اليوم نوفِّر خطبة عن السرورية مكتوبة ومُعزَّزة بآيات من الذِّكر الحكيم، والأحاديث النبويَّة المطهَّرة. هنا نظرة عن كثب على هذا التنظيم وما يمثله من تهديدات تجاه الأوطان.
وكما اعتدنا أن نلتقي بكم في ملتقى الخطباء بموقع المزيد، نسلِّط الضوء على خُطَب ذات أهميَّة بالغة بالوقت والحين، وما يلزم الأئِمَّة والخطباء في كافَّة الأقطار العربية؛ مثل: الإمارات، البحرين، الكويت، السعودية، عمان، قطر، اليمن، الأردن، سوريا، لبنان، فلسطين، العراق، مصر، المغرب، ليبيا، تونس، الجزائر، السودان، موريتانيا. نُقدِّم لكم هنا خطبة جمعة عن السرورية وخطرها على مجتمعاتنا.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
الخطبة الأولى
أيها المسلمون؛ إن المحافظة على الجماعة من أعظم أصول الإسلام، وهو مما عظمت وصية الله تعالى في كتابه العزيز، وعظم ذم تركه، إذ يقول جل وعلا {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}. وقال سبحانه {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون}.
والمحافظة على الجماعة أصلٌ عظمت وصية النبي صلى الله عليه وسلم به في مواطن عامة وخاصة؛ مثل قوله عليه الصلاة والسلام «يد الله مع الجماعة»؛ رواه الترمذي. وقوله عليه الصلاة والسلام «من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»؛ رواه مسلم.
أيها الناس؛ لقد أنعم الله على أهل هذه البلاد باجتماعهم حول قادتهم على هدي الكتاب والسنة، لا يفرق بينهم، أو يشتت أمرهم تيارات وافدة أو أحزاب وجماعات؛ امتثالا لقول سبحانه {ولا تكونوا من المشركين | من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون}.
فالإسلام أيها المسلمون، عقيدةٌ وعمل؛ فالعقيدة هي الإيمان والتسليم بما ورد من النصوص الصحيحة الصريحة في الكتاب والسنة فقط، والعمل بمقتضى هذه النصوص وعدم الإخلال بها.
فمسائِل الاعتقاد أمورٌ حساسة قد يولج الإخلال بها العبد النار، فلا يخرج منها. وأعظمها التوحيد، ونظيره الشرك. قال تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما}.
ففي الجانب العقدي قد تنشأ المخالفات التي تُحبِط العمل كله، كالشرك بالله، أو تنقص العمل كالرياء ونحوه.
وأما الجانب العملي؛ فهو أن يعمل المسلم مقتديًا برسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وعملا، متبعًا لسنته. قال تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب}.
وهذا الجانب العملي يشمل العبادات؛ كالصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها، ويشمل المعاملات؛ كتعامل العبد مع الناس ابتداء من ولي الأمر إلى تعامله مع المسلمين، وحتى غير المسلمين؛ فدين الله ليس بحاجة لمن يكمله؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك أمرا إلا بيّنه؛ قال تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.
أيها المسلمون؛ كل الفرق التي نشأت في غابر الزمان إلى وقتنا هذا إنما أنشأها دعاتها لتحقيق مآرِب دنيويَّة، أو إفسادٍ للدين.
فالفرق التي تتفق بعض معتقداتها مع معتقد أهل السنة والجماعة، وتخالف أصول العقيدة التي تؤكد على طاعة ولي الأمر ولزوم البيعة والتسليم بجميع النصوص الواردة في ذلك؛ ومنها قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}؛ وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».
فكل هذه الفرق التي تخالف هذا الأصل هي فرقٌ تسعى للسلطة وتفريق الكلمة وتمزيق الوحدة.
التنظيم السروري
نبتت في مجتمعات المسلمين اليوم عامة، وفي مجتمعنا هذا خاصة نبتة منهجية حزبيَّة إرهابية تخريبية، ما يسمى بالتنظيم السروري الذى أسسه محمد بن سرور زين العابدين، من أصلٍ سوري.
