تحدَّثنا من قبل عن منزلة الشهادة والشهداء والتضحية والفداء؛ والآن لدينا خطبة عن الجهاد في سبيل الله. مدعومة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ فضلا عن المواعظ المؤثرة، والتعريفات والتوضيحات الجليَّة.
سيكون لدينا اليوم حديث مُفصَّل في الخطبة عن فضائل الجهاد في سبيل الله وأحكامه. وبحَق، هذه واحِدة من أفضل الخُطب وأشملها، التي تتحدَّث عن هذا الموضوع.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله ﷻ نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله ﷻ من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله ﷻ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الخطبة الأولى
أما بعد عباد الله، فقد أخرج الإمام أبو داود في سننه بإسناد حسنه الشيخ الألباني -رحمه الله ﷻ- رحمة واسعة، عن ابن عباس -رضي الله ﷻ عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ «لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله ﷻ أرواحهم في جوف طير خُضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، ثم تأوي إلى قناديل من ذهب مُعلقة تحت العرش، فلما رأوا طيب مطعمهم ومشربهم ومَقِيلهم، قالوا: من يخبر إخواننا عنا؟ أنَّا أحياء في الجنة نرزق، فقال الله ﷻ أنا أبلغهم عنكم، ثم أنزل الله ﷻ ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»﴾.
منزلة الشهداء
فهذا الحديث يبين لنا فيه النبي ﷺ ما أعده الله ﷻ للشهداء الذين جاهدوا في سبيل الله ﷻ إعلاءً لدينه، ونصرة لشرعه.
قالوا: من يخبر عنا إخواننا، أنا أحياء في الجنة نرزق، لماذا؟ قال ﷺ «لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا»، يعني يضعفوا ويجبنوا عند الحرب واللقاء.
فأرادوا من إخوانهم الذين في دنيا الله ﷻ أن يعلموا ما أعده الله رب العالمين للمجاهدين في سبيله ﷻ لأن الجهاد من أعظم الأعمال، ومن أفضل القربات، وهو سبب عظيم لرفعة الدرجات، ولنيل مغفرة الله ﷻ.
يغفر ﷻ به للعبد ويرفع الله ﷻ العبد في الجنة منازل، وينجي الله ﷻ العبد به من النار.
لما قدم المجاهد نفسه لله ﷻ، ولما كان الجزاء من جنس العمل عوضه الله ﷻ بالحياة في الجنة ﴿أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ كما أخبر الله ﷻ في كتابه.
فضل الجهاد في سبيل الله
الجهاد عباد الله، مقام عظيم في دين الله ﷻ، هو أعلى وأفضل الأعمال عند الله ﷻ بعد الإيمان بالله وبرسوله.
جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل عند الله ﷻ؟ قال «إيمان بالله ورسوله»، قال: ثم أي؟ قال «ثم الجهاد في سبيل الله»، قال: ثم أي؟ قال «ثم حج مبرور» كما أخبر الرسول ﷺ.
والجهاد عباد الله مأخوذ من الجَهدِ وهو؛ التعب والمشقة، أو مأخوذ من الجُهد وهو؛ بذل الوسع والطاقة، وذلك لأن المجاهد يضحي بنفسه، وُيتعب بدنه، ويبذل روحه لربه ﷻ.
وهو قتال المسلمين للكفار المعاندين المحاربين، وللبغاة والمعتدين، وغيرهم نصرة للإسلام وإعزازا لدين الله رب العالمين.
مشروعية الجهاد
والجهاد مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم ولا نزاع.
قال ﷻ ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾.
وقال ﷺ «من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية» كما قال ﷺ.
واجمع أهل العلم على مشروعيته، وأنه ذروة سِنام هذا الدين العظيم كما قال عنه النبي الكريم ﷺ.
الجهاد عباد الله يريد كثير من الخلق أن يمحو هذه الشعيرة، وألا يذكروا الناس بها، وأن يغيروا اسمها لأن الجهاد عندهم ليس له معنى إلا الدماء والقتل، وليس له معنى إلا الخراب والدمار.
شروط الجهاد
والجهاد شرعه الله ﷻ، ولن يتغير حكم الله ما دامت السماوات والأرض، ولكن الجهاد له شروط كثيرة، منها؛ شروط عامة، ومنها شروط خاصة.
ولكن من الشروط التي يجب على العبد أن يلتفت إليها، الشرط الأول: العلم، العلم بالجهاد، وأن يعلم العبد من يجاهد ومتى يجاهد؟ وما هي الشروط التي تتوفر فيه حتى يجاهد؟ كل ذلك ينبغي على العبد أن يعلمه.
كيف يتعامل في ساحة النزال؟ وكيف يتعامل مع الأسرى؟ وكيف يصنع وماذا يفعل علما مؤسسا على كتاب الله وعلى سنة رسول الله ﷺ.
وأما الشرط الثاني: فهو الإخلاص، وذلك بأن يكون الجهاد لا طمعًا في عطاء، ولا طلبًا لمكانة، ولا سعيًا وراء منصب، ولا حربًا من أجل جاه ووجاهة، وإنما أن يقصد العبد وجه الله ﷻ.
يا رسول الله الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء ويقاتل للمغنم ويقاتل ليعلم الناس ما له من فضل ومكانة، أي ذلك في سبيل الله؟ قال ﷺ «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» كما قال ﷺ.
ولما جاء الرجل، يا رسول الله أرأيت الرجل غزا في سبيل الله يلتمس الأجر والذكر، ما له عند الله ﷻ؟ قال «لا شيء له»، يعني يجاهد في سبيل الله، يطلب أجرا من الله، ويريد ذكرا حسنًا عند الناس، قال «لا شيء له».
لا أجر له ولا ثواب له، فأعاد الرجل ثلاثا وأجاب النبي ﷺ بنفس الجواب «لا شيء له»، ثم قال ﷺ «إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا وأبتغي به وجه الله رب العالمين».
الشرط الثالث: أن يكون المسلمين قوة، وأن يكون عند المسلمين قدرة كما قال ﷻ ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾.
وأما الشرط الرابع: فيشترط في الجهاد إذن الإمام، يعني؛ أن يأذن الحاكم، وأن يأذن ولي الأمر لأن رسول الله ﷺ قال «إنما الإمام جُنة يقاتل من ورائه»، فهو الذي يعطي الأذن بالحرب، وهو الذي يعطي الإذن بالقتال، وهو الذي يعطي الإذن بالجهاد.
وإما أن يأتي العبد وأن يجمع جماعة وأن يخرج على المسلمين مفجراً ومدمرا وسافكًا للدماء، وقاطعًا للطريق، ومنتهكا للحرمات فليس ذلك بجهاد.
وإن ادعى أصحابه ذلك وإنما هو إرهاب وإفساد، فلا ترفع راية الحرب، ولا ترفع راية الجهاد إلا بإذن الحاكم أو الإمام أو ولي الأمر.
فضائل الجهاد
والجهاد في سبيل لله له من الفضائل ما الله ﷻ به عليم، ذكرها الله في كتابه، وذكرها النبي ﷺ في سنته ترغيبًا للعباد، وذلك بأن العبد إذا علم أنه إذا قدم نفسه وبذل مُهجته لوجه ربه ﷻ كافأه الله ﷻ الجزاء الأوفى.
نذكر هذه الفضائل ترغيبًا وتبشيرًا لإخواننا الذين يحاربون من أجل هذا الوطن، ومن أجل إبقائه آمنا سالما تبشيرا لهم وتذكيرا وحضا لهم على ما هم فيه.
قال الله ﷻ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ |تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
فسمى الله ﷻ الجهاد بالتجارة الرابحة، ووعد الله ﷻ بالأجر العظيم وبالنجاة دنيا وآخرة لمن جاهد في سبيل الله بماله ونفسه.
والجهاد عباد الله سبب من أعظم الأسباب أن يتحصل العبد على جنة مولاه، قال النبي ﷺ «لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله ﷻ العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف».
