خطبة عن ذِكر «الحمد لله» فضله وأسراره وثمرته

خطبة عن ذِكر «الحمد لله» فضله وأسراره وثمرته

عناصر الخطبة

  • الحمد لله: مفهومه وأهميته.
  • الحمد في القرآن الكريم.
  • ثناء الله ﷻ على عباده الحامدين.
  • فضل الحمد في الأحاديث النبوية.
  • الحمد والشكر: الفرق والفوائد.
  • الصبر والحمد في البلاء.
  • الاقتداء بالأنبياء والصالحين في الصبر والحمد.

مقدمة الخطبة

الحمد لله الحليم الكريم الذي جعل العاقبة للمتقين، وأشهد ألا إله إلا هو الحق المبين. سُبحانه مَنَّ على المؤمنين وبعث فيهم رسولاً منهم، وخصَّه بجوامع الكلم وجعل قبولَ سنته واتباعَ هديه داعيًا لمحبةِ ربِّ العالمين.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، أرسله ربه بشيرا ونذيرا للجن والإنس أجمعين، صلى الله عليه وسلم عليه تسليما إلى يوم الدين.

الخطبة الأولى

الحمد لله: هو الثناء الجميل على الله ﷻ بما هو أهله. ولا يستحق الحمد إلاّ الله ﷻ. وكل حمد في الوجود إنما يعود إلى رب العالمين. وقد حمد الله ﷻ نفسه بـ(الحمد لله رب العالمين) في أول سورة الفاتحة، ليعلمنا ﷻ الأدب، فكأنه يقول لعباده: قولوا (الحمد لله).

وقد اثنى الله ﷻ على نفسه بـ(الحمد لله) بأن خلق السموات والأرض، وختم أمر هذا العالم بـ(الحمد لله). يقول الله ﷻ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ الأنعام: 1. ويقول الله ﷻ: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الزمر: 75.

وحمد نفسه على إنزال كتابه. يقول الله ﷻ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ الكهف: 1. وحمد نفسه على خلق السماوات والأرض. يقول الله ﷻ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ سبأ: 1.

وقد تعددت صيغ (الحمد لله) في كتابه العزيز، منها الآية الثانية بعد البسملة في سورة الفاتحة. يقول ﷻ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الفاتحة: 2. وفي سورة الانعام: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ الأنعام: 1. وفي سورة يونس ﴿وآخِرُ دَعْواهم أنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ يونس: 10. وهو دعاء أهل الجنة في الجنة. يقول الله ﷻ في سورة الصافات: ﴿والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: 182.

وأثنى الله ﷻ على عباده الحامدين الذين يحمدونه ﷻ في قوله ﷻ: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ سورة التوبة: 112

وهذه الثمرة العظيمة لمن تحققت فيهم هذه الصفات. ومنها أنهم كانوا من الذين يحمدون الله ﷻ، فنالوا البشارة في ختام الآية الكريمة. والبشارة من الله ﷻ سعادة عظيمة لا ترتقي إليها أي سعادة دنيوية.

وأما الأحاديث النبوية الشريفة التي رغّبت بحمد الله ﷻ فكثيرة، عن جابر بن عبدالله رضي الله ﷻ عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «أفضلُ الذِّكْرِ: لا إله إلا اللهُ، وأفضلُ الدعاءِ: الحمدُ للهِ» اخرجه ابن ماجه والترمذي.

والحق أن الحمد أيضًا فيه تعريضٌ بالحاجة، فالحاجة تارةً يطلبها صاحبها صراحةً، وتارةً يكون ذلك بالتَّعريض، كما قال أُمية بن أبي الصّلت مُعرضًا بحاجته عند أحد الملوك، يطلب نائلتَه. يقول:

إذا أَثنى عَلَيكَ المَرءُ يَوماً
كَفاهُ مِن تَعَرُّضِهِ الثَناءُ

وكانَ النَّبيُّ ﷺ إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ قالَ: «باسْمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وأَحْيَا»، وإذَا اسْتَيْقَظَ مِن مَنَامِهِ قالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أحْيَانَا بَعْدَ ما أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ». رواه البخاري.

ومما لا ريب فيه أن ذكر الله ﷻ بحمده ﷻ يختلف عن الشكر، فإن الشكر يكون مقابل نعمة. يقول الله ﷻ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ ابراهيم: 7. والشكر اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضاة الله ﷻ. وأما الحمد فيكون مقابل نعمة وغير نعمة. ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ القصص: 70. ولذلك على العبد أن يحمد الله ﷻ في كل حال، في السراء يحمد الله ﷻ، ويحمده في الضراء، يحمد الله ﷻ في المنشط والمكره. حتى وإن لم يعطك شيئاً من الدنيا، فإن الله ﷻ أحق بالحمد.

ومن فوائد الحمد لله أنه لا يحمد على مكروه سواه، مما يجعل العبد مستسلماً لقدر الله ﷻ لتحقيق العبودية لله وحده لا شريك له.

دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاء
وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ

وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي
فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ

لقد ابتلي الأنبياء، وابتلي الصالحون بأنواع البلاء فصبروا وهم خير عباد الله، فهكذا أنت تتأسى بالأخيار، أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، وبقيت السنتهم تلهج بـ(الحمد لله) على كل حال على الرغم مما أصابهم من ظلم الظالمين والمعتدين. يقول النبي ﷺ: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له» رواه مسلم.

اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافِ الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونؤكد على قيامنا بواجب أداء صلاة الغائب على شهدائنا في غزة و الضفة. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة. سائلين المولى عز وجل أن يتقبلهم في الشهداء ويتغمدهم بالرحمة والمغفرة.

وهذه ⇐ خطبة عن التسبيح: فضله وأسراره وثمرته – مكتوبة كاملة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.

واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: «أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه»، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.

واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر».

وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم» رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173، 174.

والحمد لله ربّ العالمين…

أضف تعليق

error: