مقدمة الخطبة
الحمد لله المبدئ المعيد، خلق الخلق وأمرهم بأن يقولوا القول السديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صاحب الخلق الحميد، والمتصف بالقول الرشيد، ﷺ وعلى آله وأصحابه أهل الفضائل والتسديد.
أما بعد، فاتقوا الله – عباد الله -، وأحسنوا في أقوالكم؛ فإن ذلك صلاح للأعمال ومغفرة للذنوب، يقول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون: يقول الله ﷻ: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِم وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)، لقد بينت هذه الآية الكريمة أن الله ﷻ يحب القول الحسن ويدعو إليه، ولا يحب أن يجهر الإنسان بألفاظ قبيحة، ولا أن ينطق بالسيئ من القول، فقد أمر نبيه ﷺ أن يأمر الناس بذلك حفظا لهم من نزغ الشيطان ووسوسته، يقول الله ﷻ: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِم وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)، وقد وصف سبحانه الكلمة الطيبة بثبات أصلها وحسن ثمرتها: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
أيها المسلمون: يبين لنا رسول الرحمة والهدى أن أعظم الأقوال والأعمال يوم القيامة ما غلف بحسن الخلق، ويخبرنا كذلك أن أبغض الأقوال والأفعال عند الله ﷻ الفاحش البذيء، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن الرسول ﷺ قال: «أثقل شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة حسن الخلق، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء»، وليس فحش القول والتجرؤ على الناس بالقول السيئ من صفات المؤمن ولا شمائله، فإن النبي ﷺ يقول: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء»، فكن أيها الموفق من أهل العزم الذين يمسكون ألسنتهم عن غير اللائق من القول، واستجب لله ﷻ إذ قال سبحانه: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا).
عباد الله: إن رد الإساءة بالإحسان، وإبداء الخير وكظم الغيظ، والعفو عمن أخطأ، من شيم المؤمنين، وصفات الأبرار، أما ترى أيها اللبيب أنهم استجابوا لله ﷻ إذ أمرهم بقوله: (إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوا قَدِيرًا)، وقد وطنوا أنفسهم على الأفضل والأكمل من القول والفعل، استجابة لقوله ﷻ: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيُّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
فاتقوا الله -عباد الله-، (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
وهنا أيضًا ⇐ خطبة مكتوبة مؤثرة عن الكلمة الخبيثة وخطورتها
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وجعل الليل والنهار خلفة فتذكر أولو الألباب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده الصادق الأواب، ﷺ وعلى آله وأصحابه المحسنين في الخطاب.
أما بعد، فيا عباد الله: اعلموا -جعلكم الله من أهل التوفيق- أن تمام العبادات وملاك القربات أن يحفظ المرء لسانه؛ فهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه يسأل النبي ﷺ سؤالا فيقول: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه»، ثم بين له الرسول ﷺ أصول العبادات وأنواع الطاعات التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في جميع الأوقات، ثم قال ﷺ: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه قال: «كف عليك هذا»، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».
فكن أيها العبد الصالح وأنت تتكلم متذكرا أن الله يسمعك، ويعلم ما يدور في صدرك: (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا علِيمًا)، وغالب نفسك بالعفو عن زلات الناس؛ فليس جزاء ذلك إلا العفو عنك من الله القدير: (إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوا قَدِيرًا)، وتذكر رعاك الله أن المؤمنين إخوة كما وصفهم ربهم، فلا تنزع عنك لباس الأخوة بما يجلب الشقاق، فإن الله ﷻ يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
فاتقوا الله -عباد الله-، وتذكروا أنكم عائدون إلى الله، فزنوا أقوالكم وأعمالكم: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.