مؤخرًا، وجدنا الإخوة الخطباء يطلبون نشر خطبة عن الحكمة تكون مكتوبة كاملة؛ كما يُقال «من الألف إلى الياء». ولعلّ هذا يرجع إلى مدى نُدرة توافر خطب تتحدَّث عن هذا الموضوع، فضلا عن أهميّته وثقل محتواه ومضمونه.
هنا؛ نحن نلبي هذا الطلب، ونقدم لكم هذه الخطبة المبارَكة؛ وهي من إلقاء فضيلة الشيخ إبراهيم الحارثي -جزاه الله خيرا-.
مقدمة الخطبة
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ | الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ | مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وقرة عيوننا محمدًا عبد الله ورسوله الأمين.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخطبة الأولى
أما بعد ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
أيها الإخوة لو أن رجلاً قام في المسجد الآن يبحث عن ضالة فسوف نقول له جميعًا «لا رد الله عليك ضالتك» هكذا أمرنا النبي ﷺ لأنه لا ينبغي أن يسأل أحد أو أن ينشد عن الضالة في بيت من بيوت الله.
ولو جاء رجلٌ آخر ونشد عن ضالة مختلفة فسوف نقوم له كُلنا، بالأحضان ونقبل رأسه، أعني بهذه الضالة؛ الحكمة.
معنى الحكمة
الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها في أي مكان في المسجد، في المدرسة، في الجامعة، في الشارع، في السوق، على شاطئ البحر، في المناسبة الاجتماعية في البيت، من الصغير والكبير، الرجل والمرأة، المسلم الكافر يمكن للمسلم أن يأخذ منه الحكمة لأنه أحق بها.
والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، الحكمة هي أن يضع الإنسان الشيء في موضعه، أن يضع الكلمة الطيبة في موضعها، وأن يتصرف التصرف الحسن.
فهل نحن حكماء؟ هل نحن يومًا ممن يبحثون عن الحكمة؟ ربما يموت أحدُنا، ربما يموت الإنسان في سبيل المُلك، السلطة، القوة، في سبيل القهر، في سبيل المال، في سبيل المنصب، في سبيل الجاه.
الحكمة أمرٌ عظيم
ربما يقاتل الإنسان دون نسبه، لكن هل جرب أحدنا أن يُقاتل دون الحكمة؟ لكي يحصل على الحكمة؟ إنها أمرٌ عظيم، والذي يقول ذلك ليس أنا بل هو الله -جل وعلا- حينما قال ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾، ومن أصدق من الله قيلا.
ومن يؤتَ الحكمة، ولم يقل ومن يؤتَ المال، أبدا، ولم يقل ومن يؤتى الملك على جلالة قدر الملك، ولم ومن يؤتَ المنصب الرفيع، لم يقل شيئا من هذا بل قال الله ﷻ ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾، أشكر الله يا لقمان الحكيم لأنه جعلك حكيمًا.
كيف تكون حكيما؟
هذه ما ينبغي أن يبحث عنه العاقل، أن يبحث عنه المسلم السوي أن يكون حكيمًا في تصرفاته، في كلماته، في كل حياته، كيف تكون حكيما؟ حينما تُحسن تربية نفسك، حينما تصنع ذاتك، حينما تغير سلوكك، حينما تصنع تفكيرك.
فأنت الحكيم الذي يختار لحياته ما ينفعها في الدنيا وفي الآخرة، حينما تعرف متى تغضب فأنت حكيم، وحينما تعرف متى تُسالم فأنت حكيم، وحينما تعرف متى تكون حليمًا فأنت حكيم، وحينما تعرف من تُصادق فأنت حكيم، وحينما تعرف من توالي فأنت حكيم، وحينما تنتمي إلى أمتك فأنت حكيم، وحينما تنتمي إلى وطنك فأنت حكيم، وحينما تختار الحق مهما كان العدو قوة ونفاذا ومالاً فأنت حكيم.
الحكمة سعادة وأمناً وطمأنينة
الحكمة هي أن تختار لنفسك ما يصنع حياتك وينفعك عند الله ﷻ، هذه الحكمة هي ما تبحث عنه الأمة، هي ما يبحث عنه الناس لأن الذي يؤتَ الحكمة يعيش سعيدا، يعيش آمنا، يعيش مطمئنا، يستطيع أن يقرر أموره بنفسه.
