خطبة: الشهادتان وما يجب على المسلم معرفته من العقائد – مكتوبة

خطبة: الشهادتان وما يجب على المسلم معرفته من العقائد - مكتوبة

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي أمرنا بالتوحيد، وأرشدنا إلى الإيمان بالله وبالرسل صلوات ربي وسلامه عليهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ختم به الأنبياء والمرسلين، وجعل الإيمان به فوزاً عظيماً، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعد؛ فيقول ربنا ﷻ في كتابة المبين ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

الخطبة الأولى

عبادَ الله: أول أركان الإسلام التي تجب على المكلف شهادتا التوحيد، (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله)، وهذه الكلمة هي العلامة التي جاءت في الشرع دلالة على إيمان صاحبها، قال رسول الله ﷺ: “بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ” صحيح البخاري، وقال رسول الله ﷺ: «الإيمان بضع وسبعون – أو بضع وستون – شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان” رواه مسلم.

فيجب على المؤمن أن يعلم ويعتقد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أي لا معبود بحق إلا الله، إله عظيم ملك كبير، وأنه سبحانه وتعالى لا ربّ سواه، ولا معبود إلا إياه، قديمٌ دائمٌ أبدي لا ابتداء لأوليته ولا انتهاء له، أولٌ آخرٌ، أحدٌ صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد لا شبيه له ولا نظير وليس كمثله شيء وهو السميع البصير مقدس عن الزمان والمكان ومشابهة الأكوان لا تحيطه الجهات ولا تعتريه الحادثات قريب من كل موجود وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، وأنه تعالى على كل شيء رقيب وشهيد، حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، بديع السماوات والأرض، {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117]، وأنه تعالى على كل شيء قدير، أحاط بكل شيء علما، {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61]، وأنه لا يكون كائن من خير أو شر أو نفع أو ضر إلا بقضائه ومشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولو اجتمع الخلق كلهم على أن يحركوا في الوجود ذرة أو يسكنوها دون إرادته تعالى لعجزوا عنها.

والجزء الثاني من الشهادتين: أشهد أن محمداً رسول الله، يعني أن العبد يؤمن بسيدنا محمد ﷺ، وأنه عبد الله ورسوله، أرسله إلى كل الناس، عرباً وعجماً، بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صادق أمين مؤيد بالبراهين الصادقة والمعجزات الخارقة، وأن الله فرض على العباد تصديقه وطاعته واتباعه، وأنه لا يقبل إيمان عبد وإن آمن به سبحانه حتى يؤمن برسالة سيدنا محمد ﷺ، وبجميع ما جاء به، وأخبر عنه من أمور الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 157، 158]، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15].

عباد الله: “الشهادتان” بما تتضمن من معان ولوازم هما الأساس في العمل القويم والخلق المستقيم وسبب النجاة في الدارين، فالمؤمن يجب عليه أن تكون أعماله وفق إيمانه واعتقاده من استقامة وعمارة وتحقيق مقتضيات التكليف والخلافة، قال رسول الله ﷺ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» صحيح مسلم، وقال رسول الله ﷺ: «أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لِلَّهِ» رواه الترمذي.

وكي يتحقق المؤمن بمعاني (لا إله إلا الله محمد رسول الله) يقيناً، فلا بدّ أن يكون إيمانه عن تفكر وعلم امتثالا لقوله سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]، ويلزم من الإيمان بلا إله إلا الله محمد رسول الله: الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الاخر والقضاء والقدر كما أخبر القران الكريم: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285]، والسنة المطهرة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَلِقَائِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ» رواه البخاري.

وشهادة التوحيد تقتضي أن يتبع المؤمن كل ما جاء به القرآن الكريم، وجاءت به السنة النبوية المطهرة، وأن يكون قلبه تبعا لهذه الأوامر في كل شيء، يقول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين} [التوبة: 24].

هنا أيضًا ⇐ خطبة عن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله).. تطيب لها القلوب والجوارح

الخطبة الثانية

اللهم لك الحمد والشكر، على نعمة الإيمان التي أغدقتها، وعلى فضل الإسلام الذي هديتنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.

عباد الله، إن الشهادتين هما أساس العقيدة، وروح الإسلام ومفتاح الجنة، من نطق بهما بصدق قلبه وعمل بهما في حياته، فقد أفلح ونجح واهتدى إلى صراط ربه المستقيم. فلنحفظ هذه الكلمة الطيبة، ونثبت عليها في السر والعلن، ونعمل بما تقتضيه من الإيمان بالله ورسوله، من توحيدٍ في العبادة، واتباعٍ في السنة، وصدقٍ في الأعمال.

وقد بيّن لنا الإسلام من خلال الشهادتين أعظم المبادئ وأصل العقائد، فطريق المسلم هو الإيمان بالله، وتصديق رسوله، والاعتقاد بالآخرة، وإصلاح النية، والعمل بالجوارح. فلنحرص على أن تكون هذه العقيدة أصلًا ثابتًا في قلوبنا، وأن نعمل على نشرها بين الناس، وأن نجعلها سلوكًا حياتيًا في كل قول وعمل.

اللهم اجعلنا من أهل التوحيد، ووفقنا لما تحب وترضى، وثبت قلوبنا على الإيمان، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم… وأقيموا الصلاة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top