وقال ﷻ ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾، فلا جزاء لهم عند الله ﷻ إلا الجنة.
إن رد الله ﷻ المجاهد توكل ﷻ أن يرده سالمًا بأجر وغنيمة، وإن توفاه الله ﷻ فليس له عند الله إلا الجنة كما أخبر النبي ﷺ.
وأخبر النبي ﷺ أيضا أن الجهاد من أعظم أسباب النجاة من النيران، فقال ﷺ «ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار» كما أخبر النبي ﷺ.
والذين يجاهدون لهم عند الله ﷻ الدرجات العلا في النعيم المقيم، قال ﷺ «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله ﷻ للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض» كما أخبر ﷺ، إلى غير ذلك من الفضائل الكثير والكثير في كتاب الله وفي سنة رسول الله ﷺ.
أهداف الجهاد وغاياته
والجهاد عباد الله أهداف وغايات، فمن أهداف الجهاد في سبيل الله ﷻ: إعلاء دين الله، ونصرة دين الله ﷻ ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
فشرع الله ﷻ الجهاد إعلاءً لكلمة الله «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» كما قال ﷺ.
﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه﴾ كما قال ﷻ.
فشرع الله ﷻ الجهاد حتى لا يعبد إلا الله، وحتى يركع ولا يسجد على وجه الأرض إلا لله، وحتى لا يستعان ولا يستغاث إلا بالله، وحتى يتوكل ويتعلق القلب بالله ﷻ.
فمن أعظم أهداف الجهاد إعلاء كلمة الله ﷻ، ونصرة دين الله رب العالمين.
كذلك من أهداف الجهاد رفع الظلم عن المظلومين، رفع الظلم عن المظلومين هذا أيضا من أهداف الجهاد في الإسلام العظيم ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾.
ولما أخبر ﷻ عن الرجال والنساء والولدان المستضعفين في الأرض ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾.
قال أهل العلم: في هذه الآية دليل على أن من أهداف الجهاد التي من أجلها شُرع رفع الظلم عن المظلومين.
كذلك أهداف الجهاد رد العدوان عن الإسلام والمسلمين، فالله ﷻ جعل من أهداف الجهاد رد العدوان، أي إذا اعتدى أحد على أمة الرسول ﷺ، وأراد أن ينال منها، وأراد أن ينال من عِرضها وكرامتها، وأراد يعبث بأمنها واستقرارها، وأراد أن يكون سببًا في تفجير منشآتها شرع الله ﷻ الجهاد، حينئذ ردا لهذا العدوان، ورفعا للظلم عن المظلومين، ودفاعا عن الأوطان المسلمة.
كل ذلك من أهداف الجهاد وغاياته التي شرعها الله، والتي بينها رسول الله ﷺ.
الجهاد في الإسلام ليس انتقاما، وليس سفكا للدماء، وليس تخريبًا ولا تفجيرًا ولا تدميرا لأن رسول الله ﷺ كان يوصي الجند في الحرب مع أعدائه، يقول ﷺ «لا تغلوا ولا تغدروا، لا تقتلوا شيخا، ولا امرأة ولا وليدا ولا أجيرًا، لا تقطعوا شجرة».
فيُنادي ﷺ بعدم الاعتداء، وينادي ﷺ بعدم الإفساد في الأرض.
أما الذين خرجوا على أمة سيدنا محمد ﷺ، يقتلون برها وفاجرها، ولا يحفظون لذي عهد عهده، يفجرون المنشآت، ويقتلون الأبرياء، ويعتدون على الركع السجد في بيوت الله، ويسعون في الأرض فسادا، ويهددون أمن الدولة فهؤلاء مفسدون، وليسوا بمجاهدين.
وإن ادعوا ذلك واعتقدوه، فهم ليسوا على شيء، وإنما هم على باطل وضلال.
وأما الذي يحاربون من أجل أوطانهم وأرضهم وأعراضهم، فهؤلاء في سبيل الله رب العالمين.
نسأل الله ﷻ أن ينصرهم بنصره، وأن يمدهم بمدد من عنده، وأن يقوي شوكتهم، وأن ينصرهم على أعدائهم.
وصلى الله وسلم وبارك على إمامنا ونبينا محمد ﷺ.
وهنا نجِد: خطبة عن حق الوطن والتضحية في سبيله.. مكتوبة جاهزة بالعناصر والفقرات
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، إمامنا ونبينا محمد ﷺ.
هل الدفاع عن الدولة المسلمة جهاد في سبيل الله؟
أما بعد عباد الله، فهل يعتبر الدفاع عن الأرض المسلمة وعن الدولة المسلمة جهادٌ في سبيل الله رب العالمين؟ أم لا يعتبر جهادا؟
الذي يدافع عن أرضه، التي يقام عليها شعائر الإسلام الظاهرة هل هذا يعتبر مجاهدا في سبيل الله ﷻ؟
لأن رسول الله ﷺ قال «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».
فالذي يقاتل دفاعا عن وطنه وأرضه هل هذا يعتبر مجاهدا في سبيل الله ﷻ؟
والجواب نعم، الذي يحارب دفاعًا عن وطنه، ليس لأنه أرض وتراب، ليس لأنه بناء وسقف وإنما يدافع عن أرضه.
لأنها أرض مسلمة، وشعبها شعب مسلم، وتقام عليها شعائر الإسلام، فيرفع عليها الآذان، وتقام على أرضها الصلوات، ويصوم الناس فيها رمضان، وتخرج فيها الصدقات والزكوات، ويحج من أرضها إلى بيت الله الحرام.
الذي يدافع عن هذا الوطن الذي يُعبد فيه الله ﷻ، ويركع لله على أرضه ويسجد، الذي يدافع عن هذه الأرض إنما هو مجاهد في سبيل الله ﷻ.
جاء الرجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، أرأيت الرجل يريد أخذ مالي، يعني ظلما افتراء، قال ﷺ «لا تعطه»، قال: أرأيت إن قاتلني يا رسول الله، قال ﷺ «فقاتله»، قال: أرأيت إن قتلني يا رسول الله، قال «إن قتلت فأنت شهيد»، قال: أرأيت إن قتلته يا رسول الله، قال «إن قُتل فهو في النار» كما أجاب النبي المختار ﷺ «من مات دون ماله فهو شهيد».
والأرض مال وهي ليست كأي أرض، وإنما أرضٌ تقام عليها شعائر الإسلام، أرض مسلمة، شعبها مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
فالذي يحارب ويبذل روحه ومهجته من أجل الحفاظ على هذا الوطن، من أجل الحفاظ على أمنه واستقراره، حتى ينعم أفراده بالأمن والأمان.
يا سبحان الله، يحملون أرواحهم ويخافون بينما يأمن الناس، يفزعون ويستيقظون بينما ينام الناس، يقدمون دماءهم وأرواحهم بينما يسعد الناس.
الناس في لهو ولعب وهم في حرب وجهاد، الناس في لهو ولعب وهم في دماء وحروب.
الناس ينامون بالليل في أحضان نسائهم وبين أبنائهم، وهم تركوا المال والبلاد وتركوا الأهل والذرية وتركوا الآباء والأبناء، وخرجوا يُصارعون الموت كالأسود الشجعان بصدور مكشوفة لا يهابون الموت.
ثم يأتي بعد ذلك من لا يعرف كيف يقرأ سورة الفاتحة قراءة صحيحة، بل لا يعرف كيف يستنجي استنجاء صحيحًا، لا يعرف كوعه من بوعه يأتي بعد ذلك يطعن في جيش بلده، في قيادته وأفراده، في جنوده وضباطه وهو لا يعرف قدره، ولا يقدر أن يؤدي ليلة كما هم عليه الآن.
فالذي يحارب في سبيل وطنه المسلم، من أجل الحفاظ على أمنه واستقراره، ومن أجل بقائه وعدم دماره هذا مجاهد، هذا مجاهد في سبيل الله ﷻ.
فيجب عليهم أن يحسنوا النية والقسط حتى ينالوا الدرجات العلى عند الله رب العالمين.
محاربة الخوارج والمعتدين جهاد في سبيل الله
وكذلك الحرب مع الخوارج، مع البغاة، مع المعتدين، الذي يحارب الخوارج والبغاة والمعتدين أيضا هو في سبيل الله رب العالمين.
إن الله ﷻ جعل لكل شيء دواء وآخر الدواء الكي كما أخبر النبي ﷺ ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾.
هذا حكم الله ﷻ فيهم، وولي الأمر هو الذي يأذن بإقامة هذا الحد عليهم، حكم الله الذي نطق به القرآن، ونزل من فوق سبع سماوات كلام ربنا ﷻ.
فالذين يحاربون البغاة والخوارج والمعتدين أيضا هؤلاء يجاهدون في سبيل الله رب العالمين.
لأنهم لو تركوهم وما أرادوا لهلك العباد، وفسدت البلاد وتسلط الأعداء وقطعت السبل وأريقت الدماء، وخربت المنشآت وانتهكت الأعراض.
فهؤلاء يحاربون عدوا هو أخطر وأخبث من الكفار الخلص في معركة.
نسأل الله ﷻ أن يحسمها بفضله وكرمه ومنه، وأن يجعل راية جندنا عالية خفاقة.
المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله رب العالمين
يا عباد الله إن كان هؤلاء يجاهدون في سبيل الله ونحن لا حول لنا ولا قوة، ولا قدرة لنا ولا طاقة على الجهاد فلا أقل من أن ندعو الله ﷻ لهم، وأن ندعمهم دعما معنويا بأن نكون صفًا واحدًا خلفهم.
وإلا لم نقدر فإن رسول الله ﷺ قال «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ﷻ».
إذا لم تقدر أن تجاهد بمالك ونفسه، وأن تقدم روحك لله ﷻ فلا أقل من أن تكون مجاهدا كما وصفك النبي «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله رب العالمين».
وهنا نقرأ -كذلك- خطبة عن منزلة الشهداء عند ربهم… مكتوبة، جاهزة وكاملة
الدعاء
- أسأل الله أن يحفظ بلاد المسلمين بمنه وفضله وكرمه، اللهم اجعل بلاد المسلمين أمنا وأمانا.
- اللهم اجعل مصر آمنة مطمئنة، وسائر بلاد المسلمين.
- اللهم احفظ مصر وشعبها، واحفظ مصر وجيشها، ووفق ولي أمرها لما فيه صلاح البلاد والعباد.
- اللهم جيشنا يا رب العالمين، اللهم أمدهم بمدد من عندك، وانصرهم بنصرك، اللهم أمدهم بمدد من عندك، اللهم اجعلهم في أمانك وضمانك، اللهم مكنهم من رقاب أعدائهم، وارفع رايتهم، وقوي شوكتهم، وأعنهم على من عاداهم.
- اللهم لا ترفع للخونة راية، وأرنا فيهم آية.
- اللهم عليك بأعدائنا يا رب العالمين.
- اللهم من أراد بلاد المسلمين بسوء فشتت شمله، واجعل تدبيره تدميره، واجعل الدائرة عليه، اللهم اجعل الدائرة عليه، وعجل بهلاكه يا رب العالمين.
- اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
- اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وتوفنا وأنت راض عنا، وأحسن خاتمتنا، واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله ﷺ.
وأقِـم الصَّـلاة..
وإلى هنا -إخواني الخطباء- نكون قد انتهينا من تقديم خطبة الجمعة المكتوبة هنا؛ والتي كانت عن الجهاد في سبيل الله، وما يرافقه من فضائل وأحكام؛ والتي ألقاها فضيلة الشيخ هاني مصطفى نجم -حفظه الله-. وهذه أيضًا خطبة عن فضل الشهادة في سبيل الله ومنزلة الشهداء «مكتوبة». نسأل الله ﷻ لنا ولكم كل التوفيق والسَّداد.