مقدمة الخطبة
الحمد لله القريب من عباده يسمع الدعاء، ويجيب أهل الرجاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، دعا ربه فأيقن، وذكر خالقه فأجاد وأحسن، ﷺ وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن في أيامنا نفحات للقرب من الله، والتجاء العبد إلى مولاه، وليس كالدعاء يحيي هذا القرب فينال المؤمن إجابة ربه حين دعاه: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون: الدعاء عبادة من أفضل وسائل التواصل بين العبد وربه، والناظر في آيات الصيام الواردة في كتاب الله يجد أن الله تعالى ضمنها آية في الدعاء، يقول الله جل شأنه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾، وهذا ينبئنا بالارتباط الوثيق بين الصيام والدعاء، فهما عبادتان عظيمتان تتجانس كل واحدة منهما مع الأخرى لتسمو بالعبد إلى مراتب القبول والقرب من الله جل وعلا، فكما أن الصوم لله يجزي به كيفما شاء كما جاء في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام؛ فإنه لي، وأنا أجزي به»، فإن الدعاء استجابة العبد لمولاه، وهو يعلم أنه لا مجيب له إلا هو: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾، وكما أن الصوم إخضاع للنفس أمام شهواتها فإن الدعاء وسيلة تظهر افتقارنا إلى خالقنا واحتياجنا إليه، كيف لا! والدعاء مفتاح للإجابة وسبب لتحققها، يقول الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.
وكما قال النبي ﷺ «الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض».
أيها المسلمون: لا يخفى على العاقل أن للدعاء شروطا وأحكاما ينبغي لمن أراد نيل الإجابة من الله تعالى أن يحققها، وأول هذه الشروط أن يتوجه إلى الله تعالى بدعائه مخلصا لربه سبحانه ناويا به تحقيق العبادة التي أمره بها ربه، يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾.
وعلى المسلم أن يستحضر مع دعائه إحسان الظن بخالقه، فلا يقل: من أنا حتى يستجيب الله لي؟ فإن النبي ﷺ يقول: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم».
ولا بد أن يتبع ذلك باليقين بأن الله يجيب دعوته ويقضي حاجته، ولا يستعجل، يقول النبي ﷺ: «لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم يستجب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء».
فاتقوا الله -عباد الله-، وكونوا من عباده الذين امتدحهم بقوله جل وعلا: ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
هذه أيضًا ⇐ خطبة عن الدعاء مؤثرة مكتوبة
الخطبة الثانية
الحمد لله الواهب الرحيم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله الكريم، ﷺ وعلى آله وأصحابه أهل الفضائل والتكريم.
أما بعد، فيا عباد الله: إن التزام المؤمن بآداب الدعاء، ومحافظته على جزئياته الدقيقة، يحدث أثرا في النفس، فابتداء المرء دعاءه بحمد الله تعالى والثناء عليه، وإلحاحه بذكر أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وتخيره الأوقات التي هي مظنة الإجابة، يحفز جانب الإيمان بالله تعالى؛ فالدعاء التجاء إلى الخالق المبدع، واعتراف بالحاجة وإقرار بالافتقار، فمع كون العبد المؤمن يأتي بأعماله التي يتقرب بها إلى الله تعالى إلا أنه يبقى خائفا وجلا من عدم قبولها، فيستجيب لربه بالتضرع والدعاء حين قال: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾.
وعندها يكون الدعاء تسلية لقلبه، وتثبيتا لنفسه، وكلما ألح في دعائه تولد الأمل ليتوازن قلبه بين الخوف والرجاء، فليس الخوف في قلبه إلا مولدا للعمل وحافزا إلى السباق في الخيرات، يقول الله رب الأرض والسماوات: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾.
فاتقوا الله -عباد الله-، وتضرعوا إلى الله تعالى بالدعاء خوفا من عقابه وطمعا في مغفرته، مستجيبين لقوله سبحانه: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.