نقدم لكم خطبة الشيخ محمد حسان في عيد الفطر المبارك. هذا العيد الذي يهِل علينا بعدما ودَّعنا شهر رمضان بما فيه من صيامٍ وقيامٍ وأعمال بِرٍّ كثيرة. وها نحن نحتفل في يوم الجائِزة، وفي بداية اليوم بالطَّبع مع صلاة العيد ومِن ثَمّ مع الخطبة. فاقْرَأُوا ما أمتعنا به الشيخ الجليل الفاضل محمد حسَّان -حفظه الله وبارك فيه-.
مقدمة خطبة عيد الفطر
اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهِن، ولك الحمد أنت قيوّم السماوات والأرض ومن فيهن؛ ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد ﷺ حق.
اللهم لك أسلمنا، وبِك آمنا، وعليك توكَّلنا، وإليك أنبنا، وبك خاصمنا وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا. أنت المُقدِّم وأنت المؤخِّر؛ لا إله إلا أنت.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، وصفي الله وخليله. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
خطبة عيد الفطر للشيخ محمد حسان
أما بعد؛ فحيا الله هذه الوجوه المشرقة الطيبة، وزكى الله هذه الأنفس الكريمة الزكية، وشرح الله هذه الصدور العامرة بحب الإسلام. طبتم وطاب سعيكم وممشاكم، أيها الآباء الفضلاء، وأيها الإخوة الأحباب الأعزاء، وأيها الأخوات الفاضلات؛ أسأل الله ﷻ الذي جمعنا في هذا الجمْع المهِيب المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخِرة مع سيد الدعاة المصطفى؛ في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أيها الموحدون، يا من أمركم الله بالصيام فصُمتم، ويا من سَنّ لكم رسول الله قيام رمضان فقُمتم، وخرجتم اليوم في هذا الجمع المهيب المبارك تسألون الله مغفرته ورضوانه؛ أسألكم بالله، ما ظنكم برب العالمين ﷻ؟ ما ظنكم برب حليم كريم رحيم؟ يتودد إلى عباده الذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي والذنوب. يتودد إليهم وينسبهم عبادا له، ويقول ﷻ ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
أيها الموحدون، كيف يتودد الله إلى أهل المعاصي والذنوب، ولا يتودد إلى أهل الطاعة، إلى أهل الصيام الذين صاموا، وإلى أهل القيام الذين قاموا!
أنا إن تبت منّاني
وإن أذنبت رجّاني
وإن أدبرت ناداني
وإن أقبَلت أدناني
وإن أحببت والاني
وإن أخلصت نجّاني
وإن قصرت عافاني
وإن أحسنت جازاني
إلهي أنت رحماني
فصَرِّف عني أحزاني
يوم الجائزة
أبشِر يا من توحِّد الله ﷻ، أبشِر يا من صمت نهار رمضان، وقمت الليل، أبشِر يا من قرأت القرآن، أبشِر اليوم بمغفرة الله ﷻ في يوم الجائزة.
ما ظنكم بعبدٍ ذليل، مُحبٍ، أجيرٍ، عَمل ما كلَّفه به الملك القدير. والله الذي لا إله غيره لا نجِد اليوم عنده ﷻ إلا المغفرة ﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
المغفرة هي ستر العيوب ومغفرة كل الذنوب. والفضل زيادة من علام الغيوب.
وإذا كانت الهدية من عند الملك، جاءت مُضَمَّخة بطيبه؛ فكيف اذا كانت الهدية من مالك الملك، وملك الملوك ﷻ! إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، فأحسِن ظنك بربك اليوم، وكُن على يقينٍ مُطلقٍ أن الله ﷻ يُباهي الآن ملائكته في الملأ الأعلى؛ بامة محمد ﷺ، بمن صاموا لله ﷻ، وقاموا الليل إيمانا بالله واحتسابا للأجر من الله ﷻ. أبشر بقول الله ﷻ ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.
كُن على يقين وأحسن ظنك برب العالمين أنه ﷻ سيبدل السيئات حسنات. روى مسلم في صحيحة من حديث أبي ذر أن النبي ﷺ قال «إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وآخر أهل النار خروجا منها، رجل يؤتى به يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: رب، قد عملت أشياء لا أراها هاهنا».
