ومع انتشار السلوكيات الضارة، بشراسة، التي تحدث من الإنسان ضد البيئة؛ من انتهاكات ضد الطبيعة بنباتاتها وحيواناتها وطيورها؛ وما يحدث من حرائق الغابات في مختلف البلدان العربية والإسلامية، والعالم أجمع. كان لزامًا على الأئمة والخطباء أن يكون لهم دور قوي في التوعية تجاه هذه التعديات التي تحدث ضد البيئة.
ولذلك؛ نقدم لكم هاهُنا خطبة –مكتوبة– حول ضرورة الحفاظ على البيئة. يُسلِّط فيها الخطيب الضوء عن كثب حول ضرورة حماية البيئة، والمحافظة على الأشجار والنباتات؛ وغيرها من الثروات الطبيعية.
مقدمة الخطبة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهدي الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.
بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وعظيم تسليماته على هذا النبي الأمي الكريم، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى الصحابة أجمعين وعلى التابعين وتابعي التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
الخطبة الأولى
وبعد أوصيكم عباد الله وأوصى نفسي بتقوى الله ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ | يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾.
ثم أما بعد؛ يمتن الله ﷻ على البشر في كتابه العزيز بما سخر لهم من إمكاناتٍ في هذه الحياة، وفي الكون من حولهم.
يقول تعالى ﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ | وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
هذه النعم العظيمة المحيطة بالإنسان؛ الأرض وما فيها من خيرات، والبحر وما يحويه من نِعم، والسماء والهواء بنقائها وصفائها، كل هذه الأمور نسميها البيئة.
فالبيئة هذه التي نعيش فيها نعمة من نعم الله ﷻ علينا، يمتن بها علينا ويدعونا لشكرها سبحانه، يقول ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
ومن شُكر هذه النعمة الحفاظ عليها لتكون عونًا للإنسان على أمور حياته وطاعة ربه، وإقامة منهج الحق الذي كلفه الله ﷻ به ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾.
كيف نُحافظ على البيئة
الحفاظ على هذه البيئة؛ بعدم التلويث، والحفاظ على نظافتها، ونقاء تربتها ومائها وهوائها وشواطئها وبحارها وصحرائها لتبقى صالحة مفيدة نافعة.
والحفاظ كذلك على تجددها، واستدامة مواردها، وعدم استنزاف خيراتها ونباتاتها، وتجديد هذه الموارد وحمايتها.
أيها الإخوة؛ إن الإنسان هو الكائن الوحيد والمخلوق الوحيد الذي تتسبب نشاطاته في نواتج تدمر هذه البيئة؛ مخلفات الصناعة والفوارغ التي تُرمى كلها تتسبب في تدمير لهذه البيئة ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾. وإلا فإن الله ﷻ قد خلق هذه البيئة تجدد نفسها بنفسها.
الحفاظ على البيئة مسؤولية الفرد والمجتمع
والإنسان كذلك هو الكائن الوحيد المُكلف والمُخاطب بالحفاظ على هذه البيئة، وتقع مسؤولية الحفاظ على البيئة على الفرد وعلى المجتمع والدولة، فهي مسؤولية مشتركة لا يصح أن يتخلى فيها طرف عن مسؤوليته.
فكما أن الدولة تقوم بسن القوانين التي تحمي البيئة وتراقب تطبيقها، وتدعم الحفاظ عليها وتنفق على تجديدها وحمايتها، كذلك الفرد مسؤولٌ عن القيام بدوره في الحفاظ على هذه البيئة، والمشاركة الفاعلة في كل نشاط يهدف لحمايتها، والابتعاد عن التصرفات التي تُدمر هذه البيئة وتستنزفها.
الحفاظ على البيئة واجب ديني
إن البيئة حق لنا، وحق للأجيال القادمة للبشرية جمعاء، وواجبنا جميعا أن نحافظ عليها لأجيالنا، إن هذا المفهوم في الحفاظ على البيئة، مفهوم الواجب الديني، والضرورة الدنيوية معا، مفهوم مهم يتطلب العناية به، وغرسه في نفوس الناشئة.
ولا شك في أن للتعليم وللإعلام ولمنابر التوجيه عموما دور مهم في غرس هذا المفهوم في نفوس النشء.
