تحت عنوان «التكافل المجتمعي واجب الوقت» نأتيكُم بخطبة الجمعة لهذا الأسبوع. ومن الوهلة الأولى نجِد ما تسوقه الخطبة من حَثّ على التكافل والتضافر، والترابط، والتكاتف، والتعاضد؛ خاصَّة في أيام الكُرَب والأزمات.
دَعك من المُقدمات الطويلة، والق نظرة على الخطبة، عن كثْب.
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى البَرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ﴾، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيدنا ونبينا مُحَمَّدًا عبده ورسوله، اللَّهُمَّ صَلَّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الخطبة الأولى
وبعد: فإن التكافل المجتمعي قيمة إنسانية نبيلة بها يعم التآلف والتراحم بين الناس وفي ظلها يتحقق استقرار الأوطان وتماسكها، والمجتمعات الراقية مترابطة متعاونة يشد بعضها بعضا، كما عبر عن ذلك نبينا ﷺ بقوله: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادَّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطَفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌّ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، ويقول ﷺ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبكَ ﷺ بَيْنَ أَصابعه.
ولله در القائل:
كونُوا جميعَاً يا بَنِيَّ إِذا اعتَرى
خَطْبٌ ولا تتفرقُوا آحادَاتأبَى القِداحُ إِذا اجتمعْنَ تكسُّراً
وإِذا افترقْنَ تكسَّرتْ أفرادَا
وقد حثنا الشرع الحنيف على التكافل المجتمعي من خلال الدعوة إلى المسابقة في الخيرات بقضاء حوائج الناس والسعي إلى تفريج كرباتهم، في إخاء صادق وعطاء كريم، وتعاون على ما ينفع الناس حيث يقول الحق ﷻ ﴿فَاسْتَبقُوا الخيرات﴾، ويقول ﷻ: ﴿وَسَارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، ويقول ﷻ: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفِ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
وقد دعانا نبينا ﷺ إلى التكافل المجتمعي وحثنا عليه، حيث يقول: ﷺ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرِ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ». قَالَ الراوي: فَذَكَرَ ﷺ مِنْ أصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا في فَضْلٍ، ويضرب لنا ﷺ أروع الأمثلة في التكافل المجتمعي بالأشعريين حيث يقول ﷺ: «إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا –نَفِدَ زادهم– أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِبَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي تَوْبِ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا منْهُم»، فقد استحق هؤلاء الكرام ثناء نبينا ﷺ ومحبته حين استحضروا روح التعاون والأخوة الممزوجة بفضيلة المحبة والإيثار.
ولا شك أن قضاء حوائج الناس فضيلة دينية ووطنية، حيث يقول نبينا ﷺ: «مَا آمَنَ بي مَنْ بَات شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ»، ويقول ﷺ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ﷻ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ ﷻ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنَا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أمْشِي مَعَ أَحْ فِي حَاجَةٍ أَحَ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ –يَعْنِي: مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ– شَهْرًا… وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ في حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأقْدَامِ».
وهذه أيضًا خطبة: رمضان شهر التضحية والعطاء — مكتوبة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مما لا شك فيه أن التكافل المجتمعي واجب الوقت حيث يستقبل الناس في هذه الأيام شهر رمضان ضيفًا كريمًا يأتي بالخير واليمن والبركات والنفحات ويشمر الجميع فيه عن ساعد الجد في الطاعة والاجتهاد في العبادة، ومن أوجب ما يُستقبل به هذا الشهر الفضيل التكافل المجتمعي بإطعام الجائع وكساء العاري وإعانة المحتاج حتى يطمئن الناس، وتتفرغ قلوبهم لاستقبال نفحات وبركات الشهر الكريم. وقد وعد الله ﷻ أهل الفضل والخير والإنفاق الجزاء الجزيل والأجور المضاعفة، حيث يقول الحق ﷻ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَائِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنَّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
ويقول ﷻ: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرُ كبير﴾.
ويقول ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾.
ويقول نبينا ﷺ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلَّا ملَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهم أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُم أَعْطِ مُمْسِكًا تلفا».
اللهم احفظ بلادنا، وسائر بلاد العالمين.