وحينما ترى خلاف الحكمة فإنك تشعر بالألم، وتشعر بالبؤس، وتشعر بالغضب، وتشعر أحيانا باليأس ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وحينما يقع من تتوقع أنه أكمل الناس واحكمهم وأفضلهم حينما يقع في الخطأ وفي الزلل ويخالف بأفعاله وأقواله الحكمة فإنك تشعر بفداحة المصيبة.
أحيانا تشعر بالعجب الشديد، وأحيانا لا تصدق ما تسمع، وأحيانا تكون جالسًا مع نفسك فتضحك فجأة، تضحك وأنت تريد أن تبكي من هول ما تسمع، ومن هول ما ترى، ومن هول ما تقرأ، ومن هول ما يتحدث به الناس، ولولا أنك ترى ذلك وينتشر بين الناس ويتحدثون به لما صدقت.
ما هو العذر، المبرر؟ ما هي الحجة؟ التي يمكن أن نفسر بها إذا أحسنا الظن.
الولاء والبراء
نحن بحاجة إلى أن نراجع أنفسنا، فلربما البعض منا يتابع مغني في تويتر أو في الفيسبوك، أو يشاهده أو يشتري له سي دي فيه فيديو كليب أخير له، كل ذلك ليس من الحكمة ولا من الهدى ولا من النور، ولا من ولا من الولاء، أبدا أيها الإخوة ليس من الولاء والبراء.
علينا أن نُعمل عقولنا، نطلب من الله أن يهدينا، أن يسددنا، أن يرشدنا، أن يصلحنا، أن يوفقنا لاتخاذ القرار المناسب، أن يوفقنا للقول الحق، أن يستعملنا في طاعته، أن يجعلنا ممن يؤمنون بهذا الدين ويقدمونه على ما عداه، أن يجعلنا من أهل الحكمة، أن يجعلنا من الذين يتبعون القول، يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
دوري ودورك في أن نحيي هذه العقول، في أن نراجع أنفسنا، في أن نراجع بعض ما تسرب إلينا وأصبح حقيقة واقعة وأصبح جزءًا من حياتنا وهو يخالف مفاهيمنا، ويخالف تربيتنا ويخالف أصولنا.
إننا بحاجة إلى الوصول إلى الحكمة عن طريق والقراءة والاطلاع، وعن طريق التجربة والممارسة في الحياة لأن الحياة أكبر جامعة، وأكبر مدرسة، وعن طريق اللجوء إلى الله ووضع الجبين على الأرض والبكاء بين يديه أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يعلمنا كيف نختار؟ وكيف نقرر؟ وكيف نوالي؟ وكيف نعادي؟ وكيف نُصلح حياتنا؟ وكيف نجمع القلوب علينا، وكيف نحيا ونموت من أجل كلمة الحق؟ وكيف نحب أمتنا ونهتم بقضاياها؟
هذا هو المطلوب أن يظل الإنسان يسأل الله ذلك بكل قوة حتى يلهمه الله الحكمة، والقول الفصل.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
هنا أيضًا نجِد خطبة: مراحل بناء الشخصية في السنة النبوية على أُسس من كتاب الله ﷻ
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد، أيها الإخوة هناك محاولات لسرقة ثروات المسلمين وتدمير كل ما يحققونه من إنجازات.
اللهم إني أسألك أن تتم لبلادنا نصرها، اللهم حقق لنا آمالنا، اللهم اللهم عليك بمن عادانا، وتآمر علينا، وأراد لنا أن نبقى كما كانوا.
أيها الإخوة، فإن كانت بلاد المسلمين تعيش أزمة عظيمة إلا أن بشائر النصر اليوم على مرمى البصر.
فلذلك نسأل الله أن يثبتهم، وأن ينصرهم وأن يعجل بالفرج والنصر والتمكين لهم.
كذلك؛ نسعَد باطلاعكم على: خطبة عن المشاكل الزوجية.. تحت عنوان «وجعل بينكم مودة ورحمة»
الدعاء
- اللهم إنا نسألك فرجا قريبا لإخواننا المسلمين في كل مكان.
- اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان.
- اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين، اللهم وفقهم للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك ﷺ.
- اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم مِن عليه بالصحة والعافية، اللهم ألبسه ثياب الصحة والعافية، اللهم استعمله في طاعتك ووفقه للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك ﷺ، اللهم أصلح له البطانة.
- اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها أولها وآخرها علانيتها وسرها.
- اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل قدير.
- ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
وختامًا؛ أترككم مع مقترحي الأخير هنا، وهو خطبة عن حسن الظن بالله ﷻ.