في أزمِنَةٍ كثرت فيها الفواحِش والرذائِل والخنا؛ حريٌّ بالأئِمَّة إلقاء خطبة عن الزواج من حين لآخر. يتحدَّثون ويُحثّون على تيسيره وتبيان فضله وفوائِده؛ فضلا عن تفصيل ما ورد بشأنِ صفات الزوج الصالح والزوجة الصالحة في الشَّرع الإسلامي الحنيف.
هُنا، ونحن بكم ولكُم؛ في ملتقى الخطباء والدعاة بموقِع المزيد نوفر لكم خطبة مكتوبة عن الزواج وفضله وضرورَة الحَثّ عليه؛ وغيرها من النقاط التي تناولتها الخطبة بأسلوب جميل، ومحكم وبسيط في نفس الوقت. نتمنَّى لكم منفَعة عظيمة.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
الخطبة الأولى
أما بعد، فيا أيها الناس اتقوا الله الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء. خلق الله -عز وجل- آدم من تراب، وخلق حواء من ضلعه، وخلق ذرية آدم من ذكر وأنثى.
وقد أمر الله -عز وجل- أن يكون التناسل بين بني آدم عن طريق الزواج الشرعي، وأمرا أمة محمد -عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام- وأن يبادروا بتزويج من لا زوج له، فقال -سبحانه- في أحد آيات الترغيب في الزواج ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾.
أمر -سبحانه وتعالى- في هذه الآية أمة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- بالمبادرة بتزويج من زوج له.
والمبادرة إلى الزواج الشرعي أمر محجوب لله -تبارك وتعالى-، حثت عليه الشريعة لما في ذلك من المنافع العظيمة والفوائد الكبير، كغض البصر وإحصان الفرج وتكثير أمة محمد -صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها-.
لذلك حثَّ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشباب. فقال في أحد أحاديث الترغيب في النكاح التي وردت في السنة النبوية «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء».
هذا حديثٌ صحيح عن رسول الله -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- أمر فيه معشر الشباب -والأمر للشباب لكثرتهم بغير زوجٍ، وإلا فالأمر عام منه ﷺ للشباب وللشيب- أن يبادروا إلى الزواج فإن فيه من المنافع العظيمة الشيء الكثير.
وقد بين الشرع الشريف أن الزواج قد يكون سببا للغِنى، لا كما يتوهمه الكثير من الناس أن الزواج مكلف وأنه يحتاج إلى المال الكثير؛ لكِن الزواج سببٌ للغنى، كما قال الله -تعالى- ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
وليجتهد من يريد الزواج، أن تكون زوجه ذات دينٍ، فإن الشرع جعل للزوج صفات لا بد من توفرها، وجعل للمرأة كذلك صفات لا بد من توفرها.
فعلى المرء أن يتخير الصفات الواردة في كلام النبي -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات- للزوجة، فيبحث بمقتضى هذه الصفات.
وكذلك على أهل المرأة أن يبحثوا عن الصفات التي ذكرها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- للزوج، فيقبلوا من تقدم لهم إذا انطبق فيه الصفات التي ذكرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
صفات الزوج والزوجة الصالحين
أعظم صِفة تكون للزوجة وتكون للزوج هو أن يكونا ذا دين. فقد نصَّ الشرع المطهر أن تكون المرأة ذات دين، ففي حديث الرسول عن الزواج والنسب في سنته ﷺ «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من أراد أن يتزوج أن يظفر بذات دين لأن صاحبة الدين تحفظ زوجها في نفسه، وتحفظه في ماله، وتحفظه إذا خرج منها.
لذلك أمر النبي -صلّى اللهم عليه أفضل صلاة وأتمَّها- الزوج أن يتخيّر ذات الدين لأنها تعود عليه بالخير كله.
وكذلك لابد للمرأة أن تكون ذات ودٍ وأن تكون ذات ولادة، وهذا يعرف بالنظر في حال نساء قومها. ففي حديث الرسول عن اختيار الزوجة، يقول ﷺ «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم».
