ونظرًا لما تمُر به المنطقة عامَّةً، وإخواننا المسلمين في تركيا وسوريا وكل البقاع العربيَّة والإسلاميَّة خاصَّة؛ نسوق لكم الآن خطبة جمعة مؤثرة –مكتوبة– عن الزلازل وبعض ما يتعلَّق بها، وما وَرَدَ عنها في كتاب الله الكريم ﷻ، وسُنَّة الحبيب المُصطفى ﷺ.
مقدمة الخطبة
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقنا ولا اعتصامنا إلا بالله، وما توكلنا ولا اعتمادنا إلا على الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وإمامنا وأسوتنا محمد رسول الله ﷺ القائل فيما صَحّ عنه «لا تقوم الساعة حتى يُقبَض العِلم، وتكثر المنازل، ويتقارب الزمان، وتكثر الفتن».
أما بعد إخوة الإيمان والعقيدة، إخوة الهجرة في سبيل الله، أوصيكم ونفسي المُخطئة المذنبة بتقوى الله ﷻ، وأحثكم على طاعته، وأحذركم وبال عصيانه، وأستفتح بالذي هو خير.
الخطبة الأولى
إخوة الإيمان، لا شك أنه ما من أسبوع يمضي على الكرة الأرضية إلا وثَمة زلزال يقع هنا أو يقع هُناك، ولا شَكّ أن بعض هذه الزلازل خفيفة تأتي فلا تُذكر إلا على أنها خبرٌ عابر، وأن بعضها يأتي مدمرا فيستأصل المُدن ويلقي بها على رؤوس أصحابها. ولا شك أن بعض هذه الزلازل تستمر لثوان، على نحو ما حصل بالأمس القريب في تركيا وسوريا. عندما لم يمتد الزلزال أكثر من بضع ثوان، ومع ذلك فإن الملايين من الناس دَبّ الرعب في قلوبهم، وهرعوا خارج عماراتهم وأبراجهم وبيوتهم، خشية على أرواحهم وأنفسهم، ومما ينتظرهم لو كان أسوأ –لا سمح الله–.
هذه الزلازل التي كثرت في زماننا، أخبرنا نبينا ﷺ أن كثرتها هي من علامات الساعة. حيث جاء في الحديث الصحيح؛ قال النبي ﷺ –مخاطبا رجلا يعرف بابن حوالة– قال «يا ابن حوالة! إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل، والبلابل، والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك».
والمُراد بالشَّام هنا بيت المقدس أيها السادة. فالخلافة بدأت في المدينة المنورة، ثم انتقلت إلى دمشق عاصمة الأمويين، ثم إلى بغداد عاصمة العثمانيين، ثم بعد ذلك إلى عواصم متعددة إلى أن وصلت إلى إسطنبول –إسلامبول– مدينة الإسلام زمن العثمانيين.
هذه الخلافة ستعود مرة أخرى لكن إلى مدينة القُدس، تلك المدينة التي يعمل من يعمل من صهاينة اليهود ومتصهيني العرب على تهويدها وتغيير ملامحها.
لذلك فإن الدجال في آخر الزمان عندما يأتي لا يأتي إلى مدينةٍ غيرها. أول ما يأتي، يأتي من الشرق ويقصد القدس لأنها مقر الخلافة؛ خلافة المسلمين.
ومن الأحاديث في أمر الزلازل، أن النبي ﷺ يقول «بينَ يَديِ السَّاعةِ مُوْتانٌ شَديدٌ، وبَعدَه سَنَواتُ الزَّلازِلِ»، يعني يكثر الموت بين الناس بشكل غير طبيعي، ثم بعد ذلك يأتي موسم يُعْرَف بموسم الزلازل وبسنواتٍ تُعْرَف بسنوات الزلازل.
نسأل الله ﷻ العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، نسأل الله ﷻ أن يرزقنا الأمن والأمان في بلادنا وفي هجرتنا وفي كل أرضٍ نذهب إليها أو نحطُّ رحلنا عندها.
الزلازل، إنما هي بأمْر الله، لا تُصدق أن شيئا في هذا الوجود يحصل بغير أمر الله، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. والله ﷻ لا يحتاج إلى كلمة [كُن] لكن للتقريب إلينا، بمجرد أن تتعلَّق إرادة الله بأمر يكون.
وقد قرأت لكم في مُقدمة الخُطبة قول الله ﷻ ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ بأي شيءٍ تحدث؟ قال ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾؛ ألهمها، أمرها، تعلقت إرادته بها فكان الزلزال، وكانت الزلازل وكان الخَسْف، وكانت المدن التي أنفق الإنسان عليها المليارات فصارت تحت الأنقاض أو في بطن الأرض.
