وهنا؛ للخطباء الأكارم الأجِلاء، خطبة الجمعة القادمة؛ تحت عنوان: الدين يسر «التيسير في العبادات والسماحة في المعاملات». والتي سلَّطت الضوء —عن كثب، وبعزارة استشهاد من القرآن والسنة— على هذا الموضوع هام جِدًا؛ والذي يفتقده كثير من المسلمون في هذا الزمان —إلا ما رحم ربي—.. فدعونا نقرأ بتمعُّن ما جاء في هذه الخطبة المبارَكة.
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم: {يُريدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُريدُ بكُم الْعُسْرَ}.
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأشهدُ أَنَّ سيدَنا ونبينا مُحَمَّدًا عبده ورسوله، اللهُمَّ صَلَّ وسلم وبارك علَيهِ وعَلَى آلِهِ،وصحبهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحسانٍ إِلَى يوم الدين.
الخطبة الأولى
وبعد.. فإنَّ مظاهر العظمة في ديننا الحنيف أكثر من أن تُحصَى أو تُعد، وإن مِن أعظم ما تميز به الدين الإسلامي اليُسر والسماحة، فديننا عدل كله، رحمة كله، تيسير كله، سماحة كله، إنسانيةً كله، وكلُّ ما يحقق هذه الغايات الكبرى فهو من صميم الإسلام، وما يصطدم بها أو يتصادم معها إنما يتعارض مع الإسلام وغاياته ومقاصده، حيث يقول الحق ﷻ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}، ويقول ﷻ: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}.
ويقول نبينا ﷺ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرُ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدَّدُوا وَقَارِبُوا وَاسْتَعِينُوا بالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ»، ويقول ﷺ: «إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أيسره»، ويقول ﷺ: «إِنَّ اللهَ َرضِيَ لهذه الأمة اليُسر، وكره لهم العُسر»، ويقول ﷺ: «إنِّي بُعثتُ بالحنيفيَّةِ السَّمحَةِ».
والمتدبر في حياة نبينا ﷺ يدرك يقينًا أنه ﷺ كان نعم القدوة لأمته وللإنسانية جمعاء في السماحة والتَّيسير، حيث يقول الحق ﷻ على لسان نبينا ﷺ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}، ويقول نبينا ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لم يَبْعَثْنِي مُعَدَّتًا، ولا مُتَعَنَّتًا، مُعَلِّما وَلَكِنْ بَعَثْنِي ميسرا»، وتقول السيدة عائشة —رضي الله عنها—: «مَا خَيْرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَحَدَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ»، ويقول ﷺ: «إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوْزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بكائه».
والسماحة والتيسير في ديننا الحنيف نَمَط سائد شامل، ففي شأن الصلاة يقول نبينا ﷺ: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنكُم مُنَفِّرِينَ، فمَن أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ والكَبِيرَ وذَا الحَاجَةِ»، ووجه نبينا ﷺ عمران بن حصين —رضي الله عنه— عندما كان مريضًا، فقال له: «صَلَّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِ».
ومن التيسير في العبادات رخصة جواز الإفطار في السفر، ومن اليسر والسماحة في الحج إعانة الضعفاء في الرمي والتوسع في وقته، وجواز الإنابة في الرمي لغير القادرين، فما يسر نبينا ﷺ في شيء أكثر من تیسیره على حجاج بيت الله ﷻ في قولته المشهورة: «افعَل وَلا حَرَج».
وهذه أيضًا: خطبة الدين يسر — مكتوبة كاملة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أن الشريعة الإسلامية قد اتسمت باليُسر والسماحة في جانب المعاملات أيضًا، فرفعت المشقة والحرج بين الناس في البيع والشراء، والاقتضاء، حيث يقول الحق ﷻ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، ويقول ﷻ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، ويقول نبينا ﷺ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».
والسماحة في البيع تتطلب ألا يكون البائع مغاليًا في ربحه، أو محتكرا لسلعته، أو مطففًا وزنه، أو مستغلا أزمات الناس، كما تقتضي أن يكون المشتري سهلا سمحا مع البائع، فلا يبخس الناس أشياءهم، والسماحة في الاقتضاء تعني أن يطلب الرجل حقه، أو دينه بلين ويُسر ورفق وسماحة.
وقد أخبر نبينا ﷺ أن اليُسْرَ والسماحةَ في المعاملات من أسباب النجاة يوم القيامة، حيث يقول نبينا ﷺ: «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ»، قَالَ: قَالَ اللهُ ﷻ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ.
ويقول ﷺ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللهُ في نه في ظِلَّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ».
وهكذا السماحة في سائر المعاملات مع الناس جميعًا، بيعًا وشراء، وقضاء واقتضاء، وتعايشا وقبولا للآخر.
فما أحوجنا إلى الوعي بعظمة الإسلام، فهو دين السماحة واليسر، لا التواء فيه، ولا تعقيد، ولا تقمُّر، لا لفظا ولا مضمونًا.
اللهم احفظ مصرنا، وارفع رايتها في العالمين..
تحميل الخطبة pdf
وبعْد؛ فقد كانت هذه —أيها الإخوة— خطبة الجمعة القادمة: الدين يسر «التيسير في العبادات والسماحة في المعاملات»؛ ولِمَن أراد؛ فهذه أجزاء الخطبة —كاملة— في ملف pdf واحد؛ للتحميل المجاني.
لتحميل الملف؛ فقط: انقر هنا.