عناصر الخطبة:
- فضل التسبيح.
- أسرار التسبيح.
- ثمرات التسبيح.
مقدمة الخطبة
الحمد لله الحليم الكريم، والصلاة والسلام على رسوله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، الذي وجَّهنا إلى أربع كلمات ما أعظمهن! وما أجل شأنهن! وما أكثر الخير المترتب عليهن! لا يضرك بأيهن بدأنا: “سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”.
يحصد المسلم يوم القيامة ما زرعه بلسانه في الدنيا من كلم طيب، وعمل صالح، ومما ورد في فضائل هذه الكلمات الشريفة:
الخطبة الأولى
إن تسبيح الله تعالى، هو أصل العبادة التي تجمع الخلق جميعاً ويشترك فيه الإنسانُ مع جميع الموجودات. فكل ما في السموات السبع والارضين السبع متوجه اليه ﷻ عبادةً وتقديساً وخضوعاً واقراراً. فما من شجرٍ ولا حجرٍ ولا مدرٍ إلاّ يسبح الله ﷻ ولكن لا نفقه تسبيحهم. يقول الله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ الاسراء: 44.
ومعنى التسبيح: الاعتراف والإقرار بعظمة الله تعالى، وتنزيهه سبحانه عن الشريك أو النظير أو المشابهة، ووصفه بجميع صفات الكمال، وتقديسه عن كل صفة نقصٍ أو احتياج، وكل ما يخطر بالبال، فهو ﷻ منزّه عن ذلك الوهم والخيال. يقول الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الشورى: 11. وهو سبحانه الإله المعبود الذي يستحق وحده العبادة، تنزّه عن الصاحبة والولد، وتعالى عن الأضداد والأنداد. يقول تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ الصافات: 180. ويقول ﷻ: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً﴾ الإسراء: 111. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “أنّ سبحان الله اسم يمتنع عن تسمية أيّ مخلوق به ومعناها تعظيم الله ﷻ وتقديسه”. وقال ابن عبَّاس معنى سبحان: ” إنه تنزيهُ نفسِه من السوء”.
إن تسبيح الله ﷻ عبادة عظيمة في الميزان، يسيرة على اللسان، كثيرة الخير والنفع والفائدة. يظهر أثرها على حياة المؤمن طمأنينة وسكينة وراحةً في البال، وينال بها المسلم محبة الله ﷻ ورضاه. يقول النبي ﷺ: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» متفق عليه.
لذلك أظهر الله ﷻ عظيم قدر هذه العبادة في القرآن الكريم، فابتدأت بالتسبيح سبعُ سور من القرآن الكريم، وأمر الله ﷻ عباده المؤمنين بالمواظبة على عبادة التسبيح. يقول الله ﷻ: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ آل عمران: 41. ويقول الله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾ الحجر: 98.
والتسبيح من أعظم أبواب نيل الخيرات والبركات من الله ﷻ، وفتح أبواب الرضا والقبول، لما يتضمنه من ثناء ومدح عليه ﷻ، وتحميداً لعطائه، وتكبيراً لعظيم قدره، وشكراً لجوده وإحسانه. والنبي ﷺ يقول: «… ولَا أحَدَ أحَبُّ إلَيْهِ المِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ، فَلِذلكَ مَدَحَ نَفْسَهُ» أخرجه البخاري. لذلك كان حقاً على كل مسلم أن يتخذ وِرْداً يومياً بالثناء على الله ﷻ بالتسبيح، ليكون له وارد من عطاء الله ﷻ.
يقول ابن عطاء الله السكندري رحمه الله: “من لا وِرْدَ له لا وَارِدَ له”. يقول ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ الاحزاب: 41-43.
يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: ” حَقِيقَةُ هَذَا مَصْلَحَةٍ لِلْعِبَادِ، لِأَنَّهُمْ يُثْنُونَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيُثِيبُهُمْ فَيَنْتَفِعُونَ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، لَا يَنْفَعُهُ مَدْحُهُمْ، وَلَا يَضُرُّهُ تَرْكُهُمْ ذَلِكَ ”
ومن فضل التسبيح أنه غراس أهل الجنة، وقد حثنا النبي ﷺ بالإكثار منه. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لَقيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسْريَ بي فقالَ: يا محمَّدُ، أقرئ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ وأخبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ عذبةُ الماءِ، وأنَّها قيعانٌ، وأنَّ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ» أخرجه الترمذي.
ومن أسرار ترتيب الباقيات الصالحات أنها بدئت بـ(سبحان الله)، بتنزيه الله ﷻ لتحقيق التوحيد الخالص، قال رسول الله ﷺ: «أحب الكلام إلى الله ﷻ أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت» رواه مسلم.
ومن ثمرة تسبيح الله ﷻ أنه يزيل وهنَ النفس ويرفع الهمّة، ويجدد النشاط، يقول الله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ﴾ طه: 130. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن فاطمة الزهراء رضي الله ﷻ عنها، أتت النبي ﷺ تسأله خادماً وشكت العمل. فقال: «ما ألفيتيه عندنا» قال: «ألا أدلك على ما هو خير لك من خادم؟ تسبحين ثلاثا وثلاثين، وتحمدين ثلاثا وثلاثين، وتكبرين أربعا وثلاثين، حين تأخذين مضجعك» صحيح مسلم.
ومن ثمرة تسبيح الله ﷻ أنه بشارة لكل مؤمن وقع في شدة وغمّ وهمّ. قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “ما كرب نبي قط إلا استغاث بالتسبيح”، فلنكثر من التسبيح، ولنوقن بأن الله سبحانه سيكشف السوء، فتسبيح يونس عليه السلام في بطن الحوت يذكرنا بأن الله ﷻ ينجّي من سبّحه سبحانه، وهو ظاهر من دعاء سيدنا يونس في بطن الحوت في معْرضِ الإشارة إلى جانب من قصّته مع قومه. يقول الله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأنبياء: 87،88، ويقول تعالى: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ الصافات: 143-144.
وهذا تأكيدٌ لما جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ لا إلهَ إلَّا أنتَ سبحانَك إنِّي كنتُ من الظالمينَ فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له» اخرجه الترمذي.
وهذا الدعاء نافع ومجرب لمن دعا به موقناً بوعد الله ﷻ لعباده المؤمنين المخبتين في كل وقت وحين.
اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافي الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونؤكد على قيامنا بواجب أداء صلاة الغائب على شهدائنا في غزة و الضفة. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة. سائلين المولى ﷻ أن يتقبلهم في الشهداء ويتغمدهم بالرحمة والمغفرة.
⇐ هنا أيضًا: خطبة قصيرة مختصرة عن فضل التسبيح «مشكولة بالكامل»
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: «أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه»، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر».
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم» رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173، 174.
والحمد لله ربّ العالمين…