تِلكُم هي الزلازل، هذه الزلازل بالنسبة للمؤمنين، بالنسبة لأُمَّة الإسلام وأخص منهم الطائعين هي رحمة. يقول ﷺ «أمتي هذه أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا: الفتن، والزلازل، والقتل».. إنما رحمة لها وتكفير لذنوبها.
النبي ﷺ يتعجَّب من حال الإنسان المؤمن، فالإنسان المؤمن بكل ما يتعرض له من ابتلاء، من امتحان في ماله، في أهله، في جسده، في ولده، في أمنه، في أمانة، إنما هو تكفير لذنوبه في الدنيا، حتى وقف بين يدي الله أو انتقل إلى رِحاب الله وَصَل إلى ربه صفحة بيضاء ناصِعة ليس عليها ذنبٌ من الذنوب.
هذا المؤمن الذي طالما اتصل قلبه بربه ﷻ.
أما الكافر؛ فيُبعث الإنسان على ما مات عليه. الذي يتحدى الله، فإن الزلازل والفِتن والمِحَن تكون في هذه الدنيا عقوبةً لمن تحدى وجه ربه الأعلى. قال ﷻ ﴿فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ﴾ كل إنسان أخذناه بسبب ذنبه، والمراد بالذنب هنا الكفر.
﴿فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا﴾ رجمناه بالحصباء، على نحو ما جرى لقوم لوط، ﴿وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا﴾ على نحو ما جرى لفرعون، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
وقال ﷻ ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا﴾.
إذا نحن أمة الإسلام أمة محرومة، كل ما يجري لنا إنما هو رِفعةٌ لدرجاتنا.
نحن الذين صبرنا بما جرى لنا من فتن، بما هُدم لنا من بيوت، بما فقدنا من أحِبَّةٍ وأبناء وطلاب صاروا في عِداد الشهداء، فالدرجات العلا لنا إن شاء الله، إن كنا قد أخلصنا النية لله، والتكفير لذنوبنا بعون الله، وعندما نرحل إلى الله بإذن الله، بعون الله، بحول الله، بفضل الله؛ سنذهب صفحة بيضاء إلى الله، لأننا قلنا كلمة الحق في الدنيا ودفعنا ثمن تلك الكلمة إعلاءً لكلمة الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله.
وهذه أيضًا: خطبة عن الزلازل – آيات وعبر
الخطبة الثانية
حمدا لك ربي كما أمرت، وصلاة وسلاما على نبيك الذي لنا أرسلت، ورضوان الله على صحابةٍ كرام بررة.
أما بعد إخوة الإيمان والعقيدة، إخوة الهجرة، أوصيكم ونفسي المخطئة بتقوى الله ﷻ.
إخوة الإيمان؛ المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، قال ﷺ «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى».
يؤسفني، بل يؤلمني، إنني تابعت على بعض وسائل التواصل الاجتماعي شماتةً من بعض من كتب على ما جرى في الهزة الأرضية في تركيا أو سوريا. لماذا؟
ماذا نفعل نحن؟ نقول اللهم أحفظهم، حتى يحفظنا، اللهم احميهم، حتى يحمينا، الأدب في رد الجميل هكذا، حتى ولو لم نكن نعرفهم لكنهم مسلمون، المسلم أخو المسلم، وحق الإخوة في الله ﷻ أن يكون قلبك مع أخيك.
الآن قصَّر معك زيدٌ أو أساء لك عمرٌ؛ هذا أمر آخر، لكن أنت مسلم عليك حق الأخوة ومبادلة الأخوة مع كل أخ في الله في أرض المعمورة يقول اشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله، ثم بعد ذلك هناك حق الإنسانية، حق الأخوة الإنسانية. الرحمة التي جبلنا الله عليها، أليس أبونا أبونا آدم عليه السلام؟!
الدُّعـاء
- أسأل الله ﷻ أن يحفظنا بحفظه، وأن يؤدبنا بأدب المصطفى ﷺ، وأن يأخذ بأيدينا لما يحب ويرضى، وأن يختم لنا بخاتمة الحسنى.
- أسأل الله ﷻ أن يحفظ هذه البلاد وسائِر بلاد المسلمين.
- أسأل الله ﷻ أن يحفظنا من الزلازل والفتن والبلايا والمحن، وأن نخرج من هذه الدنيا ونحن على عز وطاعة وحسن خاتمة.
- اللهم أمين، اللهم أمين، اللهم أمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قوموا إلى الصلاة يرحمني ويرحمكم الله.