يعني إذا كانت الذنوب قد حُولت إلى حسنات، فهو يبحث عن ذنوبه ومعاصيه الكبيرة، لأنه رأى فضل ربه ﷻ، رأى أن الله يبدل سيئاته حسنات.
فأبشر بفضل الله عليك. فهذا يوم الجائزة، هذا يوم المغفرة، هذا يوم الفضل. ولا يعلم حدود فضل الملك إلا الملك ﷻ.
الاستقامة على الطاعة بعد رمضان
لكن اسمح لي أيها الحبيب الكريم وأيتها الفاضلة الطاهرة أن أوصي نفسي وإخواني ممن مَنّ الله عليهم بالطاعة في رمضان، بوصية غالية لسيدنا رسول الله ﷺ، في صحيح مسلم، أن أبا عمرة سفيان بن عبد الله، قال: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا اسأل عنه أحدًا غيرك. فقال له ﷺ «قل آمنت بالله ثم استقم».
يا أهل الطاعة يا من تذوقتم حلاوة القرب من الله، ولذة الأنس بالله في رمضان؛ استقيموا على الطاعة. والاستقامة هي لزوم الصراط المستقيم، بامتثال الأمر واجتناب النهي والوقوف عند الحد؛ بعلمٍ وإخلاص واتباع.
فالاستقامة دائرة على الأقوال والأعمال والأحوال. أي أن تستقيم الأقوال على الصدق، وأن تستقيم الأعمال على اتباع المصطفى، وأن تستقيم الأحوال على الإخلاص.
عرَّفها صديق الأُمة الأكبر، فقال: الاستقامة ألا نشرك بالله شيئا.
وعرَّفها عمر بن الخطاب، فقال: الاستقامة أن نستقيم على طاعة الله، وألا نروع روغان الثعالب.
وعرَّفها عثمان بن عفان -رضي الله عنهم جميعا-، فقال: الاستقامة هي تحقيق الإخلاص لله ﷻ.
وعرَّفها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فقال: الاستقامة هي الاستقامة على أداء الفرائض التي افترضها الله ﷻ.
وأصل الاستقامة أن يستقيم القلب على توحيد الله، فإن استقام القلب على التوحيد استقامت الجوارح كلها على طاعة العزيز الحميد ﷻ.
ولكننا لسنا ملائكة بررة، قد لا يستطيع أحدنا أن يُحقق تمام وكمال الاستقامة، وهنا يبشرنا نبينا بقوله «استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن».
فمن لم يستطع أن يحقق كمال الاستقامة فليُسدد وليُقارب. قال سيدنا رسول الله ﷺ «سددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة».
واعلم أنه لن يدخل أحدٌ مِنا الجنة بعمله، ليُعَلِّق قلبه برحمة الله. فأدِّ ما عليك، وكن على يقين أن عملك لن يدخلك الجنة. كما في صحيح مسلم، قال ﷺ «لن يدخل أحد الجنة بعمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل».
بك أستجير ومن يجير سواك
فأجر ضعيفاً يحتمي بحماك
إنِّي ضعيف استعين على قوى
ذنبي ومعصيتي ببعض قواك
أذنبت يا ربي وآذتني ذنوبي
ما لها من غافر إلّاك
دنياي غرتني وعفوك غرني
ما حيلتي في هذه أو ذاك
لو أن قلبي شك لم يك مؤمناً
بكريم عفوك ما غوى وعصاك
رباه ها أنا خلصت من الهوى
واستقبل القلب الخلي هواك
يا غافر الذنب العظيم وقابلاً
للتوب قلب تائب ناجاك
أترده وترد صادق توبتي
حاشاك ترفض تائباً حاشاك
فليرض عني الناس أو فليسخطوا
أنا لم أعد أسعى لغير رضاك
ما جزاء الاستقامة على الطاعة؟
﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾.
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ | نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ | نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ﴾.
ما هو النُزُل أيها الأطهار؟ النُزُل هو ما يُهَيّأ للضيف من كرامة. وأرجو أن تتخيلوا أيها الأكارم نُزُلا يهيئه ملك الملوك ﷻ. هل تعلم مكانة أدنى رجلٍ في الجنة؟ مكانة أقل رجلٍ منزلة في الجنة؟
في صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن موسى بن عمران سأل ربنا ﷻ وقال: يا رب، ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ فقال الله لموسى: ذاك رجل يجيء فيُقال له ادخل الجنة. فيدخل، فينطلق الرجل، ويرجع إلى الملك ويقول: يا رب، لقد نزل منازلهم، وأخذوا أخذاتهم -أنا ماليش مكان- فيقول الله ﷻ: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت يا رب؟ فيقول الملك: لك ذلك.. ومثله، ومثله، ومثله، ومثله، ومثله. فيقول العبد للرب وهو يقول في الخامسة: رضيت يا رب، رضيت يا رب. فيقول ربنا ﷻ: لك ذلك وعشرة أمثاله معك، ولك ما اشتهت نفسك وقرَّت عينك. قال موسى بن عمران: يا رب، هذا أدنى أهل الجنة منزلة، فما أعلاهم منزلة! فقال ﷻ: أولئك الذين غَرَست كرامتهم بيدي، وختمت عليها؛ فلم تر عينٌ ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر.
اقرأ أيضًا: خطبة عيد الفطر مكتوبة «شاملة»
دعاء خطبة عيد الفطر المبارك
- يا رب لا ترد هذا الجمْع إلا بذنبٍ مغفور، وسعي مشكور، وتجارةٍ لن تبور.
- يا رب؛ اللهم إن هؤلاء هم الموحدون من أُمة حبيبك، أمرتهم بالصيام فصاموا، وسن لهم حبيبك القيام فقاموا، وخرجوا إليك اليوم في هذا المشهد الكريم يرفعون إليك أكُف الضراعة فلا تردهم خائبين؛ اللهم لا تردهم خائبين، اللهم لا تردنا خائبين، ولا من رحمتك قانتين، ولا من مغفرتك وعفوك يائسين.
- اللهم لا تدع لأحدٍ من إخواني وأخواتي في هذا الجمْع المبارك ذنبًا إلا غفرته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا دينا إلا قضيته، ولا ميتا لنا إلا رحمته، ولا عاصيا بيننا إلا هديته، ولا طائِعا إلا زِدته وثبتّه، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.
- يا رب انصر الإسلام وأعِز المسلمين، يا رب انصر الإسلام وأعز المسلمين، يارب احقن دماء المسلمين. اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين في سوريا وفي ليبيا وفي اليمن وفي العراق، وأغِث أهلنا في الصومال، واحفظ أهل مصر يا كبير يا مُتعال وسائر بلاد المسلمين.
- يا رب استر نسائنا، واحفظ بناتنا، وأصلح شبابنا. اللهم أصلح شبابنا، اللهم أصلح شبابنا، اللهم اهد أولادنا.
- ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾. اللهم اجعلنا للمتقين إماما.
- يا رب لا تجعلنا مِمن صام وقام، ولم يُرضِك يا أرحم الراحمين، اجعلنا من المقبولين، واجعلنا من عتقائك من النار، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار.
- اللهم اختم رمضان برضوانك، واجعل مآلَنا إلى جنانك، وأعِذنا من سخطك ونيرانك برحمتك يا أرحم الراحمين.
- أُشْهِد الله أنني أحبكم جميعا في الله، وأسأل الله أن يجمعني بكم مع حبيبنا المصطفى في الفردوس الأعلى، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
- كُل عامٍ وأنتم بخير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
شاهِد أيضًا: خطبة عن عيد الفطر «مكتوبة – جاهزة – كاملة»
كانت هذه خطبة مبارَكة للشيخ محمد حسان -حفظَه الله- في يوم عيد الفطر المبارَك. نسأل الله ﷻ أن تنتفعوا بها جميعًا، سواءً أئمة أو مأمومين. كما نسأله ﷻ أن يجعل ما نقدمه لكم من خُطَب ودروس ومحاضرات في ميزان حسناتنا.
فلِمن يرغب في الاطلاع على الخطبة مباشرةً فها هي بين يديه. ومن أراد أن يحفظ الصَّفحة أو يطبعها حتى يطَّلِع عليها بدون الاتصال بالانترنت، فلا مانِع. ومن يرغب -كذلك- في الخطبة كاملة لكن بصيغة pdf فلا يتردَّد في طلبها، وسوف نعمل -بحول الله وقوَّته- على توفيرها له بهذه الصيغة، كما يُحِب.
وهذه أيضًا: خطبة يوم عيد الفطر المبارك «جاهزة بالعناصر والفقرات والدعاء»