ونلتقي بالأكارم مُجدَّدًا؛ وهذه المرَّة مع خطبة الجمعة المكتوبة —الهامَّة— هذه؛ وهي بعنوان: الغفلة عن ذكر الله.. علامة الموت. والتي يتَّضِح من عنوانها أنها أحد أهم المصائِب والآفات والمعضلات التي وقع فيها كثير من المسلمون —إلا ما رحم ربي—؛ وهي الغفلة عن ذكر الله ﷻ. فدعونا نقرأ ونتمعَّن فيما جاء في هذه الخطبة المُبارَكـة.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أما بعد.. فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
الخطبة الأولى
وبعد أيها المؤمنون: إن للموت علامات يعرف به، وإن للحياة علامات تعرف بها، فمتى اطلع على علامات الموت؛ عرف أن العبد قد فارق الحياة، فصار معدودا في عالم آخر، مفارق لعالم سابق، ويجتهد الأطباء في تحري العلامات التي تدل على الموت، ومع طروء أحوال لم تكن للناس من قبل؛ صار الأطباء أنفسهم يختلفون في علاماته المحققة منه، وينسى الأطباء ونحن علامة عظيمة تبين فرقا شاسعا بين الموت والحياة، لكنه ليس موت الأبدان وحياتها، وإنما موت أعظم، وحياة أكبر، فهو فرقان بين موت القلوب وحياتها، فإن موت القلوب أشد عطبا وأعظم ضررا من موت الأبدان، وإن حياة القلوب أشرف قدرا، وأعظم درجة من حياة الأبدان.
وقد جليت تلك العلامة في حديث نبوي عظيم، رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من حديث بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبيه عن جده عن أبي موسى الأشعري أن النبي ﷺ قال: «مثل الحي والميت، مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه» فجعل الفرقان بين الحياة والموت هو ذكر الله، فمن ذكر الله فهو حي، ومن لم يذكر الله ﷺ فهو ميت؛ وليس ذلك الموت موتا تفارق به الروح البدن، ولكنه ربما موت سيمت به القلوب والمرء لا يزال يتنفس روح الحياة، ولكنه موت أعظم، وهو موت القلوب وحجبها عن الله ﷺ وهو أشد عذابها.
فإذا كانت الأبدان تعذب بنوع من السجن والعقاب، فإن القلوب تعذب بأعظم سجن؛ وهو حجبها عن ربها، ولأجل هذا جلت هذه العلامة في التفريق بين الحي والميت، أن ذاكر الله لا حي، وأن من لا يذكر الله فهو ميت، وهو بعض معنى قوله ﷻ: ﴿واذكرو الله كثيرا لعلكم تفلحون﴾، فإن من فلاح العبد أن يكون حيا، ومن حياته أن يكون ذاكرا الله، وإن من خسار العبد أن يكون قلبه مينا، وإن أعظم علامات موت قلبه؛ تركه ذكر ربه.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
وهنا نجِـد خطبة: محاسبة النفس.. ماذا قدمت لدينها ودنياها ووطنها؟ —مكتوبة— كاملة
الخطبة الثانية
الحمد الله حمدا حمدا، والشكر له متواليا وتترى، وأشهد أن لا إله إلا الله فهو المعبود حقا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله برا وصدقا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.. أيها المؤمنون: إن الأطياء حين يلمحون معنى من المعاني المعينة على حياة الأبدان يرشدون إليه، ويأمرون به، ويحثون عليه، ويكون بمنزلة علية عندهم لدلالة علومهم عليه وإذا علمنا في الشرع أن من أعظم أسباب حياة القلب ذكر الله، فإن الشرع أيضا جاء بالحق عليه، والترغيب فيه، والأمر به، فقال الله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾.
وفي صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال «سبق المفردون»، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرا والذاكرات».
فبذكر الله تحيا القلوب، ويحصل السبق في الدنيا والآخرة، فألظوا رحكم الله بذكر ربكم، فإنه قوت قلوبكم، وحياة أرواحكم، وسبب أرباحكم في الدنيا والآخرة، وإن من طرائق الإلطاء بذكر الله والحافظة على الأذكار الموظفة في أوقاتها في اليوم والليلة، وعند اقترائها بالأحوال الداعية إليها، فإذا حافظ الإنسان على أذكار النوم والاستيقاط، والأكل والشرب، والصباح والمساء، وغيرها من الأذكار الموظفة في اليوم والليلة؛ فإنه من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.. ذكر هذا المعنى أبو عمرو بن الصلاح —رحمه الله ﷻ—.
فإذا حاز العبد هذه الرتبة فقد صار من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، فادَّرع ثوبا من الفلاح عظيما.
وهذه أيضًا: خطبة الجمعة حول ذكر الله وفضله؛ مُصدقة بآيات قرآنية وأحاديث نبوية
الدعاء
- اللهم اجعلنا من عبادك الذاكرين، اللهم اجعلنا من عبادك الذاكرين، اللهم اجعلنا من عبادك الذاكرين.
- اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين.
- اللهم آت نفوسنا تقواها اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
- اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تكول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصالب الدنياء اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا أبدا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا،
- اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا،
- اللهم لا تجعل فتتتنا في ديننا، ولا تسلط علينا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا،
- اللهم أمن المسلمين في دورهم، وأصلح أئمتهم وولاة أمورهم، واجعل ولا يتهم في من خافك وابتغى رضاك، اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس هموم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، وأطلق أسرى المسلمين، واشف مرضنا ومرضانا ومرضى المسلمين.
- اللهم انصر المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصر المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصر المسلمين المستضعفين في كل مكان.
﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾.
والحمد لله رب العالمين..
وبعْد؛ فكانت هذه —إخواني— خطبة عن الغفلة عن ذكر الله «علامة الموت»؛ ألقاها الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي -جزاه الله خيرًا-. نسأل الله الحليم الكريم ﷻ أن تنتفعوا بها وبكل ما نُقدمه لكم من دروس وخُطَب عبر موقع المزيد.كوم.