وكذلك من الصفات التي أمر الشرع المطهر بها في الأزواج أن يكون الزوج ذا دين؛ وهنا نقرأ في حديث الرسول عن اختيار الزوج، فقال ﷺ «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
فالذي يكون ذا دينٍ ويكون ذا خلقٍ إذا تقدم لامرأةٍ لا ينبغي أن يُرَد، أو أن يُرْفَض إذا تقدم لأهلِ بيتٍ، لأن صاحب الدين والخلق يعود بالخير على المرأة بالخير كله.
واقِع مرير
وقد تقلب الأمور رأسا على عقب، فصار الناس يبحثون عن صاحب المال، ولو لم يكن ذا دينٍ. فإن الناس لا يتورعون عن زواج نسائهم لمن لا يصلي، ولا يتورعون لزواج نسائهم لمن يشرب الخمر، ولمن يسب دين الله -تبارك وتعالى-.
وأصبح -إلا ما رحم ربي- المقياس عند كثير من الناس أن يكون الزوج المتقدم صاحب مال، فإن كان له مال فإنهم يرجون له كل خير إذا تزوج ابنتهم.
وإن كان ذا دينٍ وإن كان ذا خُلقٍ، فإنهم يرجون له كل شر إذا كان فقيرا.
لكن من أحب الله وأحب رسول الله -عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام- وفقِه سنن الله الشرعية، وسُننه الكونية، لا ينبغي أن يعدل عن الطريقة النبوية التي أمر بها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهي قبول صاحب الدين وصاحب الخلق.
وانظر إلى جمعه -صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها- بين الدين والخلق؛ لأن الرجل قد يكون ذا دينٍ، يحافظ على الصلاة، ويكونُ أمينًا، ولكنه ليس لديه أخلاق، فسيء الخُلق يُرَدّ ولا يُزوَّج له، فلا يُزوَّج إلا لمن جمع بين الدين والخلق.
هذا في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الزواج سُنَّة النبي ﷺ
عباد الله، إن الزواج سُنَّة نبيكم -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-. وفي فضل النكاح والترغيب فيه ما جاءنا في سنته ﷺ لمّا سمع بعض أصحابه، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله إليهم -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات-، فقال «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»
عباد الله؛ حببوا سنة نبيكم -صلى الله عليه وآله وسلم- لأنفسكم أولا، ولأبنائكم وبناتكم.
تيسير الزواج
عباد الله؛ يسروا أمر الزواج يعود عليكم هذا التيسير بالخير كله. فإن تيسير الزواج يعود على الأُمَّة جميعا بالخير كله.
رغبوا أبنائكم في الزواج؛ من بلغ منهم، وأصبح ذا مهنةٍ يتكسَّب منها. أعينوه على الزواج ولا تكونوا عونًا له على أن يعصي الله -تبارك وتعالى-.
عباد الله؛ قد انتشرت في الأُمَّة الأمراض، انتشر في المسلمين الزنا والخنا؛ وهذا كله لأجل أن الناس إن تزوجوا حصَّنوا فروجهم ولم ينظروا إلى تلك المعاصي.
عباد الله؛ اتقوا الله في أولادكم، وأعينوهم على الزواج، فهذا حق الولد على والده. حقه أن يختار له امرأة صالحة تكون أُمًا له، وأن يختار له اسما حسنا، وأن يربيه أفضل تربية. وإن كان ذا قدرة من حق الولد على الوالد أن يزوجه إذا بلغ الحلم.
اتقوا الله عباد الله، فكم من البنين والبنات فسدوا بسبب تأخير الزواج. وهذا ما أشار إليه النبي -صلّى اللهم عليه أفضل صلاة وأتمَّها- في قوله في الحديث السالف ذكره «..إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
إذا جاءكم من ترضون دينه فالواجب عليكم أن تزوجوه، فإذا أعرضتم عن هذا الهدي النبوي وعن هذه السنة النبوية فإنكم تعرضون أنفسكم للفتنة العظيمة، تعرضون أبنائكم لمعصية الله -تبارك وتعالى-.
لذلك -عباد الله- كان سلفنا الصالح يحثون أولادهم على الزواج، يحثون طلابهم على النكاح.
فقد ورد أن عمر -رضي الله عنه- قال لأبي الزوائد -رحمه الله تعالى-، وكان قد أبطأ في الزواج،: ما يمنعك عن النكاح إلا عجز أو فجور.
لا يمنعك من أن تتزوج إلا أن تكون عاجزا، لا تقدر على النكاح، أو تكون فاجرًا تعصي الله -تبارك وتعالى-.
ولقي عثمان بن عفان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-؛ فقال: يا أبا عبد الرحمن ألا نزوجك جارية شابة لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك.
وقال عبد الله بن عباس لسعيد بن جبير: تزوج يا سعيد فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل الدين يسرا بلا حرج، والصلاة والسلام على المبعوث بالحنيفية السمحة دون عوج، وعلى آله وصحبه ومن على سبيله اندرج.
فضل الزواج
عباد الله؛ إن الزواج له ثمرات عظيمة، منها:
أن به يحافَظ على النوع البشري، فالتناسل هو سبب للحفاظ على هذا النوع من الانقراض.
ومنها أن به تحصل كثرة هذه الأُمَّة وزيادة عددها، كما اشارة لذلك النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-. وهذه المكاثرة لأمة محمد -عليه أفضلُ الصلاة وأطيب السلام- لا تحصل ولا تكون إلا بالزواج.
ومنها أنه وسيلة لغض البصر. فمن تزوج فإنه لا ينظر إلى الحرام أبدا. يحفظ بصره بزواجه.
وكذلك من فوائد الزواج أن به تحصين للفرج ووقاية له من الفواحش، وبها وقاية المجتمع من آفات الفواحش؛ كالزنا واللواط وغيرها.
وفيه مصلحة للرجل والمرأة؛ لأن كل منهما يجد من يهتم به ويرعاه.
ومن فوائد الزواج العظيمة حصول الأجر والثواب. فإن «في بضع أحدكم صدقة»، كما ورد في الحديث الشريف في صحيح مسلم. وفي نفقة الرجل على أهله.
وهكذا؛ فإن فوائد الزواج للمرأة والرجل في الشرع والحياة والنفس والصحة كثيرة وعظيمة. فتزوَّجوا.
الدعاء
اللهم صَلّ على محمد في الأولين والآخرين؛ وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
اللهم أرِنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
اللهم وفق شباب وبنات المسلمين إلى ما تحب وترضى؛ اللهم خُذ بناصيتهم إلى البر والتقوى.
اللهم يسر الزواج على أبنائنا وبناتنا يا ذا الجلال والإكرام.
عِباد الله؛ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي؛ وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. يعظكُم لعلكم تذكرون؛ اذكروا الله الحليم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكُم؛ وأقِم الصَّلاة.
خطبة عن الزواج
خطبة جمعة عظيمة؛ ألقاها فضيلة الشيخ عبدالله الحساني؛ فجزاه الله عنَّا خيرا.
كلمة المحرر
بالطَّبع البحث عن أفضل خطبة عن الزواج ليس بالأمر الهيّن في ظل ما جاد به العلماء والخطباء والأئِمَّة الأجِلاء على المنابر في هذا الموضوع؛ ومنهم -على سبيل المثال لا الحصر- فضيلة الشيخ محمد حسان، والشيخ راتب النابلسي والعريفي وغيرهم من أعلام الخطبابة في الوطن العربي والإسلامي.
لكِننا -بهذه الخطبة- نحاول إضافة مزيد علمٍ ومعرفة وفوائِد إلى ما هو موجود بالفِعل من خطب جميلة وقويَّة تُسلط الضوء على الزواج وتُزَكي التيسير فيه وتُبيّن فضله. فلعلها تكون إضافة جيّدة ومُفيدة بمشيئة الله -تعالى-.