إخواني الأئِمَّة والخطباء الأكارِم الأجِلاء؛ أضع بين أيديكم هنا خطبة العمل شرف؛ أو هذا كان عنوانها. نوفرها لكم مكتوبة ومشكولة الآيات، ومدعومة بالأحاديث الشريفة وما ورد من سُنَّة الحبيب المصطفى ﷺ.
ونحن هنا في ملتقى الخطباء والدعاة بموقِع المزيد؛ نسوق إليكم هذه الخبة الرَّائِعة، سائلين المولى -تبارك وتعالى- أن تنتفعوا بها.
مقدمة الخطبة
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، له الحمدة ملء السماء وملء الأرض وملء ما شاء من شيء بعد؛ أهل الثناء وأهل الحمل.
له الحمد كما نقول وخيرا مما نقول، له الحمد الذي هو أهله، له الحمد رضا نفسه وزنه عرشه ومداد كلماته، له الحمد حتى يرضى وله الحمد بعد الرضا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد؛ الحي القيوم.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله. بعثه رحمة للعالمين -صلى الله عليه وسلم-؛ وهداية للخلق أجمعين.
اللهم صل عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين، وعنا معهم بمنك وفضلك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل قلوبنا خزائن توحيدك، وألسنتنا مفاتيح تمجيدك، وجوارحنا خُدَّام طاعتك. استخدمنا فيما يرضيك وفيما تحب، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك؛ فإنه لا عِز لنا إلا بالذل لك ولا أمان لنا إلا بالالتجاءِ إليك، ولا راحة لنا إلا بالرضا بقسمتك، ولا حول ولا قوة لنا إلا بك.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- كما أمركم الله، فناداكم نِداء الإيمان، فقال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
من اِتَّقَى الله حق تقاته ستكون له الخاتمة الحسنة، سيموت على الإسلام؛ اللهم اجعلنا ممن يتقيك حق تقاتك ويموت على لا إله إلا الله محمد رسول الله.
الخطبة الأولى
أيها الأكارِم، هذا حديث عظيم مع المربى العظيم -عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام-. يعلمنا لون من ألوان التربية مهم، نغفل عنه كمعلمين ومربين وآباء وأمهات، وهو التربية بالحَدَث.
يحصل حدثا للصحابة، ويقول الصحابة قولا؛ فلا ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحدث يمر عفوا، وإنما يوجه ويعلم.
لأن التعليم بالحدث يبقى راسخًا في ذهن المتعلم.
بعض الناس لا يبالي ولا يهتم مع أهمية هذا الأسلوب من التعليم.
لذلك جاء في الحديث الذي صححه بعض أهل العلم، عن كعبٍ -رضي الله عنه-، أن رجلا مرَّ أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعجب أصحاب رسول الله من جلد هذا الرجل ونشاطه.
رجل ينطلق في العمل بنشاط وحيوية وقوة. أعجبهم هذا الرجل النشيط الجلِد. فيعض الناس تراه يمشي وكأنَّه ميّت، حتى أنه يُروى عن سيدنا عمر أنه رأى رجلا يمشي فضربه بالدرة، وقال له [لا تُمِت علينا ديننا]. امشي مشي الرجال واسعى سعي الأقوياء في كسْبك.
فقال أصحاب النبي -صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها-: لو كان هذا في سبيل الله يا رسول الله! أي كان في معركة أو في عبادة أو في طاعة.
بالطَّبع كان يمكن أن يصنع النبي كما نصنع نحن؛ وتكون كلمة ومرَّت. لكن الفقهاء استنبطوا من هدي رسول الله قاعد أصولية، يقولون: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
فلما قال ذلك؛ قال -صلى الله عليه وسلم- معلمًا لهم ولنا، أن النشاط الاقتصادي الذي يرفع الأُمة، ويجعلها عزيزة ويدها عالية، ومستغنية عن سائِر الأُمم؛ أن هذا النشاط الاقتصادي في سبيل الله.
قال -صلى الله عليه وسلم- «إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان».
هكذا علمهم النبي صلى الله وسلم من هذا النشاط والجلد في الحياة الاقتصادية، هذا في سبيل الله.
ثم نبههم على مسألة مهمة، ولها أثر كبير في فساد الأعمال، وهو أن تصبح الأعمال اقتصادية شكلية. قال «وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان». وهو مثل ما يحصل من بعض المسؤولين، مجرد تصوير ومظاهر ليس ورائها حقيقة في عمل تصلح به أحوال الناس.
هكذا يعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته أن العمل الذي يسعى فيه الإنسان لما في مصلحة لنفسه أو أهله وذريته ووالديه فهو في سبيل الله. وأن العمل الذي يكون تكاثرا وتفاخرا فهو في سبيل الشيطان.
وذلك لبيان أهمية النية في صلاح العمل في الدنيا، وجعله في سبيل الله عند الله -سبحانه وتعالى-.
اللهم اجعل أعمالنا وكل خطواتنا في هذه الحياة في سبيلك يا رب العالمين.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ ويا فوز المستغفرين
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا لا ينقضي عدده، ولا يفنى أمده. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد؛ فاتقوا الله عباد الله، واستحضروا النية في كل أعمالكم وعاداتكم، لأن النية الصالحة تحوّل الأعمال والعادات إلى عبادات.
هذا الذي خرج يسعى فهو في سبيل الله إن كان كما أخبر النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-. والمال الذي يجلبه، إذا أنفقه على أهل بيته فهو في سبيل الله.
وقد جاء في الأحاديث الصحيحة، كما في الصحيحين «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك».
وفي حديث جابر بن عبدالله، في صحيح الجامع؛ قال ﷺ «إذا سقى الرجل امرأته الماء أجر».
فأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله، حيث أمركم الله بذلك. فقال -عز من قائل عليما- ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
الدعاء
اللهم صل وسلم على نبينا المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم.
اللهم إنا نسألك في هذه الساعة، في هذا اليوم، وهذا الوقت الذي نرجو أن تكون ساعة أجابة؛ وقد حضرت قلوبنا وخشعت لك جوانحنا يا مولانا؛ أن توفقنا لكل خير، وأن توفق ولاة أمرنا لكل خير.
اللهم ولّ على المسلمين خيارهم ولا تولي عليهم شرارهم.
اللهم اجعل كل أحداث في هذا الكون في خدمة أمة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعبادك الصالحين يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا ولأبائنا وأزواجنا وذرياتنا وسائر قراباتنا. نسألك لنا ولهم من الخير كله من خير ما سألك منه حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-، ونعوذ بك لنا ولهم من الشر كله من شر ما استعاذك منه حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
خطبة العمل شرف
ألقاها فضيلة الشيخ هاشم باصرة؛ فبارك الله فيه وحفِظه وجزاه عنا كل خير.
فإذا كانت خطبة وزارة الأوقاف في بلدك، أو ما نويت الخطبة عنه الجمعة القادمة هو عن أهمية العمل والحَث على الكَد والسعي طلبًا للرزق في ملكوت الله -تعالى-، فأوصيك بهذه الخطبة الرَّائِعة.
خطبة قصيرة، لكنها اشتملت على المُعبر الجميل.