عناصر الخطبة
- الإسراء والمعراج: رحلة عظيمة لسيد الخلق
- الإسراء والمعراج: مفردات الإيمان والصبر
- أحداث مؤلمة وبعدها الفرج: رحلة الإسراء بعد عام الحزن
- المسجد الأقصى: بيت المقدس وتأكيد العهد الإلهي
- هدية الله للأمة: الصلاة وعظم أهميتها
- القدس والمقدسات: بين يدي المسلمين ولن نفرط بها
- ثبات ووفاء: رسالة قوية من أهل فلسطين في زمن الابتلاء
- التأكيد على الوحدة: القدس تبقى بوصلتنا وتاج فلسطين
مقدمة الخطبة
الحمد لله العليم الوهَّاب، جعل الحمد مفتاحا لذكره، وجعل الشكر سببا للمزيد من فضله، ﴿الْحَمْدُ للّه﴾ نحمده على إعطائه ومنعه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، سيد البشر أجمعين، ورسول رب العالمين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم بتقوى الله وطاعته.
الخطبة الأولى
عباد الله.. الإسراء والمعراج هي رحلةٌ عظيمةٌ أكرم الله ﷻ بها سيد الخلق سيدنا محمداً ﷺ مكافأة له على عبوديته الخالصة لله ﷻ. ولذا افتتح الله ﷻ الحديث عن هذه المعجزة العظيمة في سورة الإسراء بقوله الله ﷻ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الإسراء: 1.
ولم يصف الله ﷻ سيدنا محمداً ﷺ بالنبوة ولا بالرسالة في هذه الآية الكريمة وإنما وصفه بالعبودية(بعبده)؛ ليبين لنا أن العبودية الخالصة لله ﷻ هي سبب الإكرام من الله، وانها مؤذنة أنّ المحنَ تتبعها المنح. وأن البلايا تحملُ بين ثناياها العطايا.
فقد جاء الإسراء والمعراج بعد عامٍ كان شديد الألم على سيدنا رسول الله ﷺ والذي سُميّ بعام الحزن فقدْ فَقَدَ فيه النبي ﷺ السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها الزوجة الرؤوم التي كانت تخفف عنه ﷺ من أعباء دعوته، وتشدُّ من أزره، وتواسيه بنفسها ومالها. وكذلك فقد فيه عمه أبا طالب الذي كان يدفع عن ابن أخيه ﷺ أذى مشركي مكة. قال ﷺ: «ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب» ← سيرة ابن هشام. فأراد النبي ﷺ بعد ذلك دعوة أهل الطائف فأجابوه أقبح إجابة. وتعرضوا له بالأذى في جسده الشريف. واغرْوا به سفهاءهم وصبيانهم يعترضون طريقه. فكان هذا أشد يوم يمرُّ عليه ﷺ. وعند عودته ﷺ إلى مكة رفض كفارها دخوله ﷺ فلم يدخلها إلا بجوار.
وبعد كلّ هذه الشدائد وبعد أن أُغلقت أبواب الأرض فتح له ﷻ أبواب السماء. فكانت هذه المعجزة إكراماً لرسول الله ﷺ، وتأييداً، وتثبيتاً، وتسريةً عنه ﷺ. فأطلعه الله تبارك على آيات تثبت فؤاده وتمسح عن قلبه أحزانه. يقول الله ﷻ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ النجم: 13-18.
فكانت هذه المعجزة لنعلم أن الضيق يأتي بعده الفرج. وأن العسر يأتي بعده اليسر. وأن الصبر يأتي بعده النصر. يقول الله ﷻ: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ الشرح: 5-6، ولن يغلب عسر يسريين.
لقد كانت رحلة الاسراء بالنبي ﷺ بجسده وروحه الشريفة مع جبريل عليه السلام ليلاً من البيت الحرام في مكّة المُكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس على دابّةِ البُراق.
وشاءت إرادة الله ﷻ أن يكون عروج النبي ﷺ الى السموات العلى من المسجد الأقصى المبارك ثاني مسجد وضع لعبادة الله في الأرض بعد المسجد الحرام ليصبح المسجد الأقصى والبقعة التي فيها القدس الشريف صنو البيت الحرام في مكة المكرمة وتوأمها. ويصبح المسجد جزءًا من ديننا وعقيدتنا. وأنه يجب الحفاظ عليه كالحفاظ على البيت الحرام فلا يجوز التفريط به، بل هو حق خالص للمسلمين، لا يقبل التقسيم الزماني ولا المكاني مع غيرهم. ولن نفرط به أبداً. فحقنا فيه أبدي خالد. مهما كثرت الفتن وتطاولت فإنها في اعتقادنا أنها تنقشع يقيناً ولو بعد حين كما انقشع الاحتلال الصليبي بعد ثمان وثمانين سنة من احتلاله.
وقد جمع الله ﷻ الأنبياء في بيت المقدس للنبي ﷺ تصديقاً له، ونصرة لما جاء به، ودليلاً بختم رسالة الأرض برسالته ﷺ. روى أحمد من حديث ابن عباس وفيه: (قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يُصَلُّونَ مَعَهُ) ← رواه احمد.
فكانت امامته ﷺ بالأنبياء مصداقاً لقوله ﷻ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81].
وبعد اللقاء بالأنبياء والمرسلين تبدأ مرحلة أخرى وهي العروج إلى السماوات العلى. حيث رأى النبي ﷺ في عروجه ما أراه الله ﷻ من الآيات، فسيد الخلق ﷺ هو سيد المرسلين وامامهم وخاتمهم أعطاه الله ﷻ ما لم يعطه لأي نبي ولا ملك مقرب وأراه الله ﷻ من الآيات أكثر مما طلبه الأنبياء السابقون. فرأى من آيات ربه الكبرى من غير طلب منه ولا تشوف. فرأى الجنة ونعيمها ورأى النار وجحيمها فصار ما كان يعلمه غيباً حاضراً امام عينيه.
وإنما كانت هذه الآيات تسلية لقلب النبي ﷺ المحزون على أمته وتأييداً له وتثبيتاً في دعوته حتى وصل إلى سدرة المنتهى لتظهر صورة مبينة لمقام سيد الخلق ﷺ وعظيم قدره أن يكلمه الله دون حجاب في مقام القرب والإكرام
ويعود رسول الله ﷺ من رحلة المعراج محملاً بالعطايا الإلهية والمواهب العلوية. ومعه هدية لأمته أهداها الله لهم في السماء تكريماً لهم وتعظيماً من شأنها إنها الصلاة، التي قال فيها العلماء أنها معراج أرواح المؤمنين، فهي محط راحتهم واستقرارهم، يهرع المسلم إليها إذا ألمّ به شيء أو حزبه أمر. قال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ البقرة: 153، والصلاة هي أفضل العبادات، وعماد الدين، ومعراج المسلمين، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فمن حافظ عليها فهو لما بعدها أحفظ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
فاقبلوا هدية ربكم وعظّموها بالإقبال عليها وأدائها في وقتها بأركانها وسننها وبالخشوع والخضوع فيها. يقول الله ﷻ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ المؤمنون: 1-2
وبعد هذه الرحلة العظيمة توالت المبشرات على رسول الله ﷺ. فكانت بيعة العقبة الأولى، والثانية ثم الهجرة ، لتتوالى الانتصارات تباعاً الى الفتح المبين. فالبشرى لنا معاشر المسلمين بقرب الفرج من الله ﷻ.
ونحن في الأردن الأرض المباركة نحمل همّ الأمة بلا ضجر ولا تأفف بمسؤولية وثقة وثبات وحب. لتبقى القدس والمقدسات منيعة من كل كيد بها لطمس هويتها وتغيير معالمها. وستبقى بوصلتنا فلسطين وتاجها القدس الشريف.
وتحلّ علينا ذكرى الاسراء والمعراج اليوم، وأهلنا في القدس وغزة وفلسطين يبرهنون صدق ثباتهم، ووفائهم، ورباطهم، في الدفاع والذود عن مقدسات المسلمين. يقول ﷺ : «لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وفي رواية: وهُمْ كَذلكَ» ← رواه مسلم.
اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافي الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة.
لديّ من أجلك يا إمام: مع ملف pdf للتحميل.. خطبة مشكولة عن رحلتي الإسراء والمعراج
⇐ وهنا أيضًا: خطبة الجمعة عن الإسراء والمعراج pdf + نص مكتوب
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر».
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم» ← رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)،لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173،174.
⇐ مهلا.. تحتاج أجمل خطبة عن الإسراء والمعراج؟ هذه —المكتوبة— من أجلك
والحمد لله ربّ العالمين