أيها الأَكَارِمُ الأَشَارِف؛ لدينا اليوم في ملتقى الخطباء بموقع المزيد خطبة عن التستر التجاري وما يُخلِّفه من أضرار على الفرد وعلى المجتمع. هي خطبة جمعة مكتوبة وجاهزة ومُعزَّزة بما يلزم لتكون دعمًا ويد عَون لكل إمام وخطيب.
اعتدنا أن نلتقي لتوفير الخطب المحفلية والجاهزة، وها نحن اليوم نأتيكُم مع خطبة جمعة عن التستر التجاري في المملكة العربيَّة السعودية، وهو ما دعت إليها المؤسسات المسؤولة لتكن بمثابة خطبة موحَّدة في كل المساجِد.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
يقول الحق تبارك وتعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}. ويقول تبارك وتعالى {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}. والقائل تبارك وتعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا | يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فجزاه الله عنا خير ما جازى نبيا عن أمته ورسولا عن قومه، وسلم تسليما كثيرا.
اللهم أحينا على سنته وتوفنا على ملته، واحشرنا تحت لوائه، واسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبدا؛ حتى ندخل رضوانك والجنة يا رب العالمين؛ اللهم آمين.
الخطبة الأولى
أما بعد؛ فيا أيها الأخوة الكرام الأحبة، ويا أحباب رسول الله ‹صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها›؛ يتساهل بعض الناس في بعض الذنوب والآثام والمعاصي، يستفتون فيها من يفتيهم بحِلها، ولو رجعوا إلى أنفسهم وسألوا قلوبهم لحاك في قلوبهم وتردد، وشعروا بهذا الإثم وهذا الذنب.
وقد جاء في صحيح البخاري ومسلم عن النبي ‹صلى الله عليه وسلم› أنه قال «إن الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
وروى الإمام مسلم عنه ‹صلى الله عليه وسلم› أنه قال «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك»، يعني ما تردد وما شك فيه الإنسان «ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس».
موازين يعلمنا فيها النبي ‹عليه أفضلُ الصلاة وأطيب السلام› كيف نزن ونعرف ونضبط هذه الآثام.
وفي رواية حسنة عن أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- قال قلت: يا رسول الله، أخبرني ما يحل لي وما يحرم عليّ؟ قال «البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ولم يطمئن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون».
نعم، وإن أفتاك المفتون، وإن بحثت وبحثت، حتى وجدت من يفتيك بعد جهد جهيد؛ فمع ذلك لا يكون هذا مبررًا لك في ارتكاب ما حرم الله عز وجل.
وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». اترك ما فيه الشكك وما فيه التردد والحيرة وعدم راحة القلب والعقل والنفس، دعه إلى الأمر الذي ترتاح إليه، الذي تطمئن عليه، وترتاح إليه، وتسكن نفسك إليه، ولا يشوبك فيه شائِبة.
وفي الحديث الصحيح سأل رجل النبي ‹صلى الله عليه وسلم› ما الإثم؟ قال «إذا حاك في نفسك شيء فدعه». يعني تردد، ودخل فيه الشكك، فدعه؛ ثم قال ‹عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات› لما سئل: فما الإيمان؟ قال «إذا ساءتك سيئتك، وسرتك حسنتك فأنت مؤمن».
فإذا كنت تعمل العمل الصالح وتُسَر به، وإذا وقعت في العمل السيء تضايقت نفسُك وانزعجت من هذا الأمر فهذا كله من علائِم الإيمان والحمد لله رب العالمين.
وفي الحديث الحسن «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه».
ولا شك أن من هذه الآثام -أيها الأخوة الكرام- التي يتساهل فيها بعض الناس تلك التي تتعلق بأنظِمة الدولة التي وضعها وليّ الأمر المسلم الذي أمرك الله -عز وجل- بطاعته. فقد يتساهل بعض الناس في هذه الأنظمة؛ أنظمة المرور، أنظمة الجوازات.. وغيرها.
يقول هذه ليست من شرع الله -سبحانه وتعالى-. بلى هي من شرع الله عز وجل، لأن دين الله عز وجل قائمٌ على المصلحة العامة وليس فقط على المصلحة الفردية؛ فإذا تعارضت مصلحة الفرد مع مصلحة الأمة ومصلحة الجماعة قُدِّمَت مصلحة الجماعة.
ومن هذه الآثام أيضًا أيها المؤمنون، التي يتساهل فيها بعض الناس، التستر في العمل وما يصاحب ذلك من بيع للتأشيرات، وكذلك العمالة السائبة التي يستخدمها هؤلاء الذين يبيعون التأشيرات بغير حق، ويتركونهم دون عمل؛ وكذلك هروب العمالة من كفلائها، خاصة السائقين والشغالات في المنازل، وعملهم عند غيرهم.
وهذه العمالة السائبة التي تدفع أتاوات وأقساط شهرية لهؤلاء الكُفلاء، وما ينتج عن ذلك من أضرار بالمجتمع، مع ما فيها من الإثم على فاعلها. فقد يعمل الإنسان في غير مجاله، وفي غير تخصصه، وفي غير خبرته؛ لأنه لم يجد العمل في مجاله وخبرته وتخصصه، فيضطر حتى يدفع هذه الأقساط والأتاوات، يضطر أن يعمل في أي عمل فيضر نفسه ويضر المجتمع.
مع ما في ذلك -كما ذكرت- من المخالفة لولي الأمر والنظام الذي يهدف إلى المصلحة العامة. قال الله -تبارك وتعالى- {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.
وقد سُئِلَت اللجنة الدائمة برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- عن العمالة السائبة أو الهاربة من كفلائهم؛ هل التستر عليهم والبيع والشراء منهم، بحجة أنهم ضعفاء أو أننا بحاجة لهم، جائزة شرعا أم لا؟
فأجابه “لا يجوز التستر على العمالة السائبة والمتخلفة والهاربة من كفلائهم ولا البيع والشراء منهم، لما في ذلك من مخالفة لأنظمة الدولة، ولما في ذلك من إعانتهم على خيانة الدولة التي قدموا لها، وكثرة العمالة السائبة مما يؤدي إلى كثرة الفساد والفوضى، وتشجيعهم على ذلك، وحرمان من يستحق العمل والتضييق عليه”.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ اللهم صلّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
عباد الله؛ إن الدولة وضعت للمستثمر -غير المواطن- نظامًا، كما هناك أنظمة للمواطنين في الاستثمار؛ فليس كل مواطن يستثمر ويبيع ويشتري. هناك أنظمة وضعتها الدولة للمواطن، فلا يُسمَح لموظف الدولة -مثلا- أن يبيع ويشتري وأن يتاجِر. فكذلك وضعت للمستثمر غير المواطن أنظمة وضوابط؛ إن كان يريد فتح مصنع أو عمل تجاري أو شركات أو مؤسسات فردية، فكل واحدة منها لها نظام. وهذا من فضل الله -سبحانه وتعالى-.
فإذًا علينا أيها الأخوة الكرام الأحباء أن نتعاون على محاربة التستر التجاري الذي يضر بمصلحة الجميع، وأول ما يضر بالفرد نفسه الذي يظن أنه استفاد من هذا الأمر، وهو المتضرر الأول من هذا التستر.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا جميعا، وأن يُبصّرنا بما يحبه ويرضى، إنه سميٌ مجيب؛ نفعني الله وإياكم بهدي كتابه.
الدعاء
- اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
- ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم قوي يقيننا وتوكلنا وصدقنا وإخلاصنا وثبتنا في زمن الفتن، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لهداك، اللهم اجعل عملهم في رضاك، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة التي تذكرهم إذا نسوك، وتعينهم على الحق يا أكرم الأكرمين!
- اللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفرطين ولا مفتونين.
- اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءا فأشغله بنفسه، اللهم دمره، اللهم مزقه، اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر، اللهم لا ترفع له راية، اللهم اجعله لمن خلفه آية، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، يا قهار! يا جبار! يا مالك الملك! يا من أنت على كل شيء قدير! أرنا في الظلمة يوما تقر به أعين الموحدين، اللهم إنا نجعلك في نحور الظالمين، اللهم إنا نعوذ بك من شرور المعتدين، اللهم لا تعاملنا بما نحن أهله، وعاملنا بما أنت أهله يا أكرم الأكرمين!
- ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
أيها المسلمون؛ اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
تفاصيل الخطبة
- عنوانها: خطبة عن التستر التجاري.
- ألقاها: الدكتور عبدالله بن علي بصفر.
- فحواها: التوعية بقضية التستر التجاري وما ينتج عنه من مضار على الفرد والمجتمع معًا؛ كما تطرَّقت الخطبة للحديث عن محاربة هذه الآثام والحَدِّ منها.