لكل الأئمة والدعاة والوُعَّاظ؛ هنا خطبة جمعة مكتوبة عن الحرب الروسية الأوكرانية وموقف المسلمين تجاهها. وغيرها من النقاط التي يُمكِن أن نفكر بها كعرب ومسلمين.
تنويه: لعلك أيضًا ترغب بالاطلاع على: خطبة عن حرب روسيا وأوكرانيا وآثارها على العرب والمسلمين
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله. بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد، ولم يترك شيئا مما أمر به إلا بلغه. فتح الله به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، وهدى الناس من الضلالة، ونجاهم من الجهالة، وبصرهم من العمى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهدى بإذن ربه إلى صراط مستقيم.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه.
أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله ﷻ. وخير الهدي هدي محمد ﷺ. وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار. وما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى. وإنما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين.
الخطبة الأولى
أما بعد أيها المسلمون، عباد الله. فإن ربنا ﷻ قد خَصّ هذه الأمة بخير كتابٍ أنزل، وبخير نبي أرسل. واختار لها الدين الذي رضيه لنفسه. وجعل الدين في عقائده وأحكامه شامِلا للحياة كلها، محققا لمصالح العباد في المعاش والمعاد، ملبيا لمطالب الروح والجسد. أحكام ديننا في عباداتنا ومعاملاتنا وأخلاقنا وسلوكنا ما تركت شاذة ولا فاذة. بل هو مستغرق للحياة كلها من المولد إلى الممات، من المنشأ إلى المصير.
ما يستطيع مسلم أن يقول قولا أو يعمل عملا، ثم يزعم أن الدين بمعزل عنه. بل الدين حاكمٌ علينا في جميع أقوالنا وأفعالنا، فيما نحب وما نبغض، فيما نأتي وما نذر.
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ﴾، ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
موقف المسلمين من حرب روسيا وأوكرانيا
أيها المسلمون عباد الله؛ في أيامنا هذه يتحدث الناس كلهم أجمعون عمّا يدور حولنا من قتال بين الروس والأوكران. ويسارع بعض الناس إلى الدعوة إلى نُصرة هذه الدولة أو تِلك. وكلٌ يقدم مبرراته، ويعرض ما يعِن له من أفكار. لكن ينبغي لكل مسلم أن يعلم أن الأمر أمر دين، وأن القتال ليس شيئا سهلا، بل يترتب عليه سفك للدماء، وإزهاق للأرواح وإتلاف للممتلكات وتخريب للعامِر. ويترتب على الحروب من الشرور ما لا يعلمه إلا الله.
وما شرع الله لنا -معشر المسلمين- حربا إلا لأن مصلحتها تربو على مفيدتها، وخيرها يرجح على شرها.
أما هذا القتال الدائر بين هاتين الدولتين الكافرتين. فإنه ما ينبغي لمسلم أن ينصر فيه دولة على دولة، ولا طائفة على طائفة، ولا أن يبيح لمسلم أن يريق دمه في مثل هذه الحرب؛ وذلك لأمور:
١. أولها أن كلتا الدولتين كافرة، عدوٌ للإسلام وأهله. فهذه روسيا، منذ أن كانت قيصرية إلى أن تحولت إلى الشيوعية؛ عانى منها المسلمون ما عانوا، من قضم أراضيهم، وانتهاك أعراضهم، وحملهم إلى المنافي في صحراء سيبيريا، وإحلال غيرهم مكانهم، والاستيلاء على ثرواتهم.
وما كان شر تلك الدولة قاصرا على الجمهوريات المحيطة بها، بل امتد أثرها إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. حين حكمت الشيوعية بلادا شتى من بلاد المسلمين، وسلطوا عليها طواغيت يدينون بالولاء لتلك الدولة، فساموا المسلمين سوء العذاب.
وفي عصرنا هذا تسلطوا على إخواننا في سوريا. فهدَّموا ديارهم ومساجدهم ومدارسهم، وشردوهم في أقطار الأرض، وأحالوا ديارهم إلى خراب.
وكذا فعلوا في ليبيا عن طريق مرتزقتهم.
فهذه الدولة عدوٌ للإسلام.
وكذلك أوكرانيا؛ تضيق على المسلمين في مساجدهم، تمنع الحجاب. ثم بعد ذلك تناصر دولة الكيان الصهيوني. وتسمي المجاهدين بالإرهابيين.
فكِلتا الدولتين كافرة، والراية راية جاهلية، راية عِميّة. وقد قال رسول ﷺ «من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية». وسُئِل رسول الله ﷺ عن الرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليُرى مكانه؛ أي ذلك في سبيل الله؟ فقال -عليه الصلاة والسلام- «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».
تُرى؛ أي الطائفتين تريد أن تكون كلمة الله هي العليا؟ اللهم لا هذه ولا تلك، بل كلاهما على الكفر مقيم.
٢. ثانيا، ما أُثر عن النبي ﷺ، ولا عن أصحابه -رضوان الله عليهم- إنهم قد اشتركوا في قِتال مشركين لمشركين. أبدا. ما ينصرون مشركين على مشركين. لأن كلمة الله ﷻ في مثل هذا القتال غائبة.
٣. ثالثا -أيها المسلمون عباد الله- المشارك في مثل هذا القتال لا يسلم من أن يقتل مسلما. فإن في كِلتا الطائفتين مسلمين، لكنهم مسلمون مغيبون. ربما يخرجون تحت دعاوى قومية، أو عصبية جاهلية، أو دفاع عن مصالِح ضيقة.
