الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
الله أكبر ما كبر الحجيج يوم النحر يوم الحج الأكبر، الله أكبر كلما هللّ مُهلل وكبّر، الله أكبر كلما طاف الحجيج بالبيت واعتمر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله على الإيمان، الحمد لله على الإسلام، الحمد لله على الإحسان، الحمد لله الذي جعل أعيادنا عند تمام عباداتنا، فعيد الفطر خاتمة ركن الصيام، وعيد الأضحى خاتمة ركن الحج ففرحة المؤمن تكون بتمام وصدق عبادته. يقول الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ يونس: 58.
فشعار المسلمين اليوم وفي هذه الأيام المباركة هو (الله أكبر) بما فيها من معاني التعظيم لله والتزام أمره واجتناب نهيه، ليكون المسلمون اليوم على حالٍ واحد، وكلمةٍ واحدة، وصفٍّ واحد، فتتوحد في هذا العيد القلوب والمشاعر، كما توحدت الطاعات والعبادات.
وفي هذا اليوم العظيم تتجلى في قلوب المؤمنين تعظيم شعائر الله تعالى من خلال الإقبال على سنة الأضحية إظهاراً لنعمة الله تعالى على الناس بما جعله لهم من نعمة الأنعام، واستذكاراً لتضحية سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي استسلم لأمر الله تعالى، فتجلت فيها صفات المؤمنين المخلصين، يقول الله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ الحج: 36،37. ويستمر وقتها خلال يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة حتى غروب رابع أيام العيد.
والأضاحي لا تصح إلاّ بالأنعام من الإبل والبقر والضأن والمعز، وشروطها من حيث السنُّ والصفات معروفة، وهي مما لا يجهلها المسلمون.
ويجب أن يفطنَ المسلمون أنّ لحمَ البُدن، إنما يطيبُ اذا روعيت الآداب التي من شأنها أن تكون رفقاً بالأضحية، فلا توضع في أجواء حارة أو باردة قد تؤذيها، وأن تُسقَى الماء، وأن يهتم بإطعامها فلا تُجَوَّع قبل ذبحها، وأنْ تقاد إلى مكان الذبح قوداً حسناً، وأن تُحدَّ السكينُ قبل ذبحها، وأن لا تذبح أمام أخواتها، وتُراحَ بعد الذبح وقبل السلخ، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَته) رواه الترمذي.
حتى إنّ الإسلام جعل إضجاع الذبيحة فترة سنّ السكين وأمام أعينها من الأمور التي تؤذي الأضحية، ورد أنَّ رَجُلًا أضجَعَ شاةً يُريدُ أن يَذبَحَها، وهو يُحِدُّ شَفرَتَه، فقال له النَّبيُّ ﷺ: (أتُريدُ أن تُميتَها مَوتَتَينِ؟! هلا حَدَدْتَ شَفْرَتَك قبل أن تُضجِعَها) أخرجه الطبراني والحاكم
وعلينا بصلة الارحام لأنها من أفضل الطاعات التي يتقرب بها العبد الى ربه، وقد أمر الله تعالى بها، فوصلها موجبٌ للمثوبة، ويترتب على قطعها الاثم والعقوبة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: (خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ منه قامَتِ الرَّحِمُ، فأخَذَتْ بحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فقالَ له: مَهْ، قالَتْ: هذا مَقامُ العائِذِ بكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: ألا تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ، قالَتْ: بَلَى يا رَبِّ، قالَ: فَذاكِ. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} محمد: 22. وفي رواية: قالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: واقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ}. اخرجه البخاري.
ومن الواجب علينا وعلى كل المسلمين أن لا ننسى إخواننا في غزة وفلسطين من الدعاء لهم بقلوب خاشعة بأن ينصرهم الله على عدوه وعدوهم وأن يفرج ما هم فيه من ضنك شديد، وأن يعجل بالفرج القريب. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله تعالى في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله تعالى يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173،174
والحمد لله ربّ العالمين…