من جديد نأتيكم ومعنا خطبة جميلة ومميزة؛ بعنوان: العلم خُلُق وفضيلة. نتناول من خلالها جوانب عظيمة لهذا الموضوع، ليس كتلك التي تعتقدون أنها ستكون؛ مثل فضل العلم والحَثّ على طلبة.. إذًا؛ فما الذي تحويه هذه الخطبة؟ هذا ما سنترككم تتعرَّفون عليه عن كثب -وحالًا- من خلال اطلاعكم على خطبتنا هذه.
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين، مكرم العالمين العاملين، ورافِع درجاتهم في الدنيا ويوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أسوة الله الحسنة ورسوله الصادق الأمين، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه المؤمنين الصادقين.
أما بعد، فاتقوا الله – أيها المؤمنون – لعلكم تفلحون، واسمعوا نداء ربكم لكم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون؛ إن الإنسان مسؤول عن أقواله وأفعاله، محاسب على سلوكه وتصرفاته، فإما أن تكون له وإما أن تكون عليه، وما أجدر بالإنسان أن يتذكر قول ربه تبارك وتعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾، فما كسبته من خير – يا عبد الله ويا أمة الله – فهو لك؛ تجد ثوابه عند الله، وأي بشرى أعظم من بشرى الله لعباده ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾.
ولنتصور مكافأة الله التي هي خير من حسنتنا كيف تكون! لا شك أن عطاء العظيم عظيم، وقد قيل: إن الهدايا على مقدار مهديها.
وما اكتسبه الإنسان من شر فهو عليه – والعياذ بالله – يجزيه الله مثله ﴿جَزَاء وِفَاقًا﴾، فكان حريا بالكيّس الفَطِن أن يزن عمله قبل أن يعمله، كان قولا أو فعلا، وتلك هي المحاسبة التي يفعلها الأصفياء، ويأخذ بها أنفسهم العقلاء، وإن لنا في التجارة والتجار لعبرة؛ فإن من أعظم أسرار نجاح التجار المحاسبة؛ فيعرفون ما لهم وما عليهم، ويحرصون على زيادة ما لهم ونقصان ما عليهم، فمتى ما زاد ما عليهم على ما لهم وقعوا في الخسارة، بل إن غاية النجاح أن يكون لهم وليس عليهم شيء، وما هذا إلا مثل يقرب المعنى، والعالم من عقل المثل وانتفع به، وقد قال الله جل جلاله: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ﴾.
عباد الله؛ كم من إنسان يقول كلمة لا يلقي لها بالا فيكون عند الله من الآثمين، وقد وسوست له نفسه أن ذلك من المزاح الذي لا حرج ولا إثم فيه، وأين هذا الذي زينت له نفسه سوء عمله من قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ﴾.
ويا للعجب ممن يصنع هذا الصنيع! أما كان لك في الكلام المباح سعة! أما كان لك في المزاح المباح ما يحصل به المراد وتكون به البهجة! أتضحك الناس وتغضب الله! اسمع ما يقول نبيك محمد ﷺ؛ فإن في قوله الشفاء من الداء، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له ويل له».
ومثل الحديث الفعل، فكم من إنسان يفعل ما لا يليق، ويصنع ما يكون بعيدا بعد المشرقين عن الخلق والفضيلة، ليضحك غيره، وقد ظن أنهم ضحكوا له، والحق أنهم ضحكوا منه لا له، وأشنع ما تكون هذه الأفعال عندما تكون من طالب علم، فيفعل أفعال أهل الدناءة، ويتصرف تصرفات الأراذل.
فيا من تطلب العلم أما استحييت من الله! ويا من تطلبين العلم أما استحييت من الله، أهكذا تكون آداب طالب العلم! أيترك طالب العلم – ذكرا كان أو أنثى – أعمال الكبراء وسلوك العظماء وينزل بنفسه إلى الحضيض! ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾، أتترك مقام الرفعة وتتركين مقام العزة والحياء الذي قد جعله الله للذين أوتوا العلم في قوله: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾، وإن أوجب الواجب على من يطلب العلم أن يكون أكرم الناس خلقا وأكثرهم خشية لله ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم، إنه هو البر الكريم.
هنا أيضًا: خطبة عن فضل طلب العلم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ﷺ وعلى آله وصحبه وأتباعه من المؤمنات والمؤمنين.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن الله قد ائتمنكم على أولادكم – ذكورهم وإناثهم – ولا تكونوا كأولئك الذين يرون أولادهم يخطئون الخطأ بعد الخطأ ولا يرشدونهم، ويقولون إنهم صغار أو شباب، وهل يبيح الصغر للإنسان أن يفعل ما يشاء! وهل يجيز الشباب للإنسان أن يصنع ما يشاء! وإن لم تكن التربية في الصغر فمتى تكون!
فيا أيها الآباء والأمهات: اجلسوا إلى أولادكم واسألوهم عن أحوالهم في مدارسهم وكلياتهم وجامعاتهم، وأخبروهم عن الخلق الذي يجب عليهم أن يتخلقوا به؛ فإن التزكية قبل المعرفة، وإن أعظم المعلمين زكى نفوس أتباعه قبل أن يعلمهم، عملا بأمر ربه الذي قال: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾.
واعلموا أن هناك قرينات سوء كما أن هناك قرناء سوء، فحذروا بناتكم كما تحذرون أبناءكم من شر شياطين الإنس والجن، وتعهدوا بناتكم بالنصيحة والتوجيه والتذكير كما تتعهدون أبناءكم، وأكثروا من الدعاء لهم؛ فإن «الدعاء هو العبادة».
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وهذه أيضًا: خطبة عن العلم وفضله وأهمية التحصيل العلمي