نعم، هي التي يريدها الجميع؛ هي خطبة عن العلم وفضله، وفضل طلبه وتحصيله وفضل أهله. خطبة مكتوبة وقويَّة، مُعزَّزة بما يلزم الآيات من كتاب الله وسنة رسوله المصطفى ﷺ، فضلا عمَّا اشتملت عليه من مواعِظ وعِبَر رائِعة لهذا الموضوع والعنوان.
وبدورِنا في ملتقى الخطباء والدعاة بموقع المزيد، فقد وفَّرنا آنِفًا خطبة جمعة قصيرة جاهزة عن فضل العلم بمناسبة دخول موسم المدارس. نتمنَّى أن تنال، هذه وتِلك، إعجاب واستحسان أئِمَّتنا وخُطبائنا إن شاء الله.
مقدمة الخطبة
الحمد لله نحمده، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه ولعظيم سلطانه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله؛ وصفيه من خلقه وخليله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق الجهاد، وتركنا على محجةٍ بيضاء، ليلها كنهارها، لا يبتغيها إلا سالك، ولا يزيغ عنها إلا هالك.
اللهم فصل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد إخوة الإسلام، فأوصيكم ونفسي المخطئة المذنبة بتقوى الله في السر والعلن، وأحثكم على طاعته وأنهاكم عن معصيته.
الخطبة الأولى
يقول ربنا جل جلاله في القرآن الكريم، في سورة آل عمران {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}. ويقول ربنا جل جلاله في سورة المجادلة {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}. ويقول الله -عز وجل- في سورة فاطر {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}.
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- «من سلك طريقا يطلب فيه علما ، سلك الله به طريقا من طرق الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ، والحيتان في جوف الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر».
طلب العلم
أيها الأحبة؛ لقد ميَّز الله -عز وجل- المسلمين بأنهم أمة العلم، وأمة المعرفة. بل إنَّ الله -عز وجل- أوجب علينا فرض عين على كل إنسان مسلم أن يتعلم الأساسيات التي لا غنى عنها من دينه؛ في العقيدة، وفي التشريعات، وفي السلوكيات والأخلاقيات.
يجب، فرض عين -أي على كل واحد من المسلمين- أن يتعرف على الله -عز وجل- بما يجب له من عظيم الصفات، ويستحيل عليه من النقائص، وما يجوز في حقه -تبارك وتعالى-.
أن نتعرَّف على صفات الله وأسمائه، وأن نتعرَّف على التشريعات في العبادات، والمعاملات، لا سيما إذا باشر الإنسان المسلم عملا من الأعمال يتعين عليه أكثر فأكثر أن يتعلم الحكم الشرعي الوارد في هذا العمل.
فالتاجر إذا أراد أن يوسِّع تجارته لنوعٍ جديدٍ من التجارة، فبعد عِلمه بأصول الأحكام الشرعية في التجارة والمبادئ العامة، يجب عليه أن يزداد معرفة في هذا الصنيع الجديد الذي يريد أن يبادر إليه في تجارته أو في شراكته أو في استثماراته.
هذا واجبٌ شرعي على التاجر.
فضله
وإذا أراد المسلم أن يُنشِئ علاقة معينة مع غير المسلمين -مثلا- أو أن يسافر إلى بلاد في طبيعة مختلفة، أو أن يُنشِئ علاقات اجتماعية معينة؛ يجب عليه أن يعرف حكم الشَّرع في ذلك.
إذا أراد أن يدخل في بناء شخصيته وتربيته لأولاده، يجب عليه أن يتعلم الأصول التي تركها بيننا رسولنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
عندها يصبح الإنسان في أمان، يصبح الإنسان في طمأنينة فضلا عن صياغة شخصيته الأخلاقية والقيميَّة، عن شخصيته ومظهره وطريقه تفكيره وأعمال قلبه؛ وهذا الذي يعبر عنه العلماء بمقام الإحسان. السلوكيات والأخلاقيات وتزكية النفس، حتى لا يضيع المسلم في متاهات كثيرة وأنماط كثيرة من التربية المصطنعة التي بثتها فينا أصحاب الأفكار الهدامة وجعلوها وكأنها مبادئ قيمة، وهي في الحقيقة تدمير للعائلة وتدمير المجتمع.
فإذا أردنا أن نبحث عن صورة المسلم الأخلاقية، نبحث عنها في توجهات رسولنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، في آيات القرآن، في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، في حياة الصحابة، في مسالك الأولياء.
العقيدة، التشريعات، الإحسان، مقام التزكية، الأمور القلبية؛ هذه أصول لا بد لكل إنسان مسلم أن يبذل نفيس وقته حتى يتعلمها، وحتى يتعرَّف.
العلم والإيمان
لذلك؛ كما قلنا أيها الأحِبَّة، العِلم أمان، يحرسك ويحرس وعائلتك، يحُول بينك وبين الوقوع في الحرام. ولذلك قال العلماء: لا يكفي للإنسان أن يباشر بالعبادة، أو أن يباشر بالمعاملة؛ بل يجب عليه أن يتعلم الحكم الشرعي قبل المباشرة في العبادة.
وكثيرٌ من الأئمة جعلوا من شروط صِحَّة الصلاة، العلم قبل الشروع بها. فمن لم يتعلم، وباشر في صلاته أو في صيامه -حتى لو وافق فعله الصواب- لا يُقبَل عِند الله -عز وجل-.
وكل من بغير علم يعمل _ أعماله مردودة لا تقبل
حتى ولو وافقت في الظاهر الصواب.
من شروط صحة العمل أن يسبقه العلم، من شروط صحة حياتنا وحركتنا في هذه الدنيا أن يسبقها العلم. وهذا يتطلب منا ثم أمورًا ثلاثة:
الأمر الأول: أن نختار العلماء الربانيين. فالعلماء ورثة الأنبياء، هم الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه، ولا يخشون أحدا إلا الله. هم الذين ينصحون الحاكم، لا يتبعون الحاكم ولا يبررون له ظلمه أو طغيانه أو قتله للشعوب، كما نرى الآن في كثير من الدول، ترى بعض العلماء -للأسف- يصفقون بحمد الظالِم والطَّاغية.
هؤلاء من العلماء ما نالوا من العِلم إلا اسمه؛ ولكن في حقيقة الأمر أول من يُساءلون يوم القيامة، وأول من تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة.
ولذلك يجب علينا أن نختار العلماء الربانيين الذين جعلوا دينهم لله، وحياتهم لله، لا يبتغون شهرة ولا منصبًا ولا مالا ولا نفوذًا عند حاكمٍ أو ذي سلطان؛ إنما عِلمهم لله.
وهذا رأيناه في التاريخ.
فمَن دوَّن لنا علومنا الإسلامية كانوا علماء، زهدوا في الدنيا وعزفت نفوسهم وقلوبهم عنها، ففتح الله -تبارك وتعالى- عليهم.
كتبوا الكتب وألَّفوا المصنفات.
حتى لو جاءت اليوم مراكز أبحاث من عشرين عالمًا لا تستطيع أن تنجز ما أنجزه عالمٌ واحد من أولئك العلماء الربانيين.
فالأمر الأول أن نختار العلماء الصالحين، وأن نقصدهم في العِلم.
ثانيا: أن نحمي أنفسنا وأولادنا من العلوم الزائفة التي تُبَثّ اليوم عبر وسائِل الاتصال، التواصل الاجتماعي.
تأتيك معلومات من هنا وقصص من هناك وأحاديث وتفسيرات ومقاطع فيديو لهذا أو ذاك، وكلهم غير ثِقات. وهذا الذي تحدثنا عنه سابقا في عملية التجهيل المتعمَّد للأمة الإسلامية.
هناك جهل، هذا جهل بسيط يصيب الإنسان بعدم العلم، يعالجه بأن يتعلم. وهناك عملية تجهيل للأمة الإسلامية، بَثّ معلومات كثيرة تصل لكل إنسان، وهذه المعلومات غير صحيحة.
وفتاوى غير صحيحة، وقصص من التاريخ غير صحيحة.
فالأمر الثاني أن نحمي أنفسنا وأولادنا وأهلنا من مجيء هذه المعلومات الخطأ، وهذا يتحقق بالخطوة الأولى وهي التواصل مع العلماء الصادقين.
الأمر الثالث: أن نُفرِّغ الأوقات. طلب العلم من أرقى العبادات، حتى أن الإمام الشافعي -رضي الله عنه- قال: طالب العلم مقدم على صلاة النافلة.
فلو جِئت إلى المسجد وهناك حلقة عِلم تُقَام، الجلوس بها مقدم على صلاة النافلة.
تصلي ركعتي تحية المسجد وتجلس.
أما أن تقف تتنفَّل وحدك، فاجرك أقل من أن تجلِس في حلقة العلم. لأن حلقة العلم والتعلم لا ينحصر بك، يتوسع إلى أهلك، إلى محيطك، إلى عائلتك، إلى الناس الذين تتعامل معهم، إلى تطهير مالك، تصحيح معاملاتك، تقويم العبادة؛ كل هذا يُتَحَصَّل في حقيقة الأمر من طلب العلم.
خُذُوا حِذْرَكُم
والأُمَّة اليوم -كما ذكرت- يُتَعَمَّدُ لها أيها الأحِبَّةُ أن تُجَهَّل. يُجَهِّلُونا في تاريخنا القديم وتاريخنا الحديث، يُجَهِّلُونا بتاريخ فلسطين والقدس، يُجَهِّلُونا بمواطِن العزة والنصر والتمكين للأُمَّة، ويحاولون إشعارنا من خلال التعمية، وهذا التجهيل، يحاولون إشعارنا بالوهن والضعف.
