ويستمر الحديث حول المؤثرات العقلية وحكمها في الإسلام؛ والآن يحين الدَّور على المسكرات والمخدرات، وما يجب أن يُسلَّط عليهِما من ضوء الإنذار والتحذير، وما يجب أن يعيه شبابنا حول المخاطر البشعة منهُما.
عناصر الخطبة
- سعادة الإنسان في الحياة بالاستقامة في حفظ هذه الضرورات: دين متبع، وعقل سليم، ونفس مطمئنة، ونسل صالح، ومال نامٍ اذا توافرت صلح الفرد والمجتمع.
- الوسائل التقنية (التكنولوجيا) نعمة ظاهرة من استعملها استعمالاً صحيحاً فاز بالدرجات، ومن استخدمها في المخالفات هبط إلى الدركات، والعقل هو الذي يقدر الأشياء بقدرها ليحافظ الإنسان على الواجبات.
- المخدرات أخت المسكرات في الأحكام والآثار والسلبيات والتحذير منها واجب شرعي وقانوني، والذين يرتكبون المخالفات يعاقبهم الشرع والقانون على حد سواء.
- مكافحة المخدرات والمسكرات والإدمان على ما يضر بالانسان، واجب على كل فرد لإصلاح المجتمع.
- بمكارم الأخلاق نرتقي في أردن النخوة بالإقبال على المراكز الصيفية لتلاوة القرآن الكريم وحفظه، لغرس الأخلاق الحميدة والتخلص من الآثار السلبية كالمخدرات وغيرها من السلبيات.
الخطبة الأولى
الحمد لله..
إن من مظاهر حكمة الله ﷻ ورأفته بالعباد ورحمته بهم، أنه أحلّ لهم الطيبات من المأكل والمشرب وحرم عليهم الخبائث التي تعود عليهم بالضرر في أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم، فأمرهم بالمحافظة على الضرورات الخمس التي لا تقوم حياة الإنسان إلا بها مجتمعةً وهي: (الدين والعقل والنفس والنسل والمال) ، وقد اتفق العلماء والعقلاء وأصحاب الشرائع والملل والقوانين على حفظ هذه الضرورات وتحريم كل ما يضرّ بواحدة منها، وهو ما ينسجم مع الفطرة الإنسانية السليمة، وإذا كانت هذه الشريعة الإسلامية حرمت ما يضر في واحدةٍ من هذه الضرورات فإن ما يضر بالضرورات الخمس مجتمعه يكون فيها التحريم آكد، والإثم فيها يكون أكبر وأعظم.
وإن من الآفات التي يجب الحذر منها وتحذير أبنائنا منها وتوجيههم التوجيه الصحيح بالابتعاد عنها، كل ما يؤثر على عقولهم تأثيراً سلبياً يحرفها عن المقصود الذي وجدت لأجله، فمهمة العقل هي التفكر والتدبر ومعرفة الوجود وعمارة الأرض، وبالتالي يجب صيانة هذا العقل عن كل ما يسلبه هذه القدرة على التفكير والقيام بمهامه خير قيام.
ومن هذه المؤثرات العقلية التي عمّ انتشارها وظهر خطرها بسبب استخدامها الاستخدام الخاطئ، المؤثرات الرقمية، ووسائل التكنولوجيا الحديثة، التي وجدت أصلاً لتحقيق راحة الإنسان وتيسير أمور حياته، والارتقاء به حضارياً وثقافياً، وقد قال النبي ﷺ: «الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ، فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» سنن الترمذي، ولكن الاستخدام الخاطئ لهذه الوسائل، وعدم مراقبة الأبناء وتوجيههم لاستخدامها بالطريقة المثلى، يؤدي إلى الإدمان على استخدامها، وتؤثر سلباً على سلوك الأبناء من الناحية العقلية والنفسية، كما تؤثر على سلوكهم في مجتمعاتهم وتعزلهم عن واقع الحياة وتحدياتها الحقيقية إلى عالم افتراضي يوجه الأبناء دون وعي أو إدراك.
عباد الله: ومن المؤثرات العقلية كذلك التي يجب الحذر منها لما لها من ضرر كبير على حياة الأفراد وتأثيرها المدمر على المجتمعات جريمة تعاطي المخدرات والمتاجرة بها، تلك الجريمة التي تنتشر وتتفاقم بسبب ضعف الوازع الديني عند بعض الناس، إضافة إلى سوء التربية، التي تؤدي إلى انحراف متعاطي المخدرات والمروجين لها عن المنهج القويم والابتعاد عن معنى وحقيقة وجودهم على الأرض بأن يكونوا عباداً لله ﷻ، وخلفاء له ﷻ في الأرض، يقومون بعمارتها وإصلاحها، صالحين في ذاتهم ومصلحين في مجتمعاتهم، لا أن يكونوا فاسدين مفسدين، قال ﷻ: ﴿فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾ الصف: 5.
لقد دعا الإسلام إلى اجتناب المسكرات والمخدرات والمؤثرات العقلية يقول ﷻ: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون﴾ المائدة: 90.
ويقول رسول الله ﷺ: «كل مسكر حرام» صحيح البخاري، ويقول النبي ﷺ: «اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث» سنن النسائي.
كما نهى رسول الله ﷺ: «عن كل مسكر ومفتر» سنن أبي داود، وفي ذلك دعوةً للحفاظ على العقل والمال، والابتعاد عن كل ما يلحق الضرر بالإنسان وعقله وماله ودينه، فيوم القيامة «لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه»سنن الترمذي، والخمر هو: كل ما خامر العقل أو غطاه أو ستره بغض النظر عن مظهره أو صورته وكل المخدرات مسكرة ومفترة وهي حرام؛ قال رسول الله ﷺ: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام» صحيح مسلم، وعليه فقد أجمع علماء المسلمين من جميع المذاهب على تحريم المخدرات حيث تؤدي إلى الإضرار في دين المرء، وعقله، وطبعه، كما تورث متعاطيها دناءة النفس والمهانة، وتؤدي إلى إزهاق الروح وقتل النفس بالتدريج.
والله ﷻ يقول: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً﴾ النساء: 29. وقوله: ﴿ولا تلقوا بأيدكم الى التهلكة﴾ البقرة: 195.
فإن الإنسان إذا غاب عقله تخلى عن طبيعته الإنسانية، وسيطرت عليه غرائزه التي لا تفرق بين حلال وحرام، وبين حسن وقبيح، فتختل عنده الموازين، وتنحرف البوصلة عن الوجهة الصحيحة، فيعيش الإنسان في جو من الأوهام الخاطئة، والأحلام القاتلة، التي تغري الشباب أو توقعهم في المعصية، وقد كان كثير من العرب قديماً في الجاهلية، يأنفون من تناول ما يذهب عقلهم أو يؤثر عليه وقد قال بعضهم في شرب الخمر:
فلا والله أشربها صحيحاً
ولا أشفي بها أبداً سقيماً
ولا أعطي بها ثمناً حياتي
ولا أدعوا لها أبداً نديماً
فإن الخمر تفضح شاربيها
وتجنيهم بها الأمر العظيما
كما أن تحريم المخدرات ليس مقصوراً على تعاطيها بل يتعدى ذلك ليشمل جميع صور التعامل والانتفاع بها كما بَين ذلك رسول الله ﷺ بقوله: «لعن الله الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها» سنن أبي داود، وللمخدرات أيضاً نفس الحكم من حيث حرمة تعاطيها وزراعتها وبيعها وشرائها والاتجار بها ونقلها وغير ذلك من صور التعامل أو الانتفاع.
وأما المروجون لهذه المواد القاتلة فليتقوا الله ﷻ وليعلموا بأن عليهم وزرهم ووزر من زلت قدمه في هذا الداء الخطير بسببهم، وليتذكروا قول الله ﷻ: (إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النور: 19، كما إن المال المتحصل من هذه التجارة هو مال خبيث حرام غايته إهلاك الحرث والنسل ونشر الفساد والفاحشة في الأرض وسيُسأل عنه أصحابه يوم القيامة.
