نعم؛ دعني أقترح عليك -أخي الخطيب- خطبة الجمعة لهذا الأسبوع؛ لتكون بعنوان: التذكير بخلق الإنسان. وهي خطبة كاملة بحمد الله ﷻ. بداية من مقدمة الخطبة، مرورًا بالخطبة الأولى ثم الثانية؛ وختامًا بالدعاء.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يَهدِه الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ [سورة آل عمران].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ [سورة النساء].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ [سورة الأحزاب].
أما بعد: فإن أصدق الحديث: كتاب الله، وأحسن الهَدي: هَدي محمد ﷺ، وشر الأمور: مُحدثاتها، وكل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون! اتقوا ربكم، واستمسكوا بدينكم، واتبعوا هَدي نبيكم ﷺ؛ فكل ذلك سر فلا حكم في العاجل والآجل.
واعلموا -رحمكم الله- أن الله ﷻ أنزل على عبده محمد ﷺ كتابًا عظيمًا، وقرآنًا كريمًا، وقال له: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ (٢) إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ (٣) تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (٤)﴾ [سورة طه].
وقال ﷻ -مُنوهًا بأمره ﷺ أن يذكر الناس بالقرآن-: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ (٤٥)﴾ [سورة ق].
وكان من طرائق تخويفه ﷺ وتذكيره بالقُرآن: ما يكرره في سُنَّته من السُّور والآيات التي تشتمل على المعاني العظيمة، والمقاصد الكريمة الجليلة.
ومن جملة ذلك: دأبُه ﷺ في قراءة سورة الإنسان وسورة السجدة في صلاة الفجر من يوم الجمعة؛ فإن هاتين السورتين تشتملان على أمور عظيمة؛ من جملتها: ما ذكره الله ﷻ فيهما مما يتعلق بخلق الإنسان؛ إذ قال ﷻ في سورة السجدة: ﴿ذَٰلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (٩)﴾ [سورة السجدة].
وقال ﷻ في سورة الإنسان: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (٢)﴾ [سورة الإنسان].
فهؤلاء الآيات في سورة السجدة والإنسان اشتملتا مما يتعلق بخلق الإنسان على أمورٍ أربعة:
أولها: أنَّ الله ﷻ هو الذي خلق الإنسان؛ فأنت أيها المغرور بِقواك، السادر في هواك، مخلوق لله ﷻ؛ كما قال ﷻ: ﴿ذَٰلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (٧)﴾ [سورة السجدة]؛ وقال ﷻ في سورة الإنسان: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ﴾ [سورة الإنسان: ٢]؛ فالله ﷻ هو خالقك؛ فأنت مخلوق مملوك لله ﷻ.
وثانيها: أنَّ هذا المخلوق المغرور بِقواه، السادر في هواه، هو مخلوق ضعيف؛ فإنَّ الله ﷻ أوجده من خلق ضعيف؛ كما قال ﷻ: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (٨)﴾ [سورة السجدة]، وقال ﷻ في سورة الإنسان: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ [سورة الإنسان: ٢]؛ فهؤلاء الآيات فيهما أنَّك -أيها المخلوق- مخلوق ضعيف.
وهو الذي ذكره الله ﷻ في قوله: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ [سورة الروم: ٥٤]؛ فأنت كيفما رأيت في نفسك من القوة، فإنَّك مخلوق ضعيف.
وقد خلق الله ﷻ في ملكوت السماوات والأرض من المخلوقات من هو أقوى منك.
وثالثها: أنَّ الله ﷻ وهب لهذا المخلوق الضعيف قوى عظيمة؛ هي سر عُلوه في الأرض؛ فقال الله ﷻ: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ [سورة السجدة: ٩]، وقال ﷻ: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (٢)﴾ [سورة الإنسان].
فوهب الله ﷻ للإنسان موارد علم عظيمة؛ هي السمع، والبصر، والفؤاد، ولم يجعل الله ﷻ لأحد من المخلوقات كهذه الموارد الثلاث في إدراك المعلومات.
فإن المخلوقات التي تشارك الإنسان في الفؤاد والسمع والبصر، لا يبلغ اقتباسُها للعلم من هذه الموارد كما يبلغه من الإنسان.
والله ﷻ قال: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [سورة النحل: ٧٨]، ثم لَمَّا أوجدهم على هذه الصورة جعل لهم سمعًا وبصرًا وفؤادًا؛ فاكتسب الإنسان بها من العلم ما كان به فائقًا على غيره من المخلوقات.
