أدناه، نسوف إليكم خطبة مكتوبة ومُفعَمة بالحِكَم والمواعِظ؛ تأتيكُم بعنوان: القيم المجتمعية والأخلاقية وأثرها في بناء الأمم والحضارات. تأتيكُم -أيها الأئمة والخطباء- لتحرِصوا على بذل مزيد عناية تجاه هذا الموضوع الهام؛ والذي لطالما حثَّ عليه ديننا الحنيف ونادى إلى التثبّت به والدعوة دومًا إليه.
مقدمة الخطبة
الحمد لله نحمده، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه ولعظيم سلطانه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله؛ وصفيه من خلقه وخليله. بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق الجهاد، وتركنا على محجةٍ بيضاء، ليلها كنهارها؛ لا يبتغيها إلا سالك ولا يزيغ عنها إلا هالِك.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد إخوة الإسلام، فأوصيكم ونفسي المخطئة المذنبة بتقوى الله في السر والعلن، وأحثكم على طاعته وأنهاكم عن معصيته.
يقول الله -تبارك وتعالى- في محكم تنزيله واصِفًا نبيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وقال حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام «أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا».
أيها الأحِبَّة؛ إن أول مظهر من مظاهر الخلق الحسن هو معاملتنا مع الله -عز وجل-. والمظهر الثاني مُباشَرةً هو معاملة المخلوق للمخلوق. ولقد حثَّ الإسلام على القيم المجتمعية والأخلاقية.
وإذا أردت أن تختبر أخلاقك فانظر إلى معاملتك لله أولا، ثم معاملتك للمخلوق.
انظر أولا للأرحام.. كيف برك لوالديك؟ كيف رحمتك بزوجتك وأولادك؟ بأقربائك؟
أزمة أخلاقية كبيرة
الخُلُق الحسن -أيها الأحبة- هو أزمة الإنسانية المعاصر اليوم. أزمة البشرية المعاصر اليوم فساد الأخلاق، عقوق الوالدين، قطع الأرحام، الإساءة للصديق والأخ والحبيب. حتى أنك لا تكاد تجد مفهوم الصداقة إلا نادرًا، ومفهوم الأخوة إلا محصورة جدًا بين المؤمنين الصادقين.
بل إنك إذا توسعت أكثر لوجدت أزمة خلقية وأخلاقية كبيرة لدى الدول والشعوب.
القوي يقتل الضعيف، والغني ينسى الفقير، وصاحب النفوذ يستعلي على من هم دونه.
فسادٌ في الخلق، في التعامل، في الثقافة الذهنية، في فهم الحياة، في فهم مفهوم الإنسان والتعاطي معه، في مفهوم الثقة بالنفس.
نعم؛ هناك خلل، مزجوا بين الثقة بالنفس والتكبر. فهو لا يعرف نفسه! هل هو إنسانٌ واثقٌ بنفسه أم هو إنسان متكبر؟ هو هل إنسان صاحب نفوذ أم هو إنسان طاغية مجرم ظالم؟ هل هو إنسان يعطي أم أنه إنسان يستعبد الناس بماله؟ هل هو إنسانٌ يُكرِم أم أنه يُهيِن في أعطائه ومساعدته؟
كل هذه المفاهيم -أيها الاحبة- هي في معاملة المخلوق للمخلوق تحت منظومة القيم المجتمعية والأخلاق الحسنة.
فمن معاملة المخلوق للمخلوق أن يراقب الله -عز وجل- في هذه المعاملة. يبدأ -كما قلنا- في بيته؛ لا يحدثني إنسان ناجح في حياته عن نجاحاته وهو عاقٌّ لوالديه. لا يحدثني إنسان متفوق في عمله وشركته وهو مُسيئٌ لأهل بيته من زوجته وأولاده. لا يتكلم إنسان عن أمجاد حققها أو هناك وهو غافل عن آلام المسلمين، لا يستشعر حالهم ولا شؤونهم، ولا يرى الدماء التي تسيل هنا أو هناك.
كل هذا يا إخواني فساد أخلاقي. هذه هي أزمة البشرية المعاصرة اليوم. إذا انطلقنا من حياة الفرد هناك أزمة أخلاقية في معاملته مع الله -عز وجل- المحسن إليه. وإذا نظرنا إلى المجموع؛ هناك فساد أخلاقي في معاملة الناس لبعضها البعض، ومعاملة الشعوب والدول لبعضها البعض.
حقيقة الخلق الحسن
وأقود لكم أمرًا -لا يخفى عنَّا أبدًا- أن حقيقة الخلق الحسن لا يتحقق إلا بالإيمان الصحيح. مستحيل أن يكون هناك خلقٌ حسن صافٍ مُنتِج بلا إيمان.
ولذلك؛ انظروا إلى حضارة الغرب اليوم؛ بكل التكنولوجيا وكل التطور، فساد في الأخلاق في تعاملها مع الشعوب؛ من الأمم المتحدة للدول الكبيرة للدول الأوروبية للدول الغربية، والدول العربية معها. ضعف الإيمان، ضعف في الأخلاق، فساد في الإنسانية، ضياعًا للرحمة.
ونرى آثار هذا يا إخواننا بمشاهد الجوع في حياتنا المعاصرة، والقتل والإبادة والتدمير، والسكوت عن هذا الفساد.
نحتاج إذًا أيها الإخوة أن نُحيي في قلوبنا جذوة الإيمان لأن من ثمرتها هذا الخلق الحسن. نحتاج أن نُحيي في قلوبنا قوَّة اليقين على الله -عز وجل-.
فبالأخلاق الحسنة تكون تاجرًا ناجحًا، ومهندسا بارزًا، وأستاذًا مربيًا، وقائدًا فذا. وبالأخلاق الحسنة تكون مجاهدا في سبيل الله، حتى أن النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- علمهم الأخلاق قبل أن يعلمهم حمل السيف، علمهم الأخلاق قبل أن يفتحوا العالم؛ لأننا لا نريد إلا نحمل الرحمة للإنسانية؛ هذا هو ديننا وهذه عقيدتنا.
أنت أيها المصلي الذي تركع وتسجد لله -عز وجل- إنما ثمرة هذا الركوع والسجود عندما تتقابل مع أخيك المسلم أو حتى مع غير المسلم أن يرى فيك الرحمة والخلق الحسن والابتسامة البادية على محيّاك، هذا هو المسلم.
وذلك المجاهد الذي يقِف في وجه الظلم والظالمين، إنما يجعل الأمر لله لا لسُلطةٍ ولا لنفوز ولأجل مُلكٍ ولا لشيء. يجعلها الله.
هذه هي القيم المجتمعية وهذا هو الخلق الحسن الذي يبدو عندما يكون المسلم قويا. «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، هكذا قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو قد جاء فاتِحًا لمكة بعد أن أخرجوه منها.
فلنجتهد على إيماننا أيها الأحبة بذكر الله وبقراءة القرآن وبالدعاء وبصحبة الصالحين وبالتعلق بالمساجد وبقيام الليل وبمناجاة الله -عز وجل- في وقت الخلوة والصفوة مع الله -تبارك وتعالى-.
فإذا ضجَّت هذه القلوب بالإيمان الحي كان الخلق الحسن هو العنوان الذي نتعاطى به مع بعضنا البعض، وهو الذي يكون بيننا وبين الله -عز وجل-.
تحديات الصفوة
أيها الأحبة؛ أن هذه التحديات التي تصيب أمتنا لا يكون واقفا في وجهها إلا تلك الصفوة من الأولياء الصالحين. أما ضِعاف الإيمان فليس لهم مكانٌ في تلك المواجهة، ولا في تلك الساحات؛ بل هم على هامش صنع القرار وعلى هامش التاريخ. وللأسف ما أكثرهم في حياتنا وفي أمتنا.
فاختر لنفسك أن تكون أنت الحدث وأنت المؤثر -بإذن الله عز وجل-، وأنت الذي تبادِر وأنت الذي تحقق، وأنت الذي تنجز. فالنصر إذا جاء للأمة لا يأتي للجميع، إنما يأتي للمضحين؛ هم الذين تذوقونه.
وإذا جاءت العِزَّة للأمة فهي لا تكون للجميع أيضا، إنما تكون لأولئك الذين بذلوا وضحوا وثبتوا وقفوا. فلنكُن من هؤلاء؛ بقوة إيماننا وصفاء أخلاقنا وأُخوتنا في ما بيننا.
نسأل الله -عز وجل- أن يفيض على قلوبنا بأنوار الإيمان، وأن يحققنا بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام. تلك الأخلاق التي وصفتها السيدة عائشة رضي الله عنها بكلماتٍ بسيطة عندما وصفت النبي عليه الصلاة والسلام قالت «كان خلقه القرآن».
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله نحمده، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه ولعظيم سلطانه. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله.
عباد الله؛ اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما نهى عنه وزجر.
واعلموا يا عِباد الله أن الله -سبحانه- قد صلَّى على رسوله قديما. قال -تعالى- ولم يزل آمِرًا حكيمًا، تعظيما لقدر حبيبه -صلى الله عليه وسلم- وتكريما ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل على محمد صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا.
الدعاء
اللهم وحد صفوف المسلمين واجمع شملهم يا رب العالمين
اللهم أكرِمنا بصالِح الأخلاق وطيّب الصِفات يا واسع الفضل والرحمات.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفّنا مع الأبرار.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. أقِم الصلاة.
خطبة عن القيم المجتمعية والأخلاقية
ألقاها فضيلة الشيخ الشيخ أمين الكردي؛ فنسأل الله -سبحانه- أن يجزيه كل خيرٍ على ما نفعنا به.
أطنبَت الخطبة الحديث حول القيم المجتمعية والأخلاقية ومدى تأثيرها في بناء المجتمعات الصالحة والأُمم والحضارات القويمة.