من هم السرورية؟ هم جماعة نشأت إخوانية وتربت في جماعة الإخوان المسلمين، ثم انشقت عنهم، وبدو أصحاب هذا التنظيم باستغلال التدريس ليروجوا الانحرافات وأفكارهم بين الطلاب وفي المجتمع؛ حتى خرج من بعض أبنائنا من عقد عقيدة الخوارج، يكفروا ولاة أمرنا وعلمائنا ورجال أمننا، ويؤيد الثورات والمظاهرات، ويحرض للذهاب لمواطن الصراع والقتال باسم الجهاد، وينشر تلك الانحرافات في المجتمعات.
ومن مكر مؤسس هذا التنظيم أنهم لما وجدوا أن دولتنا قائمة على الكتاب والسنة، وأن للعلم الشرعي مكانة عظيمة والناس مع ولاة أمرهم وعلمائهم على كلمةٍ واحدة، لم يستطيعوا أن يظهروا ما عندهم، فأظهروا أنهم على منهج أهل السنة وأنهم مهتمون بالعلم الشرعي، وأبطنوا ما هم عليه من انحرافات وأفكار إخوانية إرهابية؛ فراج منهجهم بين فئة من الشباب بخفاء، وكبر في أعين الناس، فانجرف من العامة من انجرف، جهلا بحالهم وإعجابًا بدعوتهم السلفية -بزعمهم- حتى قيض الله من فضح أمرهم وكشف خداعهم وتخطيطهم.
وما سمعناه من بيان هيئة كبار العلماء فيهم وفي منهج الإخوان حاضنهم أكبر دليلٍ على فساد فكرهم وتنظيمهم. فاتقوا الله عباد الله وكونوا يدًا واحدة من ولاه الله أمركم، واحذروا التفرُّق والتنازع والاختلاف، وكونوا على منهج سلفكم الصالح؛ فإن التنازل يؤدي إلى الفشل، والفشل يؤدي إلى الدمار وذهاب القوة؛ والله يقول «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم».
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله؛ الحمد لله الذي منَّ علينا بالأمن والإيمان، وغمرنا بالفضل والنعم والإحسان. وأشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الرحمن، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ المؤيد بالمعجزة والبرهان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والذين اتبعوهم بإحسان، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد؛ أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله خلقنا لعبادته، وأرسل إلينا رسولا يبين لنا الطريق الصحيح الواضح لهذه العبادة، والذي يجب على المسلمين أن يسلكوه، وهو صراط الله المستقيم ومنهج دينه القويم.
قال الله -جل وعلا- {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}.
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا ثم قال «هذا سبيل الله»، ثم خطَّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله، ثم قال «هذه سبل متفرقة، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله»؛ رواه أحمد.
فالحذر الحذر من هذه الجماعات المشبوهة والتنظيمات المحدثة. فوالله ما حلَّت في بلدٍ ونفثت فيها سمومها إلا ساده فيها التفرق والاختلاف، وبرزت الشحناء والبغضاء بين أبنائها، وحلَّ الدمار في ربوعها.
وقد قال الله تعالى {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم، فقال {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وارض اللهم عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.
الدعاء
- اللهم أعِز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعدائك أعداء الملة والدين.
- اللهم أرِنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
- اللهم وفق ولي أمرنا بما تحب وترضى، وخذ بناصيته إلى البر والتقوى.
- اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
- اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
- اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد على كل حال.
عباد الله؛ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
كلمة المحرر
ألقى هذه الخطبة المباركة فضيلة الشيخ محمد علي الغامدي؛ فجزاه الله كل خير.
إذا كنت بحاجة إلى خطبة جماعة السرورية وخطرها مكتوبة بصيغة PDF فيمكنك طلبها في التعليقات، وسنعمل على تلبية طلبكم، بعون الله وحوله وقوَّته.