فلذلك المخلوق الضعيف وهبه الله ﷻ قوى عظيمة؛ انتفاعه بها أكثر من انتفاع المخلوقات جميعًا بتلك القوى الثلاث: الفؤاد، والسمع، والبصر.
وأمَّا الأمر الرابع: فإنَّ الله ﷻ لَمَّا ذكر خلق الإنسان، وأنَّ الله خالقه، وأنَّه من ضعف، وأنَّ الله ﷻ جعل له من القوى ما ليس لغيره = أخبر عن حكمة وجود الإنسان، وهو ابتلاؤه؛ كما قال ﷻ: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ﴾ [سورة الإنسان: ٢].
وهذا الابتلاء هو الذي ذكره ﷻ في قوله: ﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلً﴾ [سورة الكهف: ٧].
وقال ﷻ: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [سورة الملك: ٢].
فنحن في هذه الدنيا في ابتلاء عظيم؛ ليستخرج الله ﷻ مِنا أينا أحسن عملًا؛ فلم يجعلنا الله ﷻ في هذه الدنيا لنجمع الأموال، أو لنستكثر من زُخرفها، أو لغير ذلك من مقاصد الناس فيها، وإنما نحن فيها ابتلاء؛ ليعلم الله ﷻ أينا أحسن عملًا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العليَّ العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
هنا أيضًا خطبة: الغضب وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، رب السماوات ورب الأرض رب العرش العظيم، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له هو المعبود حقًا، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله هو المبعوث صِدقًا.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ.
أما بعد: أيها المؤمنون! إنَّ من مقاصد الشريعة في تذكير الناس كُل جمعة في صلاة فجرها بسورتي السجدة والإنسان:
- أن يعلم الإنسان أنَّه مخلوق لله.
- وأنَّ هذا المخلوق الذي خلقه الله مخلوق ضعيف، قوَّاه ما جعله الله ﷻ من القوى في فؤاده وسمعه وبصره.
- وأنَّ ذلك الذي جُعل له إنما جُعل لأنَّه مُبتلى؛ ليُحسن العمل في هذه الدنيا.
ومع كل هذه الأحوال والحقائق العظيمة، فإن الإنسان يغفل عن هذا؛ لِما جُعل فيه من الطُّغيان.
قال الله ﷻ: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (٦)﴾ [سورة العلق]؛ فيطغى الإنسان ويغفل عن وجوده، وأنَّه مخلوق لله، وأنَّه مخلوق ضعيف أيضًا، وأنَّ هذه القوى هي هبة من الله ﷻ، وأنَّه موجود في هذه الدنيا ابتلاء.
وإنَّ مما يدفع عنه الطغيان: أن يذكر أنَّه راجع إلى الله ﷻ؛ قال الله ﷻ: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (٦) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ (٧)﴾ [سورة العلق]؛ فيستغنى الإنسان ويغفل عمَّا بعد ذلك: ﴿إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ (٨)﴾ [سورة العلق]؛ وهي رجوعه إلى الله ﷻ.
فتذكروا -أيها المؤمنون- رجوعنا إلى الله ﷻ، وأنَّ الله ﷻ يكشف عن أعمالنا؛ فمن وجد خيرًا حمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
لا يغفل الله ﷻ عن إحصاء أعماله كُلها، قليلها وكثيرها، دقيقها وجليلها، سرها وعلنها.
وهنا خطبة: تربية الأبناء من أهم واجبات الآباء
الدعاء
- اللهم أحسن أعمالنا، اللهم أحسن أعمالنا، اللهم أحسن أعمالنا.
- اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
- اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى.
- اللهم حبب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرَّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين.
- اللهم حبب إلينا إتيان الخيرات، وباعد بيننا وبين المعاصي والسيئات.
- اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام نائمين.
- اللهم أحْيِنا على خير حالٍ، وتوَفَّنا على خير حالٍ، وانقلنا جميعًا إلى خير المآل.
وأقِـم الصَّـلاة..
والآن يا إخواني؛ نصل إلى نهاية المطاف في هذه الصفحة، والتي قدَّمنا لكم فيها خطبة الجمعة لهذا الأسبوع؛ بعنوان: التذكير بخلق الإنسان. والتي ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي -جزاه الله خيرا-.