منها سواء كانت منشأ أو ممر مشاة على جانب الرصيف أو حتى شجرة، فقس على ذلك أي شيء. مثال على ذلك؛ الطريق العام، الحدائق العامة، الظل النافع.
صور إفساد وانتهاك المال العام
ومن صور إفساد وانتهاك المنافع العامة سلوكيات بعض الأشخاص أو الأسر ممن يذهبون للتنزه إذا كان هناك متنزه في بلد معين أو في حارة معينة، فانظر بعد أن يغادروا المكان، فكيف يتركوه وقد أنتن، تناثرت في جنباته نتناتهم وبقايا طعامهم.
حتى أحياناً لا يُعد المكان صالحاً لأن يتنزه فيه غيرهم ممن يأتي بعدهم، بل حتى وإذا جاءت نفس الأسرة للتنزه مرة أخرى لا تستطيع الجلوس فيه من آثار الإفساد السابق.
فمن الناس من يُلقي بقاذورات من شباك سيارته وهو يسير، وصراحة لم ألقي في حياتي سائقاً غير عربي يُلقي أو يرمي من سيارته شيئاً وهو يسير إلا في مدننا العربية وقرانا العربية. وقد ينظر للأمر على أنه بسيط، منديل أو ورقة، فكم من منديل يكون في الشارع، وإذا كان يعيش في هذه البلد مئات الناس أو آلاف الناس وكل واحداً منهم رمى منديلاً، كم من منديل سيكون في الشارع؟
فبكثرة هذا السلوك تكثر النفايات في الشوارع وتحتاج إلى عمال وسيارات وأموال لتنظيف الشارع.
ولو امتنع هؤلاء القوم عن ذلك السلوك المشين لما اتسخت شوارعنا، ولتم استخدام تلك الأموال في أمور تعود بالنفع الأكبر على المجتمع.
أمثلة على تخريب الأماكن العامة
والمُصيبة أيها الأخوة من يكون من شبابنا وأبنائنا من يتعمد عن سبق إصرار وتخطيط مسبق الإفساد والتخريب في المرافق العامة وممتلكات الدولة.
فتجده يأتي جدار مدرسة مثلاً أو مؤسسة أو مكان سياحي أمام الناس كلها يكتب عليه فيُسيء إلى منظر هذه الأماكن بعد أن كانت جميلة، وقد يكتب كلاماً يخدش فيه الحياء معاذنا الله وإياكم منه.
كم نشاهد اليوم ما يُكتب على جدار بعض المؤسسات (أنا ابن العائلة الفلانية والعائلة الفلانية فوق كل العائلات) يكتبها بالعربي وبالعامية.
كم نُشاهد أيها الإخوة في بعض المنشآت العامة من إفسادٍ متعمد؛ فمثلاً نجد اللوحات الإرشادية مخلوعة أو إشارات المرور، أو الأشياء التي تُنبه الإنسان إلى اتجاهات معينة في مكان معين من قبل هؤلاء.
وعلى سبيل المثال؛ نجد الأدوات والأجهزة الرياضية في المتنزهات قد خُلعت اللوحات الإرشادية التي توضح كيفية استخدامها من قبل هؤلاء المخربين المُفسدين في الممتلكات العامة.
قولي لي بربكم أيها الأخوة ما يستفيد من يفعل ذلك إلا أذية المسلمين، فهل لهذا علاقة بالدين؟ حتى نجعل لهذا خطبة جمعة. فهل لهذه الأفعال علاقة بالدين الإسلامي حتى نُخصص لها خطبة أو خطب أو ندوات؟
رسول الله ينهانا عن انتهاك وإفساد المرافق العامة
فاستمع وأنصت أخي الحبيب لأن من يتحدث هنا هو سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم»، فالنبي عليه الصلاة والسلام يُخاطب الأمة محذراً لإساءة استخدام الممتلكات العامة وتخريبها. (قال «صلى الله عليه وسلم» اتَّقوا اللَّاعِنَينِ، قالوا: وما اللَّاعنانِ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قالَ الَّذي يتخلَّى في طريقِ النَّاسِ أو ظلِّهِم)؛ أي يؤذي الأمة، ويقضي حاجته في الشارع، فوالله يكفينا هذا الحديث نتعلم منه الحفاظ على الممتلكات العامة التي ينتفع بها الناس.
