عناصر الخطبة
- الزكاة: عبادة مالية مقرونة بالصلاة
- تطهير الأموال والنفوس بالصلاة والزكاة
- الزكاة كسبب لقبول الصيام وتطهير النفوس
- أثر ترك الزكاة على النفس والمجتمع
- الدعوة لإخراج الزكاة ومساعدة الفقراء
- العطاء والجود في شهر رمضان
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي يعلمُ السِّرَّ وأخفى، سبحانه ربُّ الأرض والسموات العُلا، أضحكَ وأبكى، وأماتَ وأحيا، وأغنى وأقنى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ النبيُّ الأوْفى، اللهم صلِّ وسلّم عليه وعلى آله وصحبه ومنْ تزكَّى.
أما بعد: فاتقوا الله -عِبادَ الله- حق التقوى، وراقبوه في السِّرِ والنَّجوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
الخطبة الأولى
عباد الله؛ جعل الله ﷻ الزكاة مقرونة بالصلاة في كثير من الآيات الكريمة. فكما أن الصلاة هي العبادة البدنية التي يتقرب بها العبد إلى مولاه وهي حق البدن فالزكاة هي العبادة المالية وهي حق المال. يقول الله ﷻ: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ سورة البقرة: 43. ويقول الله ﷻ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ سورة المائدة 55.
فالصلاة تطهر الأبدان والأرواح والزكاة تطهر المال والنفس. فيزكو المال وينمو وتطهر الأنفس من البخل والشح والعداء والبغضاء. يقول الله ﷻ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ سورة التوبة: 103
وقد وصف الله ﷻ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة بأنهم رجالٌ. وأي رجال، يقول الله ﷻ في سورة النور: ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ سورة النور: 37. ويقول الله ﷻ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ سورة البينة: 5 .
وليست هذه الزكاة منّة من الأغنياء على إخوانهم الفقراء. بل هي حق واجب في أموالهم التي سلطهم الله عليها. يقول الله ﷻ: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ المعارج: 24-25.
ونحن في العشر الأُول من شهر رمضان المبارك، شهر الجود والعطاء والإحسان. حريٌّ بكل مسلم أن يطهّر أمواله بالزكاة المفروضة، وبالصدقة المسنونة، وأن لا ينسى الصائم أن إخراج الزكاة والصدقات سبب من أسباب قبول الصيام وتطهره من اللغو والرفث.
فعلى الأغنياء أن يبادروا بإخراج زكاة أموالهم إعانة لإخوانهم الفقراء على قضاء حاجاتهم. امتثالاً لأمر الله ﷻ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ المائدة: 2. ولقول النبي ﷺ لمعاذ رضي الله عنه عندما بعثه إلى اليمن: «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» صحيح البخاري.
وليعلم المزكي أن الزكاة تقع عند الله ﷻ موقعاً عظيماً وينمي الله ﷻ ماله. يقول ﷻ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة: 261.
وفي ترك الزكاة خطر عظيم على النفس والمال. وقد استعاذ النبي ﷺ من مانعي الزكاة لما لهم من أثر مدمر على أنفسهم و المجتمع، ولما لهم من أثر في غضب الله ﷻ. قال ﷺ في وصف أولئك: «ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا» سنن ابن ماجه.
فعلى المسلم أن يبادر بإخراج زكاة ماله إذا ملك النصاب. ويساعد الفقراء الذين لا يجدون طعاماً، ويموتون جوعاً. ومن يعلم جوع جاره فإنه آثم. يقول ﷺ : «ليس بمؤمنٍ من بات شبعان وجارُه إلى جنبِه جائعٌ وهو يعلمُ» اخرجه البيهقي. فكيف إذا علم موته بالجوع والعطش فبمَ يجيب ربه يوم الأشهاد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافي الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة.
⇐ هنا أيضًا خطبة الزكاة: تزكية للنفس وتطهير للمال
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173،174
والحمد لله ربّ العالمين.
وكذلك؛ لا يفوتكم مطالعة ⇐ خطبة عن مقاصد الزكاة