وكذلك هناك دور حيوي وأساسي؛ للأسرة، للوالدين للإخوة الكبار للقدوات لهم دور مهم في غرس هذا المفهوم قولاً وعملًا في نفوس الأبناء والبنات وتوجيههم إليه التوجيه الواعي والحاني للحفاظ على بيئتهم، وتوجيههم للبعد عن التصرفات التي تؤدي إلى تدمير هذه البيئة ومراقبتهم في خروجهم ودخولهم.
أسأل الله ﷻ أن يوفقنا لما يحب ويرضى.
أقول قولي هذا؛ وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة على من لا نبي بعده سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأوصيكم بتقوى الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
وبعد؛ فمع اعتداد الجو، واخضرار الربيع الذي مَن الله ﷻ به علينا في هذه السنة يكثر ناس من الرحلات للاستمتاع بالبر والربيع. وينبغي التنبيه هنا على مرتادي البر أن ينتبهوا لتصرفاتهم، وتصرفات أبنائهم.
فهي فرصة للاستمتاع وفرصة كذلك للتربية، ولغرس المفاهيم التي ينبغي أن تُغرس في نفوس الناشئة، هي فرصة يجب استغلالها في غرس مفهوم حماية البيئة في نفوس النشء.
إياكم وحرائق الغابات
وينبغي على الجميع تجنب الممارسات الخاطئة كالدخول بالسيارات إلى الروضات ومنابت الربيع وتجنب إتلاف الأشجار المعمرة التي تستهلك سنوات وسنوات لتنمو وتكبر في هذه البيئة الصحراوية.
ثم يأتي شاب متعجل متسرع لا يقدر للبيئة قدرها فيحتطب الشجرة ليستمتع بها ويوقد نارًا لدقائق ثم يذهب.
تجنبوا حرق الغابات، واعلموا أن هناك الكثيرون من أبناء الوطن من يبذلون أرواحهم في إخماد هذه الحرائِق؛ حتى لا نُصاب بفواجع طبيعية واقتصادية بشعة جراء هذه الانتهاكات ضد البيئة والغابات.
علينا أيضا أن نتجنب تلويث البر بالفضلات والمخلفات لا سيما المخلفات التي لا تتفاعل مع البيئة؛ كالفوارغ البلاستيكية وغيرها.
وكذلك نتجنب تلويث هذه الأماكن بإيقاد النار في إي مكان، بل على الإنسان إذا ذهب إلى البر وأراد أن يشعل نارًا أن يستعمل الأماكن الموجودة والتي استعملها من كان قبله. وبهذا يكون الحفاظ على البيئة تطبيق عملي في حياتنا.
ولا تفوتك إمامنا الفاضِل؛ هذه: خطبة عن حرائق الغابات
الدعاء
- أسأل الله ﷻ أن يحفظ علينا أرضنا وسمائنا وبحارنا، وأن يحميها لنا وأن يبارك لنا فيها، وأن يُلهمنا شكرها إنه على ذلك قدير.
- اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا.
- اللهم لا تمنع عنا فضلك بذنوبنا يا رب العالمين.
- اللهم أغفر ذنوبنا التي تمنع الرحمة برحمتك يا أرحم الراحمين.
- اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تهلكنا بالسنين.
- اللهم إنا نسألك غيثا مغيثا هنيئا مريئا سحًا غدقًا مجللاً نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل برحمتك يا أرحم الراحمين، واغفر ذنوبنا، واجمع كلمتنا على الحق والهدى إنك على كل شيء قدير.
وصل اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله أجمعين.
عباد الله ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾، وأقم الصلاة.
خطبة: الحفاظ على البيئة وحمايتها
- ألقاها: فضيلة الشيخ د. إبراهيم بن عبدالله الأنصاري؛ جزاه الله خيرا.
- فحواها: الحث على الحفاظ على البيئة، والتنبيه على مخاطر الانتهاكات التي تحدث تجاه ما يُحاط بنا؛ كالتعدي على البية والطبية، وحرق الغابات؛ وغيرها من الانتاكات التي تحدث ضد هذه النعم العظيمة التي وهبنا الله ﷻ إيّاها.
- خطبة مقترحة: خطبة عن أهمية تحصين الآبار والحفاظ على نعمة الماء