وأما ما يدّعيه المروجون زوراً وبهتاناً أن هذه المخدرات تنسي أصحابها الهموم، وتفرج عنهم الغموم، وتريحهم وتدخل شيئاً من السرور والسعادة إلى نفوسهم، فكله كذب وبهتان، والحقيقة المرة أن الأمر على خلاف ذلك تماماً فإن الذين يدخلون في هذا الطريق ويسيرون فيه يصيبهم الشقاء المحتوم، والاكتئاب الدائم، وسوداوية الحياة، ودمار الصحة، إلى أن يصلوا إلى هلاك وموت وسوء خاتمه.
عباد الله: إن عاقبة وآثار المخدرات مشهورة معلومة وفيها من المفاسد الدينية والدنيوية ما لا تخفى على أحد فهي تؤدي إلى ضعف البدن وانتشار الأمراض، وتبذير الأموال، وفساد الأخلاق، وإفساد النفس والبدن، فكم سلبت المخدرات من نعمة، وجلبت من نقمة، وفرقت بين الرجل وزوجته، وذهبت بقلبه وعقله، وكم نشرت العداوة والبغضاء بين الناس، فهي كما قيل: “حاضر مسموم، ومستقبل معدوم”.
يقول الله ﷻ: ﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون﴾ المائدة: 90.
وهذه الآثار كلها في الدنيا وأما في الآخرة فالأمر أعظم وأخطر فعن جابر رضي الله عنه عن الرسول ﷺ قال: «كل مسكر حرام وإن على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النار أو عصارة أهل النار».
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران: 102.
عباد الله: إن من أهم الأسباب الموصلة إلى المخدرات هو الجهل بخطورة هذه الآفة المهلكة وعدم متابعة الآباء والأمهات لأبنائهم والسؤال عن أحوالهم ومتابعة مشكلاتهم والحوار معهم ومعرفة اهتماماتهم وتلمس معاناتهم كل هذه أساب قد تدفع الشباب نحو التوجه إلى الطريق الخطأ الذي يدمر الإنسان.
فالواجب على جميع أطياف المجتمع أن يقفوا صفاً واحداً في وجه هذه الآفة الخطيرة وهي أيضاً دعوة للآباء أن يهتموا بأولادهم تربية وتعليماً، كما ينبغي حفظهم من أصدقاء السوء ورفقاء الشر حتى يكونوا صالحين مصلحين هادين مهديين غير ضالين ولا مضلين لقول النبي ﷺ: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها» متفق عليه.
وبالمقابل فإن تزكية النفس، وإخلاص العبادة لله ﷻ والإقبال عليه والصلة به ﷻ أمر أساسي في تحصين النفس والمجتمع من هذه الآفة الخطيرة.
فالمجتمع القوي الذي يضم أفراداً أقوياء في أجسامهم وفي عقولهم يضمن المناعة لنفسه ولأفراده من انحراف أي فرد فيه فالواجب شرعاً على كل حريص على دينه وأمته وأبناء مجتمعه أن يقوم بالتبليغ عن المروجين لآفات المخدرات للجهات المختصة التي تحسن التعامل معهم وكفّ أذاهم عن المجتمع، كما تخضعهم للعلاج المناسب من البلاء والإدمان الذي وقعوا به، فلعل بعضهم يريد التوبة ولا يجد إلى ذلك سبيلاً، وقد قال النبي ﷺ: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» صحيح مسلم.
كما إن مكافحة المخدرات والمروجين واجب على الجميع، فعلى أفراد المجتمع جميعاً التعاون في مكافحة هذه الآفة، بما يحقق خير الأمة ونموها وتقدمها، وإبعاد خطر انتشارها لما في ذلك من ضرر على المجتمع الإسلامي.
والحمد لله رب العالمين..
⇐ تريد المزيد من الخُطَب المُتعلقة؟ تابع أيضًا: