عناصر الخطبة
- المقتضيات الإيمانية تتطلب من المسلم أن يتحلى بالأخلاق الحميدة وأن يهجر الفواحش.
- الفواحش تمثل كل ما هو قبيح ومنكر ويشمل الأفعال مثل الزنا واللواط والسحاق.
- المواقع الإباحية تسبب في موت القلب وتضليل الإنسان.
- الشذوذ الجنسي يعتبر خطرًا عظيمًا ويخرج الإنسان عن فطرته.
- النهي عن ممارسات المثلية والشذوذ من خلال قصة نبي الله لوط.
- الترويج للشذوذ والمثلية يجلب العذاب من الله.
- الفواحش لها آثار سلبية على الفرد والمجتمع.
- الدعوة لنشر القيم النبيلة والامتناع عن الوقوع في المعصية.
الخطبة الأولى
إن من مقتضيات الإيمان أن يتحلى المسلم بمكارم الأخلاق، وأن يهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يظل قلبه متعلقاً بالله ربه الذي خلقه في أحسن تقويم، وأن يقتدي بسيد المرسلين سيدنا محمد ﷺ، ويسلك سبيل الصحابة أجمعين.
والفواحش هي كل ما اشتد قبحه، وعظم فساده واثمه مما نهى الله ﷻ عنه من قول أو فعل كالزنا واللواط والسحاق، ويلحق بها كل ما أدى إليها كالنظر إلى المواقع الإباحية التي تجعل الإنسان عبدًا لشهواته ونزواته، والتي تكون سبباً فيما بعد بموت قلبه، قال الله ﷻ: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33].
فإدمان النظر إلى المقاطع التي تنشر الرذيلة، وتخدش الحياء يقتل الإبداع، ويخرج الإنسان عن فطرته الإنسانية، ويمنع من التوبة، وينذر بسوء الخاتمة، ويعرضه للفتن، فلا شيء يردعه أو يزجره، كما قال ﷻ: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ المطففين: 14.
وقال عليه الصلاة والسلام: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت له نكتة بيضاء، حتى يصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه» ← رواه مسلم، قال المنذري – رحمه الله ﷻ –: “ومعنى الحديث: أن القلب إذا افتتن وخرجت منه حرمة المعاصي والمنكرات خرج منه نور الإيمان؛ كما يخرج الماء من الكوز إذا مال وانتكس.
ومن أنجع سبل الوقاية من الوقوع في الفواحش غض البصر عمّا حرّم الله ﷻ، وأن تغض المؤمنات كذلك أبصارهن عمّا حرّم الله، قال الله ﷻ في محكم كتابه: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [ النور: 30 –31]
ولئن كان اللقاء الحرام بين الرجل والمرأة كبيرة من الكبائر، وفاحشة من أعظم الفواحش فإن ممارسة العلاقة بين الرجال لهي أشد خطراً، وأفحش من كل الفواحش لما فيها من شذوذ عن الفطرة التي خلقنا الله ﷻ عليها، فإن هذا الشذوذ الذي يفعله بعضهم اليوم قد حذر سيدنا لوط عليه السلام قومه منه، قال ﷻ: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ الأعراف: 80ــ81.
ولكنهم لم يقبلوا نصحه ولم يصغوا لتحذيره بل كان جوابهم التوعد والتحريض على إخراجه من بينهم لمناداته لهم بالطهر والعفاف، فكانت عقوبتهم ما أخبرنا القرآن عنها قال الله ﷻ: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾ [النمل: 56–58]
والحق أن اكتفاء النساء بالنساء، واكتفاء الرجال بالرجال خطر عظيم ينذر بالويل والثبور وعظائم الأمور، فإن هذا الشذوذ الذي يدعو إليه الذين خالفوا الفطرة البشرية والطبائع السليمة للإنسانية، وصدوا عن سبيل نهج الفضيلة والاستقامة، فطفقوا ينشرون الفساد في الأرض، ويسمون هذا الفعل الشنيع بالمثلية، فأين المثلية ممن يفعل ما يخالف الفطرة السليمة، وصدق الأعرابي الذي سئل عن هذا الفعل الفاحش فقال كلمة جامعة: شيء إذا رأته عيناي تقززت نفسي، وإذا شممته وضعتُ يدي على أنفي، كيف آتيه في موضعه.
ولا شك أن فاعل اللواط آثم، ومثله كذلك اللاتي يفعلن السحاق، وهو إثم عظيم يرتكبه الشاذون من الجنسين، وهي مسألة لا خلاف فيها بين العقلاء، ويلحق بهم أيضاً الذين يدعون إلى الشذوذ باسم المثلية، ويروجون لهذه الأفعال القبيحة التي يندى لها جبين الطهر والطهارة، وقد توعد الله ﷻ أولئك الذين يحبون شيوع المثلية والأفعال الشنيعة والقبيحة في المجتمعات بالعذاب الأليم حيث قال ﷻ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19].
وعلى من وقع في المعاصي أن يستتر، وأن لا يفضح نفسه، فإن الله ﷻ يستره ما دام لم يصرح ويتباهى بما فعل، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه» ← متفق عليه.
إن من يروج لهذه الأفعال القبيحة التي يندى لها جبين الطهر والطهارة، لهو أشد اثماً ممن يقع فيها، بل إن نكران القرآن أشد من الوقوع في الفاحشة ونكران القرآن يشيع كل الفواحش وليس فاحشة واحدة وتمرد على الله ﷻ، وقد توعد الله ﷻ أولئك الذين يحبون شيوع المثلية والأفعال الشنيعة والقبيحة في المجتمعات بالعذاب الأليم.
ومن العجب العجاب أن يعتبر الشذوذ والمثلية حقاً من الحقوق التي يطالب بها الشاذون ومؤيدوهم، والصحيح من القول أن هذه النداءات يجب أن تصم الآذان عن سماعها فضلاً عن مناقشة أصحابها؛ لأنها ليست من حقوق الإنسان في شيء، بل هي شهوات لا أصل لها وفيها خراب للعائلة وخراب في المجتمع وفيها تعدٍّ على حق العِرض والنسل.
إن الوقوع في الفواحش يؤدي إلى مفاسد عظيمة وكبيرة لها آثار مدمرة على الفرد والمجتمع، فهي تقتل الإيمان، وتقضي على إرادة الخير والحب والمودة بين الناس عامة، وبين الأزواج خاصة.
ولذا يجب علينا جميعاً اليوم أن ننهض بدورنا بنشر القيم النبيلة كالعفة والحياء والطهر والنقاء والصبر على عدم الوقوع بالمعصية والغيرة على محارم الله ﷻ، والامتناع عن إشاعة الفاحشة بكل أشكالها وألوانها، قال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
⇐ هنا أيضًا خطبة: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.
لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال ﷻ: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ الأحزاب: 43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر».
ومن قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي»، وعليكم أيضاً بــ «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» قدر المستطاع.
والحمد لله ربّ العالمين..