والله ﷻ ذم بني إسرائيل في كتابه فقال -في سورة البقرة– ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ﴾. ثم عابهم بقوله ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
وقد تتابعت فتاوى أئمة الإسلام في المنع من ذلك. لما سُئل إمامنا مالك -رحمه الله ورضي عنه- عن ناس من المسلمين أسرى في بلاد الشرك، أو تُجار في بلاد الشرك، فخرج على ملك المشركين ناس. هل يحل للمسلمين أن يشاركوا مع هؤلاء أو هؤلاء؟ فأفتى مالك -رحمه الله- بأن ذلك لا يحل. لأن القتال في دين الإسلام إنما يكون لغايةٍ واحِدة؛ أن تكون كلمة الله هي العليا. أما أن يقاتل من أجل أن يخرج ناس من الكفر إلى الكفر فلا.
قتالنا معشر المسلمين من أجل أن نخرج الناس من الظلمات إلى النور، من الضلال إلى الهدى. كما قال ربنا ﷻ ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه﴾. هذه هي الغاية من القتال.
ليس القتال عندنا -معشر أهل الإسلام- شهوة، ولا مهنة. وإنما القتال وسيلة لغاية شريفة نبيلة، نَصّ عليها ربنا ﷻ في كتابه الكريم.
أيها المسلم عباد الله انظروا من تستفتون، عمَّن تأخذون دينكم. وفي أيامنا هذه صدرت فتاوى موثَّقة عن ناس أهل عِلم عدول، عُرف عنهم غيرتهم على دين الله ﷻ بمضمون ما نقلته لكم في كلامي هذا.
أسأل الله ﷻ أن يهدينا سواء السبيل. وأن يجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين. سِلمًا لأوليائه، حربا لأعدائه. نحب بحبه من أطاعه من خلقه، ونعادي بعداوته من خالفه.
توبوا إلى الله واستغفروه.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه. وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه. اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأنصاره وإخوانه.
ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين
أما بعد أيها المسلمون؛ فاتقوا حق تقاته، وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. واعلموا أن هذه الأحداث الجِسام التي تدور في عالم اليوم قد كشفت عن دعاوى كاذِبة خاطئةٍ طالما دندن حولها أعداء الله من الصليبيين والملاحِدة واليهود. وروَّج لها كثير من بني جِلدتنا ممن لا يعرفون حقائِق الأمور.
دعاوى حقوق الإنسان والعدالة والمساواة، وغير ذلك مما أكثروا الدندنة والطنطنة حولها.
أثبتت هذه الأحداث أن القوم متعصبون لقومياتهم. خرج من ساستهم ومن إعلامييهم من يتحدَّث أن هؤلاء المهجَّرين من أوكرانيا قوم أوربيون أذكياء، ليسوا كغيرهم ممن هُجِّروا من بلاد الشرق الأوسط وأفريقيا. وبعضهم قال هؤلاء بشرتهم بيضاء وعيونهم زرقاء. وبعضهم تحدث بأن هؤلاء قوم نصارى. هكذا أفصحوا عن مكنون صدورهم.
كما قال ربنا ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾.
كثير من بني جلدتنا صوروا لنا أن هؤلاء هم رُسُل الإنسانية وعنوان الحضارة. وإنهم لا يفرقون بين إنسان وإنسان. إلى غير ذلك من الدعاوى الباطلة. الآن تبيَّن من بكى ممن تباكى. ظهرت الأمور على حقيقتها. حين صاروا يمنعون من كانت بشرة سوداء من أن يركبوا القطارات إلى بلاد أخرى يأمنون على أنفسهم. يمنعون المسلمين. يتيحون اللجوء لصِنف دون صنف، ولون دون لون؛ مما يزيدنا إيمانا بقول ربنا ﷻ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾.
فيا معشر أهل الإسلام لا سبيل لنا إلا بأن نعتصم بإخوة ديننا. فإن «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه»؛ كما قال نبينا ﷺ.
الدعاء
أسأل الله ﷻ أن يفقهنا في ديننا. وأن يعلمنا سنة نبينا. وأن يرزقنا الثبات واليقين. وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتلم بها شعثنا، وتصلح بها ديننا، وتبيض بها وجوهنا، وتزكي بها عملنا، وترفع بها شاهدنا، وتحفظ بها غائبنا، وتدفع بها الفتن عنا، وتعصمنا بها من كل سوء يا سميع الدعاء.
اللهم اجعلنا لك ذكَّارين لك شكَّارين لك مطاوعين لك مخبتين؛ إليك أوَّاهين منيبين.
اللهم تقبل توبتنا واغسل حوبتنا وأجب دعوتنا وثبت حجتنا، واهد قلوبنا واسلل سخيمة صدورنا.
اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية.
اللهم صب علينا الخير صبا صبا، ولا تجعل عيشنا كدا.
اللهم افتح علينا من بركات السماء خزائن الأرض يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات؛ إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم. ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
قدَّمنا لكم أعلاه خطبة عن الحرب الروسية الأوكرانية وموقف المسلمين تجاهها. ألقاها فضيلة الشيخ عبدالحي يوسف؛ حفظه الله وبارك فيه وجزاه خيرا.
آملين أن تنال استحسانكم ورضاكم، وأن تنتفعوا بها أئِمَّة ومأمومين.
لدينا هنا أيضًا: خطبة عن السرورية مكتوبة – نظرة على التنظيم وما يمثله من تهديدات