عناصر الخطبة
- لماذا عدّت هذه الأيام من أفضل أيام الدنيا؟
- في العشر الأوَل تجتمع أمهات الطاعات وأمهات الفرائض؛ فتُقام الصلوات والقربات وتخرج الصدقات ويحج بيت رب الأرض والسماوات.
- الحَثّ على الإكثار من الأعمال الصالحة والطاعات في أيام وليالي هذه العشْر.
- التذكير بفضل الذكر، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ.
الخطبة الأولى
إن لله نفحات يتقرب فيها العبد الى خالقه بالطاعات والعبادات واستباق الخيرات، ومن هذه النفخات الأيام العشر من ذي الحجة فهي موسم من مواسم الطاعات والخيرات والبركات، حتى عدت هذه الأيام من أفضل أيام الدنيا؛ لما تضمنته من فضائل وميزات، ومن فضائل هذه الأيام الفاضلة أن الله ﷻ أقسم بها وإذا أقسم الله بشيء دلّ هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، قال الله ﷻ: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ الفجر:1– 3، وذلك لما تضمنته هذه الليالي من فضل عظيم، وخير عميم، فعن جابر بن عبد الله –رضي الله عنه– قال: قال النبي ﷺ: «إن العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر» ← رواه أحمد، والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين والخلف، وقال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح.
إن العمل الصالح في هذه الليالي من ذي الحجة فرصة مباركة لكل مسلم أطاع ربه سبحانه فيها، فقد أقسم الله ﷻ بالعصر وأن الإنسان لفي خسر، واستثنى من أولئك الذين نالوا هذه الصفات الطيبة في حياتهم ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ العصر:1–3، قال الشافعي رحمه الله : لو تدبر الناس هذه السورة، لوسعتهم.
إن المسلم الصالح يعمل الأعمال الصالحات ويطيع رب الأرض والسموات في مقتبل عمره فإذا بلغ درجة العجز عن أداء ما كان عليه في شبابه، فإنه ينال مكافأة ذلك باستمرار أجر أعماله الصالحة، قال الله ﷻ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ سورة التين: 4–6.
في هذه العشر تجتمع أمهات الطاعات وأمهات الفرائض فهي إعلان لوحدانية الله ﷻ، وفيها تقام الصلوات والقربات وتخرج الصدقات ويحج بيت رب الأرض والسماوات، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: “والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره”.
وهذه الأيام قد أقبلت، وأقبلت معها الأعمال الصالحة التي ينتظرها عباد الله في كل عام عند دخول شهر ذي الحجة، فحافظوا على أيامها ولياليها بالطاعات، وانتهوا عن السيئات، ولا تضيعوها فإن اليوم إذا مضى لا يعود، وهذه الأيام إذا رحلت فلن نستطيع تعويضها؛ لأن لها خصوصيةً تتميز بها على غيرها من الأيام والليالي.
أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام يعني أيَّامَ العشرِ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ؟ قالَ: ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ» ← رواه البخاري، وفيه التصريح بأن العمل في أيامه أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا.
وفي صحيح ابن حبان خبر: عن جابر –رضي الله عنه– أن رسول الله ﷺ قَال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَدَّتِهِنَّ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «هُوَ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
قال العلامة ابن حجر الهيتمي: ” وذهب بعض الحفاظ إلى تفضيل هذه العشر حتى على العشر الأخير من رمضان، فتكون جميع الأفعال المفعولة فيها أفضل من نظيرها المفعول في شهر رمضان إلاّ الصوم، فإنه فرض وهو أفضل من صوم النفل”
وفي حديث البزار وغيره عن جابر –رضي الله عنه– أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قال: «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا العَشْرُ –يَعْنِي: عَشْرَ ذِي الحِجَّةِ–». قِيلَ: وَلاَ مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: “وَلاَ مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ عَفَّرَ وَجْهَهُ بِالتُّرَابِ» ← رواه البزّار.
قال ابن عاشور رحمه الله ﷻ : “وليس في ليالي السنة عشر ليال متتابعة عظيمة مثل عشر ذي الحجة التي هي وقت مناسك الحج، ففيها يكون الإحرام ودخول مكة وأعمال الطواف وفي ثامنتها ليلة التروية، وتاسعتها ليلة عرفة وعاشرتها ليلة النحر، فتعين أنها الليالي المرادة بليال عشر”، وقال عليه الصلاة والسلام: «ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ؛ فأَكثِرُوا فيهِنَّ مِنَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ» ← رواه احمد.
لَيَالِ الْعَشْرِ أَوْجَدَهَا السَّلَامُ
فَضَائِلُهَا كَمَا وَرَدَتْ جِسَامُ
فَكَبِّرْ وَاذْكُرِ الْمَوْلَى وَهَلِّلْ
وَقُمْ لَيْلًا إِذَا الْأَقْوَامُ نَامُوا
فَكَمْ للهِ مِنْ نَفَحَاتِ خَيْرٍ
فَجِدَّ السَّيْرَ فَالدُّنْيَا حُطَامُ
وَقُلْ يَارَبِّ مَغْفِرَةً وَعَفْوًا
فَأَنْتَ الْمُرْتَجَى أَنْتَ السَّلَامُ
ومن بركات هذه الأيام العشر أن الله أتم فيها النعمة وأكمل فيها الدين، ومن الواجب على المسلمين أن يشكروا الله ﷻ على نعمة نزول قوله ﷻ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ المائدة:3، وقد نزلت هذه الآيات في عرفات المكان والزمان.
إن نزول هذه الآيات في العشر الأُول من ذي الحجَّة تذكرنا بالعزة التي أرادها الله لنا، تذكرنا بعزة الإسلام الذي ارتضاه الله ﷻ لنا ديناً، وأكمل الأحكام الحكيمة، وأتم نعمته السابغة علينا، عَن طارق بن شهاب عن عُمر بْنِ الخطاب أَنَّ رجلًا من اليهود قال له يا أَمير المؤمنين آيةٌ في كتابِكم تَقْرَءُونَهَا لو علينا معشر اليهود نَزَلَتْ لَاتَّخذْنا ذَلك الْيَوْمَ عِيدًا قال أَيُّ آيَةٍ قال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) قال عُمَرُ قَدْ عرفْنَا ذلك الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزلتْ فيهِ على النَّبي ﷺ وهو قَائِمٌ بعرفة يوم جمعة.. أخرجه البخاري.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه ﴿أن من واظب عليها يكفى همه ويغفر ذنبه﴾، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ﴾ الأحزاب:43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه.
ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر»، ومن قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي».
وعليكم أيضا بـ«كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» قدر المستطاع.
والحمد لله ربّ العالمين..