فهذا السلوك تعدي على مال المسلمين العام وفيه ضرراً لأمة محمد «صلى الله عليه وسلم»، وسيكون هذا خصماً أمام الله -سبحانه وتعالى- يوم القيامة بعدد الذين آذيتهم ومنعتهم من الانتفاع بهذا الشيء.
يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنَٰت بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتنا وإثما مبينا).
واتقوا الله عباد الله واستغفروه إنه يُحب التوابين والمستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد؛ أيها المسلمون أمة النظافة والطهر والنقاء أمة الإسلام ديننا يُعلي من أمر النظافة والمساهمة في الحفاظ على الممتلكات العامة، الحفاظ عليها من التخريب والإفساد والشوائب.
إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان
فديننا جعل الحفاظ على المرافق العامة شعبة من شعب الإيمان، جعلها خصلة من خصال الإيمان، فتعالوا واسمعوا إلى النبي «صلى الله عليه وسلم» وهو يقول في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله «صلى الله عليه وسلم» (الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون، شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).
هل من يُفسد في المرافق العامة متقيد بهذا الأدب الإسلامي الرفيع؟ فهل تقيد بهذا الأدب الذي قال فيه النبي الإيمان بضع وسبعون شعبة أقلها إماطة الأذى عن الطريق. فما سيكون حال الذي يستولي على الطريق أو يقطع الطريق.
ربي أبنائك على الحفاظ على الأموال والمرافق العامة
فالحياة سلوك عباد الله؛ إذا تعود أبنائنا عدم الاهتمام بالنظافة والمحافظة على الأماكن العامة والإفساد فيها فإنهم سيتعدون على عدم المحافظة على النظافة الشخصية وفي داخل بيوتهم. فمن لا يكون نظيفاً في الشارع لا يكون نظيفاً في بيته أبدا.
فتجد أحدهم ربما يمر في منزله، في بيت أبيه من فوق النفايات لا يُكلف نفسه بأن يرفعها ولا يهتم بترتيب ملابسه وحاجياته في البيت، بل قد يتعدى ذلك الأمر إلى أن يبدأ الإفساد في مقتنيات البيت، فربما يلعب بالكرة مثلاً على سبيل المثال داخل المنزل فيُحطم الأثاث ويُحطم الإضاءة.
أيها الأخوة إذا لم نربي أبنائنا على الحفاظ على الأموال والممتلكات العامة فسنكون أول من يدفع الثمن خلال سلوكيات أبنائنا داخل المنزل، إذا لم يتقيد بآداب الطريق في الشارع لم يتقيد بالآداب داخل بيته.
قال عز من قائل (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). فصلوا على النبي محمد «صلى الله عليه وسلم».
الدعاء
- اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد «صلى الله عليه وسلم» ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
- اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
- اللهم انصر المجاهدين في سبيلك؛ اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم، اللهم انصرهم وألحقنا بالشهداء منهم.
- اللهم انصر المسلمين في كل مكان.
- اللهم احقن دماء المسلمين.
- اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ولذوي الحقوق علينا.
- اللهم اغفر لعلمائنا ومشايخنا.
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وأقِم الصلاة.
تفاصيل الخطبة
- عنوانها: المرافق العامة بين تعظيم النفع ومخاطر التعدي.
- فحواها: تتحدَّث الخطبة عن حُرمة استباحة المال العام وكذلك حرمة ومخاطر تخريب المرافق العامة والممتلكات العامة، وتعظيم المحافظة عليها. وقد أقرَّت -بالفعل- وزارة الأوقاف، عبر موقع أوقاف أونلاين وصفحات الفيس بوك التابع لها هذا العنوان كخطبة موحدة على الخطباء في مصر.
- تنويهات: ونحن في موقعنا «المزيد» وتحديدًا في قِسم ملتقى الخطباء والأئِمَّة ترِد الكثير من طلبات الخطب، مثل خطبة عن استباحة المال العام، أو الحفاظ على المال العام واجب ديني ووطني.. الخ؛ ونحن هنا لتلبية طلبهم هذا، وهذه خطبة الجمعة القادمة مكتوبة من أجل هؤلاء الدعاة.
جزاكم الله خيراً على هذه الخطبه