ولكن العلم بالدين وبسيرة خير المرسلين -عليه الصلاة والسلام-، وبتاريخ وأمجاد المسلمين؛ يقول غير هذا. يقول بأن هذه الأُمَّة هي أمةٌ لها شوكتها ولها قوتها ولها منعتها ولها تاريخها ولها حضارتها.
يُجَهِّلُونا بالقرآن وبسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ليخترعوا أنماطًا جديدة من المفاهيم المغلوطة. كل هذا تحت عناوين خطيرة: التجديد، والضارة، والخطاب الديني الحديث.
نحن مع التجديد ولكن دون ترك أصول ديننا، نحن مع تطوير الخطاب الديني كأسلوب في توصيل المعلومة لا بنسف قيم الدين والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
فيجب علينا أن نحذر أيها الأحِبَّةُ من هذه الطروحات الخطيرة التي -للأسف- يُنْفَق عليها المليارات في العالم لبَثّ مثل تلك الأفكار الخطيرة.
ثُمَّ -في نهاية الكلام أيها الأحِبَّةُ- أدعو أن نختار من أبنائنا الأذكياء والنجباء لنفرغهم في طلب العلم الشرعي، لنفرغهم ليكونوا علماء المستقبل القريب، ليقودوا سفينة العلم، ويقودوا سفينة الفهم والتفسير والحديث والفقه، وكل هذه العلوم.
فليختر كلٌ منا شابًا من أبناؤه، ذكيًا، نجيبا، عنده الشخصية القيادية، عنده الشخصية القوية؛ ولنشتغل عليه لنصنع جيلا قريبا -إن شاء الله- من العلماء الربانيين، يكونوا أهلا لحمل لواء هذا العلم، والسير بهذه الأُمَّة إلى شاطئ الأمان.
أسأل الله -عز وجل- أن يجعلني وإياكم من طلبة العلم الحق، وأن نكون على هَدي نبينا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو الذي قال «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». أن نكون من الذين قد بُشِّروا بأن الحيتان في البحر تستغفر لهم وهم يطلبون العلم.
أسأل الله -عز وجل- أن يحشرني وإياكم في زُمرَة العلماء الربانيين العاملين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله نحمده، اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد على كل حال.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله.
أيها المؤمنون، اتقوا ربكم فيما أمر، ولننته عما نهى عنه وزجر. ولنعلم أن ربنا قد على نبينا قديمًا. قال تعالى، ولم يزل آمِرًا حكيما، تعظيما لقدر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وتكريما {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا.
الدعاء
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.
اللهم عافنا واعف عنا وتب علينا يا غفار.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
اللهم ثبتنا على الإيمان وأمتنا على الإيمان، نلقاك وأنت راضٍ عنا يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحمنا إذا جاءنا ملك الموت، اللهم ارحمنا إذا وُضِعنا تحت التراب، اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة يا أرحم الراحمين.
اللهم أقسِم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين المعاصي.
اللهم فرج عن المسلمين في كل مكان، اللهم فرج عن المسلمين في فلسطين وأكرمنا بتحرير المسجد الأقصى يا رب العالمين.
اللهم فرج عن المسلمين في سوريا، اللهم أغِثهم يا الله.
اللهم من أراد بالمسلمين خيرًا فوفقه إلى كل خير، ومن أراد بهم شرا فخذه أخذ عزيز مقتدر يا جبار.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. أقِم الصلاة.
خطبة عن العلم
ألقاها فضيلة الشيخ أمين الكردي -حفظه الله-.
فحواها: مزيد تنبيه وتنويه وحَثّ على فضل العلم وفضل طلبه وتحصيله والعمل به، سواء كان المقصود العلم الشرعي أو ذاك الدنيوي النَّافِع، أو حتى علم السلوكيَّات والأخلاق والمعاملات.
كلمة المحرر
وكما سمع بعضكم من قَبل خطبة عن العلم للشيخ محمد حسان والنابلسي وغيرهم من الأئِمَّة والدعاة، فاليوم نضع مزيد فائِدة بخطبة جمعة أخرى تتحدَّث عن الموضوع ذاته، وهو فضل طلب العلم الشرعي والدنيوي وأثره على الفرد والمجتمع. فهو -بلا شك- أساس النجاح في حياة كل مسلم.
ولتتواكَب هذه الخطبة مع يوم العلم أو استقبال الطلاب لعام دراسي جديد، أو حتى من باب حَثّ الشباب والنشء على طلب العلم والتعلم والعمل. فهذه كلها مقاصِد حميدة يجب أن يُنوَّه إليها دومًا من الأئِمَّة والخطباء والوُعَّاظ.