خطبة جمعة «ضرورية» عن الصلاة وبشراها للمؤمنين

خطبة جمعة «ضرورية» عن الصلاة وبشراها للمؤمنين

مقدمة الخطبة

الحمد لله، فرض على عباده الصلاة، وجعل فيها لقلوب المؤمنين راحة وسعادة، سبحانه وبحمده، إياه نعبد، وإياه نستعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، ومنزل الكتاب المبين، لا ريب فيه هدى للمتقين. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، النبي المصطفى، خير من قام وصلى، وآمن واتقى، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقواه، فمن اتقاه وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن استعان به هداه ﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المسلمون: إن الصلاة ضرورة روحية، جعلها الله في الإسلام صلة رابطة بينه وبين عباده، وسبيلا إلى السلام الداخلي، والسكينة النفسية، والطمأنينة القلبية.

والصلاة عبادة عظيمة، وهي من أركان الإسلام، التي لا يقوم عليها بنيان التسليم الصادق لله إلا باستشعار عظمتها وأدائها، وقد بين الرسول ﷺ أركان هذا الدين بقوله: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان».

والصلاة -يا عباد الله- قوة معنوية، تدفع بالسلام من الداخل إلى الخارج، فتعين مؤديها على النظر إلى الحياة نظرة يملؤها الأمل، متشبعة بالكرامة والمحبة، ومتمسكة بالإيمان والإخلاص، كيف لا؟ ومؤديها يستعين بالصبر بها على الشدائد، وتقلبات الزمان، وتغيرات الأحوال، وقد قال فيها الذكر الحكيم: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾.

أيها المؤمنون: يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾، وهذا الأمر بالمحافظة على الصلاة، إنما جاء لأهميتها في تطهير الروح وتزكية النفس.

والمتأمل في الصلاة، يجد حكمة إلهية في تعدد مواقيتها ودقتها ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾، وفي اختلاف مناسباتها: كالصلوات الخمس في اليوم والليلة، وصلاة الجمعة والسفر، والاستسقاء والخوف، والخسوف والكسوف، وغيرها، وفي طرق أدائها كالتقصير والتخفيف والتيسير على المسافر والمريض، وهذه الحكمة هي توثيق الصلة بين العبد وربه في جميع أوقاته وأحواله، وتقريبه من القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة، وإبعاده عن شرها وسيئها، رفعة لذاته ونفسه، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾، وفي الحديث عن الرسول ﷺ أنه قال: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا».

عباد الله: عندما يقف المصلي بين يدي ربه، يبدأ معراجه الروحي بتكبيرة الإحرام، فيستشعر بقوله “الله أكبر” عظمة الخالق، وقدرة الرب عليه وعلى ما سواه في الوجود، فلا شيء فوق عظمة الله وقدرته، فيقر بربوبيته، ويطمئن قلبه، وتقر عينه، بأن الله خالقه لا يعجزه شيء، وأنه كافيه، بنعمه التي لا تعد ولا تحصى، حتى إذا ختم صلاته بالسلام، أطفأ معه ما يكون في النفس من علل، وفي القلب من هم ووجع وغل، راجيا ربه أن يجعله من المتقين ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

هذه أيضًا ⇐ خطبة عن تارك الصلاة «مكتوبة» مؤثرة

الخطبة الثانية

الحمد لله، أحمده سبحانه وأستعينه وأستغفره وأستهديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين وسلم وبارك.

أما بعد، فيا أيها المسلمون: إن الصلاة رحمة مهداة، من الله الرحمن الرحيم، إلى عباده المؤمنين المتقين، وبالصلاة يصبح المسلم جزءا محوريا وجوهريا من هذا الكون، يتشارك مع مخلوقاته سرا من أسرار هذا الوجود المهيب، ألا وهو سر الحركات والسكنات وفق منظومة ربانية محكمة، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾.

ويكفي المصلي منزلة وشرفا أن شمله الله في وعده للمؤمنين بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

فاستبشروا أيها المصلون المؤمنون، وأقبلوا على الله بأرواحكم قبل أجسادكم، أقبلوا عليه بقلوب مطمئنة، ونفوس يملؤها الوقار والسكينة، واستحضروا عظمة صلاتكم، وعظيم ما وعدتم به من الرحمة والأجر والثواب، حتى تخشع قلوبكم وتلين، ويستجيب دعواتكم القوي المتين ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

أضف تعليق

error: