هذه خطبة الجمعة مختصرة؛ سُئِلت عنها من أحد الإخوة، وقال أنه -والكثير من الخطباء- يريدون ما يُسمَّى بـ: خطبة الطوارئ. ولعلكم تفهمون مقصده؛ فهو يريد خطبة سهلة، بسيطة، مختصرة؛ يُمكِنه اللجوء إليها إذا ضاق به الوقت ولم تسعفه الظروف ليقوم بتحضير خطبة كبيرة.
هذه الخطبة بعنوان: من عظيم الأدعية النبوية. وهي أحد الخطب المنبرية للشيخ صالح بن عبد الله العصيمي -جزاه الله خيرا-. وهي في غاية البساطة والاختصار، لكنها في الوقت ذاته تُسلط الضوء على أحد الأدعية التي كان يدعو بها نبينا المصطفى ﷺ كثيرًا؛ وستعرفونه وتعرفون المراد به، وفوائِده العظيمة، من خلال هذه الخطبة؛ فتابعوا القراءة..
مقدمة الخطبة
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونعوذُ بالله من شُرورِ أنفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَات أعمالنا، من يهدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ له، ومنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أَمَّا بَعْدُ… فإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ الله، وَأَحْسَنَ الهدي هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بدعة، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة.
الخطبة الأولى
أَيُّها المؤمِنُون: إن من جوامع الأذكار النبوية الأدعية المصطفوية ما كان النبي ﷺ يقوله إذا أصبح وإذا أمسى، فكان مما يقوله في صباحه ومسائه: «يَا حَيُّ؛ يَا قَيُّومُ؛ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَىٰ نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ».
فكان يقوله مرة إذا أصبح ويقوله مرة إذا أمسى. والذكر العظيم استفتحه النبي باسمين منا الله الحسنى وهما الحي القيوم المجموعين في أعظم آية من آيات القرآن العظيم وهي آية الكرسي في قوله ﷻ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ – فتوسل إلى ربه ﷻ بدعائه باسمين من أسمائه الحسنى: أحدهما: ﴿الحي﴾ الذي أخبر جل وعلا عن حقيقته بقوله: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾، فهو ﷻ له الحياة الكاملة التي لا يطرأ عليها نقص أبدا، فما كان محلَّ النَّقص كالسِّنة أي النعاس التي تأخذ بالنفس وكالنوم فضلا عما فوق ذلك.
وله ﷻ الحياة الكاملة المطلقة بالحسن من كل وجه؛ فهو ﷻ القيوم أي القائم على نفسه وعلى غيره بتدبير شؤونه قال ﷻ: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرَّحمن]، وقال: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد]، وقال: ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات] وقال: ﴿وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [البقرة]. يفرج كربا وينفس هما، ويغيث ملهوفا، ويرزق ضعيفا، وينصر مظلوما، ويكسر ظالما، ويجبر كسيرا، وينصف مستضعفا مستجيرا به الله.
ثم قال النبي ﷺ بعد دعائه ربه بهذين الاسمين العظيمين، قال: «بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ» متوسلا إلى الله بصفة من أعظم صفاته وهي صفة الرحمة التي قال الله ﷻ فيها: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾. فاستجار النبي ﷺ لربه متوسلا إليه أن يغيثه برحمته التي عمت كل شيء وشملت كل شيء.
قال الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمُ﴾ [البقرة].
ثم قال: «أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ». أي في الدنيا والآخرة. وأعظم الفلاح أن يُكسب العبد صلاح الدنيا وصلاح الآخرة وهو المجموع في قول الداعي: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ وصلاح الدنيا أن يؤتيك الله حسنتها، وصلاح الآخرة أن يؤتيك الله حسنتها، فحسنى الدنيا هي في الإيمان بالله وطاعته وطاعة رسوله ﷺ، وحسنة الآخرة هي في الزحزحة عن النيران والفوز بالجنان، قال ﷻ: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَار﴾ [آل عمران].
ثم قال ﷺ بعد سؤاله ربَّه أن يصلح له أمره كله؛ قال ﷺ: «وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ» متبرنا من الحول والقوة، وأن العبد لا ينبغي له أن يعول في قلبه على غير الله ﷻ؛ لأن العبد إذا وكل إلى غير الله ﷻ فإنه مخذول، فإن كمال التوفيق للعبد وإعانته على جميع مصالحه في الدارين يكون بسؤال الله ﷻ إعانته على حصول مقاصده، قال ﷻ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. قال أبو العباس ابن تيمية الحفيد: تأملت أفضل الدعاء فوجدته سؤال الله ﷻ الإعانة.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
وهنا خطبة عن الدعاء مؤثرة مكتوبة
الخطبة الثانية
الْحَمدُ للهِ كما يحب ربنا ويرضى، وله سبحانه أفضل الحمد حتى يرضى. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هي العروة الوثقى، وَأَشْهَدُ أنَّ محمَّدًا عبده وَرَسُولُه الرحمة المهداة في الآخرة والأولى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسلم تسليمًا عظيمًا.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ.. إن الدعاء الذي افتتح به النبي ﷺ بقوله: «يَا حَيُّ؛ يَا قَيُّومُ..» في طرفي يومه صباحًا ومساءً قد ملئ توحيدا من وجوه:
- أحدها: في دعائه ربه في قوله: «يَا حَيُّ؛ يَا قَيُّومُ» وغاية التوحيد أن يكون دعاء العبد كله الله، فلا يدعو غير الله ﷻ.
- وثانيها: في توسله ﷺ إلى ربه بقوله: «بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ» فهو يتوسل إلى الله لك بما أذن الله له أن يتوسل به، وقد دلّ ذلك على التوسل بالله ﷻ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى والأعمال الصالحة أو دعاء رجل صالح يدعو له، فعلى هذا فهو أحد أنواع التوسل التي أذنت بها الشريعة وما عدا ذلك فهو من التوسل الذي لم يأذن به الله ﷻ.
- وثالثها: في إظهار البراءة من الحول والقوة النفسية الإنسانية، لأن البراءة من حول الإنسان وقوته تؤول به إلى كمال الاعتماد على الله ﷻ، فكل أمره الله وبالله، وهذه أطيب الحياة.
قال ابن القيم رحمه الله ﷻ: من لم تكن حياته كلها لله وبالله، فالموت خير له من الحياة.
أمَّا هذه؛ فهي خطبة: ألفاظ تخالف العقيدة – مكتوبة
الدُّعـاء
- اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكَّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهَدَى وَالتَّقَىٰ وَالْعَفَافَ وَالْغِنَىٰ.
- اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
- اللهم هيئ لنا فعل الحسنات وحبب إلينا إتيان الخيرات، وباعد بيننا وبين فعل المعاصي والسيئات. اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، اللهم ألهمنا رُشدنا، وقنا شر أنفسنا. اللَّهُمَّ آمِنِ المُسْلِمِينَ فِي دُورِهِمْ، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَهُمْ وَوُلَاةَ أُمُورِهِمْ،
- اللهمَّ إِنَّا نعوذ بك من شَرِّ الأشرار وكيد الفجار.
- اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم.
- اللَّهُمَّ فَرِّجْ كُرَبَ المَكْرُوبِي، وَنَفِّسٌ هُمُومَ المَهْمُومِينَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ المَدِينِينَ، وَأَطْلِقْ أَسْرَى المُسْلِمينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ.
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِن الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت].