بمناسبة موسم الحصاد.. خطبة عظيمة عن الزكاة كفرض ديني وواجب إنساني

بمناسبة موسم الحصاد.. خطبة عظيمة عن الزكاة كفرض ديني وواجب إنساني

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي أنعم محسنا، وأعطى متفضلا، وهب كثيرا، وأثاب جزيلا، ووعد من أطاعه جنات وظلا ظليلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرع الزكاة طهرة للأغنياء، ومواساة للفقراء، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أجود الناس بالعطاء، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله حق تقاته، واشكروه على نعمه وآلائه ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾.

الخطبة الأولى

عباد الله… اعلموا أن المؤمنين حقا هم الذين يغتنمون الأوقات، ويسارعون إلى الخيرات، فتنبعث هممهم وعزائمهم إلى الأعمال الصالحات، فتراهم يتسابقون إلى الإتيان بأنواع شتى من الأعمال النافعة، فمن بين راكع وساجد، وآخر ناصح دال إلى الخير، وثالث تراه متصفحا لوجوه الناس يبحث عن الفقراء والمساكين، والأرامل والأيتام، ليمسح عن البائس دمعته، ويأخذ بيد الضعيف والمسكين، ويضع في أيديهم ما أوجب الله عليه في ماله من زكاة، مطهرة للنفس والمال.

إخوة الإيمان: إن في إخراج الزكاة ودفعها إلى مستحقيها تطهيرا لنفس المعطي وماله، واستنزالا لقطر السماء، واستخراجا لبركات الأرض، وعطفا لقلوب الأقوياء على الضعفاء، وتعريفا للأغنياء بحال الفقراء، وتربية للضمائر، وتهذيبا للمشاعر، وإشاعة للألفة والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم، وترسيخا لمبدأ التكافل والتضامن الاجتماعي الذي جاء الإسلام داعيا إليه.

كل هذه وغيرها -يا عباد الله- فوائد للزكاة، ولها بركات كثيرة وثمرات يانعة، يجنيها المخرج والمعطى، والله ﷻ يقول: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهَرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾، ويقول: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾.

أيها الناس: إن الزكاة حق في المال، وهي واجبة في أصناف مخصوصة منه، فالزكاة واجبة في الذهب والفضة، وفي عروض التجارة، وفي الأنعام السائمة، وفيما يدخر ويقتات من الحبوب والثمار، كل ذلك إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول القمري إلا زكاة الثمار؛ فزكاتها يوم حصادها، يقول الله ﷻ: ﴿كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾، فإذا بلغ المال المزكى النصاب وحال عليه الحول وجب إخراج الزكاة في الحال، من غير تقاعس ولا إهمال.

إن رحمة الله ﷻ بعباده تتجلى في هذه الفريضة؛ فالزكاة لا تجب في جميع أنواع المال، ولا توضع في يد أي إنسان، ولكن تؤخذ بشروط، وتوضع في مواضع بينها الكتاب العزيز بقوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حكِيمُ﴾، ولذا وجب على المرء أن يتحرى لزكاته مستحقا لها، ولا يدفعها إلى أي أحد من غير معرفة بأحواله وظروفه، وخير من نستعين به في ذلك لجان الزكاة الموثوق بها، وهي تتولى إيصالها إلى من يستحقها.

أيها المسلمون: كلما أخرج أغنياء المجتمع زكاة أموالهم ساعدوا بذلك على تخليص المجتمع من أدوائه من حسد وبغض وأثرة وأنانية، ففتحوا بذلك أبواب الفضائل، وأغلقوا أبواب الرذائل، يقول ﷻ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِرُهُ لِلْيُسْرَى﴾.

فاتقوا الله -عباد الله-، وواسوا إخوانكم الفقراء من غير من ولا رياء، ولا استكبار ولا استعلاء ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

هذه أيضًا ⇐ خطبة: الزكاة وطهارة النفس – مكتوبة كاملة

الخطبة الثانية

الحمد لله الوهاب الكريم، أحمده ﷻ على عطائه العميم، وأشكره على كرمه العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرؤوف الرحيم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، النبي الطاهر الأمين، ﷺ، وعلى آله وصحبه الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أيها المسلمون: إن عناية أفراد المجتمع بالتحري عن الفقراء والمحتاجين، والتماس احتياجاتهم ومتطلباتهم، لها أهمية عظيمة، ودور كبير في وصول الزكاة والصدقات إلى مستحقيها، الذين تمنعهم عفتهم وحياؤهم من سؤال الناس: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَهُمْ لَا يَسْتَلُونَ النَّاسَ الْحَافًا﴾.

فاتقوا الله -عباد الله-، وتعاونوا مع لجان الزكاة، وسخروا التقنيات الحديثة لما ينفعكم، وما يعينكم على حسن العبادة، تنافسوا في الأعمال الصالحات، واشكروا ما أنعم الله به عليكم بالمسارعة إلى الزكاة والصدقات.

اللهم أخلف على من زكى ماله عطاء ونماء، وزده من فضلك بركة ورخاء.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

أضف تعليق

error: