عناصر الخطبة
- التحذير من جريمة الرشوة
- صور المال الحرام في بعض المعاملات
- عاقبة آكل الحرام في الدنيا والآخرة
الخطبة الأولى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..
إخوتي الكرام؛ في مجتمعنا كثير من المعاملات، يتعاطاها الناس ويأكلون تلك الأموال في بطونهم ويغذون بها أولادهم وأزواجهم، ما حكم الشرع في هذه المعاملات؟ معاملة الرِّشوة أو الرَّشوة، ما حكمها؟
هذا صار بالفطرة عند الناس معلوم أنها حرام، ولكن الناس يتحايلون على الله، فيسمون الحرام بغير اسمه.
ما هي الرشوة؟ الرشوة أن تدفع مالا إلى الغير لتُبطِل به حقّ الآخرين وتأخذ أنت هذا الحق، هذه تسمى رشوة. شخص ما تعطيه مالا تقول له: هذه لك، نحي حق فلان وأعطني إياه. هذه ماذا؟ هذه رشوة، وهي سائدة في مجتمعاتنا اليوم، الناس معظمهم يأكلون لا يبالون، يأكلون الرشوة لا يبالون.
فهل هذا أكل الحلال في بطنه؟ وجاء بالحلال إلى زوجته وأولاده؟ بعدين يقول لك الأولاد غير صالحين، تراني تعبان، ارقيني.. أراقك الحرام وليس الرقية، إللى تاعبك الحرام الذي أكلته في بطنك، وهءلاء الأولاد الفاسدين؛ غذيتهم بالحرام، وهذه المرأة التي اكتشفت عليها الخيانة، غذيتها بالحرام فخانتك، لأن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، والحرام لا يدوم، وإذا ما دام دمَّر.
فالرشوة حرام حرام حرام. ففي الحديث الشريف يقول أبو هريرة «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم» والحديث في سنن الترمذي.
وكذلك حديث «الراشي والمرتشي في النار»؛ وقد أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، والديلمي في الفردوس.
والناس؛ إذا قلت لهم لفظ الرشوة ينفروا؛ فلا يسمونها باسمها، هذه أول معاملة. المعاملة الثانية هي الربا، وهي أن تعطي شخصا ما مالا، إلى أجلٍ، فتقول خذ هذا المال قرضًا، فيأتي الأجل. وتقول يا فلان أعطني مالي، يقول لك أنا ما عندي، أنظرني إلى مدة أخرى. يقول الرجل انظرتك وزيادة في المال بالنسبة. هذه الزيادة هي الحرب على الله، ومن يدخل الحرب مع الله؛ هل يفلح؟ ﴿فأذنوا بحرب من الله ورسوله﴾.
وقد تجد أحدهم يذهب للبنك يقول لهم: عندي مشروع، يقولوا له: ما الضمان، يقول لهم عندي أرض، فيها كذا من هكتار، أعطوني أرد لكم وزيادة، ما حكم هذه المعاملة؟ هذه الربا، نسأل الله العافية والسلامة.
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾.
وله صورٌ كثيرة مذكورة في كتب العلماء. صورة أخرى، هدايا العمال.
ابن اللتبية؛ هذا رجلٌ من الأسد، والحديث في البخاري؛ استعمله النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن يجمع الزكاة، فلما كان يجمع يقول: هذا لكم، وهذا أُهدي لي. سمع النبي هذا الخبر، فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه، قال «ما بال عامل أبعثه، فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه، أو في بيت أمه، حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟».
فهذا أخذ الهدية بماذا؟ أنه عامل، فمثل هذه الهدية لا تصح.
تذهب أنت مصلحة من المصالح الإدارية فتقول للموظف: اقض لي هذا الأمر وخذ هذه هديَّة؛ لم تعطي هذه الهدية مقابل ماذا؟ هو موظف رسمي، وعنده راتب شهري؛ لا يحق له أن يأخذ هذه الهدية، هذا حرام يأكله في بطنه.
ومن الحرام أيضا السحت، عندك بضاعة، استردت بضاعة من الخارج، يأتي ناس لا يرضون لك ذلك، يخلقون لك الأمور حتى يأخذون منك المال، يأتي أحدهم ويقول لك: اعطني بعض المال وأخرجها لك من الحاويات. فالإثم هنا على من أخذ لا على من أعطى، لأن هذا سحت، ويعطي القليل حتى لا يضيع المال الكبير الكثير.
وربي في القرآن الكريم قال ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾.
أو أحدهم ليس لديه عطلة سنوية، وجاء وقت عمرة رمضان، ويحب أن يكون من المعتكفين، الذين يبكون في دعاء القنوت ورا الشيخ السديس وشيخ الشريم، يحب يبكي ويقول العشر الأواخر. فيقول للطبيب: اكتب لي عطلة مرضية خمسة عشر يومًا، وما هو بمريض، والطبيب يسمع الكذب ويأكل السحت في بطنه.. وهذا هذا كثير في الناس، والرجل لا شيء به، وهو يأكل الحرام لا يبالي.
كما نهى النبي عن ثمن الكلب، والكلاب تباع الآن، بل تربية الكلاب الآن هي الموضة، هي الحضارة، هي الرقي، هي الازدهار، والآن أثمانها باهظة، والناس يتباهون بتربية الكلاب.
هذا ما كنا نعرفه، زمان الكلاب قليلا موجود عند الرعاة، حراسة لمواشيهم، للحراسة فقط، لكن التباهي بالكلاب وبيع الكلاب، ثمن الكلب حرام، فقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ثمن الكلب، وعن مهر البغي، وهو ما تأخذه المرأة الزانية من قِبل زناها.
وأموال المخدرات حرام، وأموال الخمور حرام، وأموال التدخين حرام، وكل ما ضر بالبدن فهو حرام، وكله من الحرام. نسأل الله العافية والسلامة.
فالرجل يبتغي ماذا؟ يبتغي الرزق الحلال، وحتى لو كان قليل، يقول: يا ربي بارك لنا فيه. لكن إذا كان كثيرا وهو حرام فعاقبته وخيمة، لأن ربي لا ينام، وربي ما هو بغافل عما يعمله الناس، فتأتي العاقبة لآكل الحرام، نتنة سيئة وخيمة، نسأل الله السلامة.
ولهذا المرء المسلم فينا لا بد -في المعاملات- عندما يتعامل يسأل، هذه المعاملة تجوز أو لا تجوز؟ هذا الكسب حلال ولا حرام؟ لماذا؟ حتى لا يقع في الحرام؛ يأكله ولا يُطعم منه أولاده أو زوجته.
وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية
الحمد لله..
واعلم أن الحرام الذي تأكله؛ شواء كان رشوة أو ربا أو أي طريقة باطلة؛ ربي سوف يدمر في جسدك ويدمر في أولادك بسببك أنت، حتى أن الإنسان لما يكون صالح، حتى أولادة ينتفعوا بصلاحه، أما قرأت ما قال الله تعالى ﴿وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا﴾ حتى صلاحك تنتفع به زوجتك وينتفع به أولادك، والحلال هذا الذي أتيت به ستنتفع به أنت وينتفع به أولادك وزوجتك.
لكن الرجل إذا أتى بالحرام، الذرية ما تصلح ولا الزوجة تصلح ولا التجارة تصلح، ولا ذاتك تصلح؛ وعندك الوجع والهم والغم، والاضطرابات النفسية .. سببه ماذا؟ الحرام، لقمة من الحرام، لقمة واحدة من الحرام تحول بينك وبين الله.
فـ﴿كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾.
والحمد لله رب العالمين..