«الزكاة: تزكية للنفس وتطهير للمال» بهذا العنوان المُبارَك نُقدّم لكم خطبة الجمعة لهذا الأسبوع. ومن عنوانها نعرِف أنّ الموضوع جلل وهام، بل وفي غاية الأهميَّة. وهو تسليط الضَّوء على فريضة الزَّكاة، وما فيها ومنها وعنها من مقاصِد وحِكَم وعظَات عظيمة جليلة.
سوف نقوم اليوم بتوفير محتوى متميّز «مكتوب» لهذا الموضوع، بهذا العنوان.
مقدمة الخطبة
الحمد لله الكريم المنَّان، الذي مَنّ علينا بشريعة الإسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من صلى وزكى وصام، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا على الدوام.
الخطبة الأولى
الزكاة المفروضة هي حق للفقراء على الأغنياء، كما أن الصلاة مفروضة لله ﷻ هي حق لله على عباده، ولذلك جاءت في كتاب الله مقرونة مع الصلاة ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ سورة البقرة: 43، أي: أقيموا الصلاة لي واتوا الزكاة للفقراء، وكفى هذا شرفاً وفخراً للفقراء حيث قرن حقهم بحقه ﷻ.
وقد كان رسول الله ﷺ أكرم الناس واكثرهم سخاء ورحمة، فهو أرحم خلق الله لعباده، قال الله ﷻ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ الانبياء: 107، محباً للعطاء يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ما سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى الإسْلَامِ شيئًا إلَّا أَعْطَاهُ، قالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فأعْطَاهُ غَنَمًا بيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إلى قَوْمِهِ، فَقالَ: يا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فإنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الفَاقَةَ» ← أخرجه مسلم.
وكان ﷺ أجودهم على الإطلاق، وأجود ما يكون في رمضان، عن عبد الله ابن عباس قال: «كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: أجودَ الناسِ بالخيرِ، وكان أجودَ ما يكون في شهرِ رمضانَ حتى ينسلِخَ، فيأتيه جبريلُ فيعرضُ عليه القرآنَ، فإذا لقِيَه جبريلُ كان رسولُ اللهِ أجودَ بالخيرِ من الرِّيحِ الْمُرسَلَةِ» ← رواه البخاري ومسلم.
قال الإمام الشافعي رحمه الله ﷻ: “أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله ﷺ ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم”.
فشهر رمضان الذي تتضاعف فيه الأجور وترفع فيه الدرجات، هو فرصة للصائمين في المسارعة لإخراج زكواتهم وصدقاتهم، قال الله ﷻ: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ ” البقرة: 261.
وهذا مثل ضربه الله ﷻ لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وفيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله ﷻ لأصحابها، كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة.
عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه أنّه جاء إلى النبي ﷺ، فقال يا رسول الله: يقول الله ﷻ في كتابه: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ آل عمران: 92.
وإنّ أحب أموالي إليّ بَيْرُحاء، وكانت حديقة يدخلها النبي ﷺ، ويستظل بها، ويشرب من مائها، فهي إلى الله ﷻ، وإلى رسوله ﷺ، أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال ﷺ: بخ يا أبا طلحة، ذاك مال رابح، ذاك ما رابح، قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين، فتصدّق به أبو طلحة على ذوي رَحِمِه” ← اخرجه البخاري ومسلم.
والحق أن سر الحكمة في معاني الزكاة أن الله ﷻ جعل الزكاة طُهراً للأموال والأبدان، وتزكية للنفوس، فمنْ أدّى الزكاة تزكّت نفسه ﴿قد أفلح من زكّاها﴾ الشمس: 9، وتطهرت أمواله لأنه لم يأكل حق الفقراء الذين لهم الحق في مال الأغنياء، قال الله ﷻ: ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها﴾ سورة التوبة: 103.
عباد الله: إنَّ في الزكاة تكافلاً بين الأغنياء والفقراء في المال، فعلى الاغنياء والميسورين في بلدنا المبادرة بإخراج زكاة أموالهم الواجبة والتصدق نافلةً على إخوانهم من الفقراء والمعوزين ويتلمسوا حاجات أقاربهم وجيرانهم، قال ﷺ: «الصدقةُ على المسكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صدقةٌ وصِلَةٌ» ← رواه الترمذي.
وعلينا أن نتفقد أحوال بعضنا البعض، قال ﷺ: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم» ← رواه ابن أبي شيبة والبزار والطبراني.
كما ينبغي على المزكي والمتصدق أن يختار زكاة أمواله وصدقاته من أطيب المال فإن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبا، وأن يخرجها بطيب نفس، وليعلم أنها تقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد الفقير والمسكين، وفي الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال: «يا رسول الله، لم أصب مالا قط هو أنفس عندي من سهمي الذي هو بخيبر، فما تأمرني به؟ قال حبس الأصل وسبل الثمرة»، كما أن أفضل الصدقة صدقة السر التي لا يتبعه المنُّ والاذى والسمعة، قال الله ﷻ: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ البقرة: 262.
وهذا مدحٌ من الله ﷻ للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات منّاً على من أعطوه، فلا يمنون على أحد، ولا يمنون به لا بقول ولا فعل، فالمنُّ والاذى محبطان للثواب ويعودان على العمل بالبطلان، وقال الله ﷻ: ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾ البقرة: 263.
أي قول جميل، ودعاءُ الرجل لأخيه المسلم وستره عليه لما علم من خَلَّته وسوء حالته خيرٌ عند الله من صدقة يشتكيه عليها، ويؤذيه بسببها.
كما أن الصدقات تكون بالمال فإنها تكون أيضاً بإطعام الطعام، قال الله ﷻ: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ الإنسان: 8، وبالإيثار على النفس بالمال ولو كان بهم حاجة وفاقة، قال الله ﷻ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ الحشر: 9.
وعن عبد الله بن عمرو «أنَّ رجلًا سأل رسولَ اللهِ ﷺ أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ قال: تطعم الطعامَ، وتقرأ السلامَ، على من عرفتَ ومن لم تعرف» ← اخرجه مسلم.
فكيف إذا كان من تطعمه صائماً او فقيراً فلك أجر الصدقة وأجر تفطير الصائم، قال ﷺ: «من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره، غير أنه لا ينقصُ من أجر الصائمِ شيئًا» ← رواه الترمذي.
والحق أن الصدقة لا تقتصر على المال فحسب، فإن الصدقة أوسع من ذلك، فالمعروف صدقة، وإزالة الأذى عن الطريق صدقة، وكف الأذى عن الناس صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وابتسامتك في وجه أخيك صدقة، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مرفوعاً قال ﷺ: «لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئا، ولو أن تَلْقَى أخاك بوجه طَلْق» ← رواه مسلم.
وقال ﷺ: عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – ﷺ – قال: «بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك في الطريق، فأخَّره، فشكر الله له فغفر له» ← متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: «كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، قَالَ: تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، قَالَ: وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» ← رواه البخاري ومسلم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.
عباد الله: لا تنسوا قول النبي ﷺ: من قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، ومن قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾، “أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه”.
والحمد لله ربّ العالمين..
المزيد من الخُطَب عن الزكاة
في المكتبة الكثير من الخُطَب، لكننا انتقينا لكم بعضًا منها، لعلها أن تنفعكُم في إعداد خُطبة متميزة نافِعة عن فريضَة الزكاة، وكانت اختياراتنا:
- ↵ خطبة عن الزكاة وفوائدها «مكتوبة»
- ↵ الزكاة والصدقات ودورهما في التنمية المجتمعية… خطبة جمعة «مكتوبة»
- ↵ خطبة عن مقاصد الزكاة
والله / وليّ التوفيق.